الغاز المصري بتلسكوب التصغير


كان عملاقا بحجم مصر لايُرى بالعين المجرّدة بكلّ مصر، كان مسكونا بالجنّ والعفاريت، حرّاس الظلام يختفون في الأضواء، فلاتدركه أبصار البشر وهو يدرك مصر وإسرائيل بالكرّ والفرّ، وكان مُغبّرا بغبار التهميش لا يُعرف شكله ولا حجمه، ومحبوسا بتلسكوب التصغير، فلا يُرى الاّ في منطقة سيناء بطول 100 كيلو بين (العريش) الصحراوية المصرية و(عسقلان) الساحلية الإسرائيلية ..

إنه الغاز المصري العملاق، كان يحرق الدار ويطبخ للجار، على غرار نبع (عين عذاري) في البحرين.! توضيحا للقارئ غير الخليجي، ان نبعا في البحرين الشقيقة إسمه (عين عذاري) تجري بهبوط وإنحدار فلا تسقي نخيلا في قعر الدار، رغم انه نبعٌ يخرج من جذور تلك النخيل اليابسة للماء، ولكنها  تجري بعيدا عنها، وتسقي الأشجار والنخيل على بعد مئات الأميال.! فخاطبه الشعراء الخليجيون: (عين عذاري، تركتي داري، وسقيتي جاري.!) .. والغاز المصري كان على منهجية عين عذاري، الجار دون الدار منذ 2005، لكنه الجار العدو الغاصب المحتلّ .!

الذين شهدوا إتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل عام 2005، هم شهداء مشفوش حاجة الى تلك الليلة التي إنفجرت فيها الأنابيب في (العريش)، وإنفجر معه أداة التصغير، ذلك التلسكوب المُضلّل المُقرّب للبعيد والمليّن للحديد، فأنقشعت الغمامة عن إتفاقية تصدير 1.7 مليار متر مُكعب من الغاز المصري سنويا لمدة 20 عاما وبثمن بخس زهيد يتراوح بين 70 سنتا و 1.5 دولار للوحدة الواحدة، تكلفة إنتاجها كانت تفوق 2.65 دولار.!

تلسكوب التصغير كان يُصغّر لحدّ الإخفاء عن شعب مصر، ما يتمّ شفطه جُزافا من خيرات الوطن، أين كان يذهب دولار وعشرة سنتات عن الوحدة الحرارية الواحدة لإجمالي 1.7 مليار متر مكعب سنويا منذ 2005؟ .. لعلها كانت تطير على طبق من ذهب إلى تل أبيب الغاصبة للقدس وسيناء وسويس وجولان وفلسطين.!

الذين شهدوا مسرحية شاهد مشفش حاجة، وإن رُفع الستار لهم عن كل شي: عن القاتل الحقيقي، الشاهد الغلبان، الأسد المقنّع، المتّهم البريئ، والمحامي الذئب .. إلاّ ان التلسكوب الذكي المشفّر لم يكشف النقاب عن الساحرة (كوكا كولا) وهى تقدم نفسها أكسيرا لحياة حارس القضاء، ظلّ يرقص لها الشرطي العطشان شحّادا يترنّح امام القضاة يمينا ويسارا لرشفة من القطرة الساحرة (كوكا كولا) .. و التلسكوب ذاته الازال يُخفي حقيقة انّ لترا من النفط العربي في الأسواق العالمية يٌباع بنفس سعر لتر من كوكاكولا الإسرائيلي في الوطن العربي.! أليست قنينة لتر من الماء الأسود المصنوع كيمياويا، بنفس قيمة لتر من الذهب الأسود الموهوب سماويا.!؟
والإجابة نعم، النفط بكولا، لترٌ بلترين، والأرض بالسلام مترٌ بمترين .. لكن الأرض لن تعود فالسلام لن يعود، والنفط قد ينضب آباره والكولا قد تتفاقم أمواجها، فأخشى من يوم الأرض بكولا والسلام بكولا يا أبناء النيل والفرات.!

لوكنت وزير الغاز المصري لأعدت تصديره لإسرائيل (الدويلة الترسانية المصغرة بأربعة ملايين نسمة)، لكن بعد عرضه بسعر منافس على الجارة العملاقة تركيا المسلمة الشقيقة، ولأضفت على كل متر مكعب سيعاد تصديره فوق السعر العالمي دولارا وعشرة سنتات، لتعويض أرض الكنانة ما أفتقدت من خيراتها في الرشاوي والعمولات والبقاشيش.

ولو كنت برادعي الأمس رئيسا لمصر غد، لطالبت رقابة دولية على أنابيب غاز مصر لإسرائيل، أين تنتهي تلك الأنابيب.؟ إلى المطابخ والمخابز وبيوت المدنيين (رغم عسكرة إسرائيل لكل المدنيين).؟ أم ان تلك الأنابيب تنتهى على مصانع الدبابات والقنابل والصواريخ.؟

ولو كنت مصريا (وهو شرفٌ لي)، وانتخبني شعب مصر رئيسا ليوم واحد، لفرضت على كوكاكولا وبيبسي كولا ضريبة 200%، او شققتُ أسعارها الى شقّين، قنينة الجنيه بنصف جنيه، ولصببتُ ريعها وريعانها في الصناعات الوطنية، ولشجعّتُ إلإبتكارات الفتيّة بعقول المبدعين المصريين في هذا المجال، ليأتوا عاجلا أم آجلا بتحدّيات إحلال صناديق وعُلب (إسرائيل كولا)  بـ: (مصر كولا)، ونرى في كل مصر، علّب وقناني: (سويس كولا، أسوان كولا، عريش كولا، اوالنيل والفرات كولا) .. على أن يكون تصدير (مصر كولا) لأسواق إسرائيل شرطا ملزما لإعادة تصدير الغاز المصري لللإسرائيليين
.
  • بقلم: أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)


1 تعليقات

  1. الله يعطيك الصحة والعافيه استاذ احمد اعتز جداً بمقالتك وهذا ليس بغريب علي أبناء زايد الخير زوي الأيادي البيضاء الذي يمتد خيرهم بنهر يجري في بقاع الارض

    ردحذف
أحدث أقدم