هناك معضلة خطيرة تهدد الأبناء لكنها لا تشغل بال كثير من الأباء والأمهات إنها {صراع القيم }
قد لا يكشف الصغير عن مايدور في عقله من أسئلة و أفكار عن صراع القيم الذي يقظ مضجعه .
أسئلة تدور في خلده :. من الأصح ؟ المسلمون , أو الغرب الكافر , كما يسمع في أحاديث المجالس التي تتناقلها الألسن .
والدي الذي يصلي , أو أمي التي لا تحرص على أداء الصلوات بانتظام .
أخوه الذي يدخن أم صديقه الذي ينهره دائماً ويطالبه بالكف عن التدخين ... وهكذا .
تبقى معظم تلك الأسئلة تدور في عقله بلا إجابه ويبقى في صراع دائم مع ذاته .
أين الصواب وأين الخطأ؟!
يدور في متاهات لا تنتهي ويعيش واقعاً متناقضاً .
يلقن منذ نعومة أظافره أن الكذب حرام , والغش يورد المهالك , والظالم عقابه شنيع في الدنيا والآخرة وأن المسلم لايكذب ولايسرق ولايزني .
وحينما يكبر يلاحظ أن التناقضات تسكن منزله , مما يحد من فعالية عملية التربية الأسرية وهذا الأمر يتطلب من الأسرة الحديث بشفافية مع الأبناء وشرح التناقض الموجود في المجتمع وداخل المنزل , والإجابة عن الأسئلة بطريقة تناسب سن وعقلية الطفل , وعدم الهروب من تحمل المسئولية أو رمي المهمة على طرف آخر .
وفي حال كان الوالدين عاجزين عن الإجابه واقناع الطفل يمكن اللجوء لشخص مختص للإستعانة بخبرته , وتعلم الطريقة والأسلوب الأنسب للحديث مع الطفل والإجابة عن أسئلته. وكلما كبر الطفل وخطى الخطوات باتجاه المراهقة كانت المهمة أصعب على الوالدين . فاضطراب السلوك يصاحب تلك المرحلة وكذلك الإنفجارات الإنفعالية فهي فترة عاصفة بالنسبة للأسرة .
فالمراهق الذي يحاول الخروج من عباءة والديه والمجتمع , ويحاول تحقيق ذاته , واكتشاف القيم والمثل وإيجاد هويته الخاصة , قد يشعر خلالها بالضياع , وتتقاذفه عوامل الإحباط والصراعات القيمية المختلفة التي يتعرض لها داخل الأسرة وخارجها .
وقد يدفعه المجتمع الذي ينتمي إليه لجماعة الأصدقاء والشلل , والتعلق بقيم تلك الجماعات واعتناق أفكارهم والسير على نهجهم والدخول في مغامرات (السلوك المغامر) مما قد يدفعه للمشاكسة داخل إطار الأسرة , وكذلك القيام بسلوك مضاد للمجتمع ورفض النصح والإرشاد وربما رفض المعتقدات الدينية والإجتماعية .
وقد يمر بمرحلة التغيير في الإنتماء إلى الجماعة وبروز أسئلة ملحة عن الغيب والدين والشك بهما وقد يتنقل بين التدين الشديد والإنفلات التام .
تلك المرحلة الإنتقاليه تستلزم على الوالدين والمربين الإنتباه لحاجات المراهق النفسية والإجتماعية ومساعدته على اكتشاف ذاته , والإجابة على أسئلته بكل شفافية , وبناء علاقة متينة قائمة على الإنصات الواعي وتفهم المشاعر , والأخذ بيده , ففي تلك المرحلة يحاول المراهق استطلاع المواقف الجديدة وحين لا يكون قادرا على إيضاحها فإنه يزداد تعقيدا في حياته فعدم قدرته على تحديد واقعه الجديد قد يخلط عنده الواقع بالخيال , وينتقل بالتالي إلى عالم الكبار المليء بالتناقضات والصراعات بين قيم وآراء متعددة .
قد ينظر البعض لهذه المرحلة على أنها مرحلة مليئة بالمشكلات ونقد أشكال السلطة الأسرية , ولكن تلك المشكلات لن تكبر وتتحول لسلوك يضر بالمجتمع وأفراده إلا في حالة إهمالها وعدم التعامل مع المواقف والصراع الذي يعيشه المراهق بطريقه هادئة وعقلانية حتى لاتتأزم العلاقة بين المراهق وأسرته ,فهو بمرحلة التأرجح بين المثالية والسلبية .
أن صراع الأجيال حاضر في كل المجتمعات سواء المتطورة منها أو النامية وهذا التنافر في القيم القديمة والجديدة سنة كونية وليست بالأمر الجديد
أن صراع القيم قد لا تكون معضلة محصورة بالصغار فقط بل قد تنال من الكبار فكثيراً ما نجد كمية من التناقضات في تصرفاتنا ومواقفنا ناتجة عن عملية طويلة من البرمجة التي نتعرض لها منذ الصغر فكم من أفكار وموروثات زرعت في عقولنا على أنها حقائق لاتقبل الشك ولا النقاش, وتشربنا تلك المعلومات والقيم حتى أصبحت تجري في عروقنا كمجرى الدم وعشنا حياتنا وفق تلك الرؤية , وحينما يحاول المرء الخروج عن تلك البرمجة , والإستقلالية بفكره ورأيه يقابل بالرفض والنظر له كضال خرج عن الإطار الإجتماعي وحكم الجماعة .
ويتهم بالمشاكسة والسلوك المضاد للمجتمع فيتعرض للضغوطات حتى يصاب بالتوتر الشديد والشعور بالإحباط فكل فكر جديد وكل محاولة للتغيير والدعوة للتفكير والخروج عن الموروث الشعبي المكتوب في لوح تلك المجتمعات قد يقابل بالاستهجان وصب اللعنات على من نفض غبار الماضي وحاول أن يتجاوز موروثات وأفكار بالية أكل عليها الدهر وشرب . فمهمة البعض في الحياة تنحصر في المحافظة على القوالب الجاهزة وتلك الموروثات حتى يستمر المجتمع بعيش تلك الأوهام ويكون أفراده قطيع مبرمج يقدم الولاء التام والطاعة العمياء من المهد إلى اللحد .