السموحة من معاليه إذا ناديته بلا ألقاب بتحية شعبية (شرّفتنا يا شرف)، وهو معالي رئيس الوزراء المصري د. عصام شرف، لكونه عرّف نفسه وزيرا ديمقراطيا شعبيا في بلده، فأولى به أن يمثّل بلده في الخارج بالشعبية ذاتها التي أرادها المصريون بشبابية إلغاء الألقاب وحفظ الأسماء، كما وعبّر معاليه عن ذلك مازحا للصحفيين في آخر مؤتمر صحفي له قبل مغادرة القاهرة (أنا لا أسكن كومباوند محاط بالحراسة، وإنما أعيش في الشقة العادية لوالدي التي كنت أسكنها منذ 55 عاما، ومازلت أشتري الفول من عمّ عبده من أمام المنزل، فأفتح لكل من يطرق الباب، وأستقبل كل من يقصدني بالجلباب).
وصل اليوم إلى أبوظبي معالي رئيس الوزراء المصري د. عصام شرف في زيارة هي الأولى لدولة الإمارات، وهي المحطة الرابعة لجولته الخليجية التي زار فيها كلّا من السعودية وقطر والكويت .. مرحبا بمعاليه في ديار زايد الصلح والسلام وبعاصمة كلنا خليفة في أبوظبي، عصام شرف لو افترضناه جدلا كان قد دخل مطار ابوظبي بتأشيرة مواطن مصري عادي ودون أن يكشف عن جواز سفره الدبلوماسي، لما كان اختلف معه الوضع لو أراد أن يكتشف بنفسه الرحابة الإماراتية للمواطن المصري، ولكان نطق بنفسه عن المصريين في الإمارات وبما في قلوبهم منذ أن نشأت ومنذ أن دخلوها بسلام آمنين .. فمرحبا بمعاليه المصرية أولا، ثم بمعاليه الوزارية ثانيا وثالثا ورابعا و...
لاجديد في هذا المصري الإماراتي المعهود في أبوظبي، إن كان العكس أيضا هو الصحيح بذلك الإماراتي المصري السبّاق الىالقاهرة، فإن مقومات التكامل لأبوظبي بالقاهرة ولدبي بالإسكندرية، ما لاتتوافر لغيرها من العواصم العربية ببعضها، هذا مما لاشك فيه، وأستطيع أن أثبت ذلك بأرقام تتهاوى بها مطبّات إقليمية عدّة لو جعلناها القاهرة في المقدمة، على أن تجعل القاهرة في مقدمتها كما وعدتنا (أمن وعروبة الخليج خط أحمر وجزء من أمن مصر القومي).
إذ وبالقاهرة نستطيع تحويل العلاقات العربية الأخرى من فاترة الى ساخنة، وبها تحويل التحديات الإقليمية الأخرى من توجّس الى تفهّم، وكان في القاهرة توقيع الفصائل الفلسطينية، فحولنا الحمساويين والفتحاويين إلى فلسطينيين من القاهرة، فلا غزة ولا ضفة بعد اليوم، بل القدس بفلسطين، وبالقاهرة أنهينا مأساة سكان غزة للأبد إن شاء الله بفتح معبر رفح بشكل كامل، كذلك بالقاهرة تخشى إسرائيل وصول التسونامي السياسي العربي إلى تل أبيب بما يُهلكها أكثر من زلزال اليابان.
كلما تطرقنا لمصر ولكافة الدول الصديقة لها، تأتي في مقدمتها دولة الامارات العربية المتحدة التي تربطها بها رباطٌ متين، ذلك هو الماضي للبلدين الذي يؤكد على تفرد العلاقات الثنائية بالخصوصية والاحترام المتبادل، وإن وجد رئيس الوزراء المصري اليوم في ابوظبي ضمن جولته الخليجية، وأيضا في دول حوض النيل ضمن جولته الأفريقية، إلى جانب الخطوط الناعمة في الخفاء للغزل الإيراني المصري، كل ذلك لا يعني عودة مصر الى المنبع فحسب، بل هو الاعتراف بمصر اليوم ومصر الغد هي ذاتها مصر أمس بوزنها في محيطيها العربي والإفريقي .. إذن الكرة اليوم في ملعب العرب، إذا عرفنا الاحتفاظ بالقاهرة قوّة لكل العرب.
تصفحتُ قبل المقال مواقع الصحف المصرية، فتألمت لبعضها التي وصفت جولة عصام شرف الخليجية بالتسوّل.!ّ إنهم يجهلون الوطن وحدوده، الوطن لاهو نقطة على الورق ولا نبتة في الصحراء وإنما نبضة في الحياة، لاشك ان امام الحكومة المصرية الجديدة مهمتين: تحسين الاستثمارات، وتحقيق الأمن والأمان في الشارع المصري، وإن نجح د.عصام شرف في ضخّ الاستثمارات الخليجية في السوق المصرية الواسعة التي تتمتع بقوّة شرائية ضخمة، فذلك النجاح إنما هو مكسبٌ لثروات الخليج قبل مصر، والخطأ في ركود السيولة الفائضة للبنوك الخليجية يسكنها الغبار لا يحركها ساكن لا إستثماراها وتحريكها بالوصول الى تلك الفرص الاستثمارية الواعدة، ومن الخطأ أيضا أن يبقى المصريون كتفا على كتف في الانتظار حتى يستعيدوا الأموال المنهوبة التي يزعمونها فبالخارج، يحلمون في يوم يأتيهم طبق طائر يغير الأحوال المعيشية لكل مصري ومصرية إلى الف ليلة وليلة لشهرزاد وشهريار.
عصام شرف عساه يقرأ مقالي، وعساه يسألني "عندك ايه في مصر.؟" فأجيبه عندي أربعة بيوت في مصر، وقد أجبت الكثير ممن سألوني بذلك، ثم سألوني يعني عندك "أربع زوجات في مصر؟" .. فأقولها دائما .. لأ يباشا، لأمعنديش حاجة غير أم محمد اللي معاي منذ ثلاثين سنة في بيتي المتواضع جنب أولادي في دبي، ولكني اشتريت في مصر أربع وحدات عقارية منذ عشرين سنة لعّلي أحبها مصر أربعة أضعاف .. وهذا ما قصدته في بدء المقال (لاجديد للمواطن المصري المعهود في الامارات، والإماراتي السباق الى القاهرة).
والقاهرة لا تُقاطع (فتح الطاء)، لأننا قاطعناها يوما فلم تعد لنا القاهرة الى ان عدنا للقاهرة، بل وهناك عواصم عربية أخرى من ضمنها القاهرة يجب علينا التودد لها ولا يجوز لنا ان نتفلسف عليها، وهى بيروت ودمشق وبغداد والقاهرة قبل كل شيء، ويبقى المواطن العربي المتعلّم المثقّف مُدانا لتلك العواصم في قراءاته النظرية وفي غذاءاته الفكرية، ولا أعتقدك يا عزيزي القارئ تخالفني إذا قلت (ما دخلت الجامعات العربية ومكتباتها في حياتي وحملت كتابا من الأرفف وقلبت الغلاف إلا و قرأت خلفه طبع في بيروت أو دمشق أو بغداد أو القاهرة).
وهي العواصم ذاتها يبدو لي مستهدفة اليوم استهلاكها بالنعرات والمظاهرات، فاستبدلت القاهرة وبيروت مناراتها الحضارية العلمية بشعارات المتظاهرين في الشوارع، وتتبادل دمشق وبغداد في أضواء القنابل والرصاص بالتناوب شلالات الدماء بصورة مباشرة، فتنهك بذلك بيروت والقاهرة والعواصم الأخرى بشكل غير مباشر، وهكذا نحن مستهدفون فهل نعرفهم الهدّافون.؟
النهاية
-
البريد الإلكتروني: ui@eim.ae
الرائع الأستاذ أحمد إبراهيم
ردحذفليس بغريب هذا الفيض الجارف من المشاعر الأخوية, فما بين الشعبين الإماراتي و الشعب المصري ليس بوليد اللحظة الراهنة, بل هو تواصل حضاري و شعبي و رسمي رغم حقد الحاقدين و كيد الكائدين, و لعل الأزمات الكثيرة و التي اجتزناها كشعبين و حكومتين على مر السنوات لهو خير دليل على العمق المتغلغل في نفوسنا جميعا من مشاعر للأخوة لا توصف
تحياتي من قاهرة المعز, بلد الأمن و الأمان
بارك الله فيك أخي العزيز الأستاذ هذا حقيقي .. مقال رائع من إنسان رائع .. لكم كل المودة والسلام
ردحذفما أجمل هذه المشاعر وهذا الحب..
ردحذفأتمنى لشرف أن يصبح رئيس جمهورية مصر العربية القادم.. شكراً للمقاله
ردحذفMa9al ysta7i9 tahni2a kalimat mo3abira Tosawiro lana Macha3ir wa a7assiss motabadal bayna mahom 3arab 3ama wa moslimine khassa 9ade jossidat f ziyart a7ad mowatinin massr bihadafi widdi 7AMime wa chokran ya Akhi a7med 3 kolli hadik lmajhodat
ردحذفهذا ان دل فإنما يدل على عمق العلاقة الاخوية بين مصر والامارات ، فنحن كمصريين نعمل في الامارات نحس اننا في بلدنا الثاني فهنا عشنا وعلى هذه الارض الطيبة ولد وعاش اولادنا ، والشعب المصري لا ينسى للامارات وللشيخ زايد رحمه الله مواقفهم النبيلة التى تدل على عمق قيم الاصالة والترابط بيننا كعرب ومسلمين ، وفق الله امتنا العربية للخير
ردحذفسعدت جدا بمرورى على مقالك الأكثر من رائع يا أستاذى الفاضل .. كل التحية لك على كلماتك الماسية وصدق مشاعرك ونبل أخلاقك
ردحذفمصر والامارات بلد واحد وروح واحدة رغم انف الحاقدين والدخلاء ونحن بمصر نعشق اهل الامارات ونفخر بهم
دكتور عصام شرف رجل يجمع بين العصمة والشرف فعلا وسياسي غير مسبوق ونحن نتمنى ان يسدد الله خطاه وان يتمكن من اصلاح ماتم افساده على ايدى اتباع النظام البائد
تحياتى الى قلمك الحر ونفسك الزكية
لك خالص التحيه منى ومن كل عربيه على هذه المقاله البسيطه فى الكلامات العظيمه فى المعنى وفعلان مصر والامارات اخوات وانا مصرى واعمل فى بلادى الثانيه الامارات ولا اراى اى اختلاف بينه وبين اخواتى الامراتين الا كل حب ويا رب يدوم كل الحب بين كل الدول العربيه ونكون عظماء العالم باذن الله
ردحذف