المظهر عامل مهم و حيوي جداً في أي مكان، لذلك قررت تلميع حذائي قبل الذهاب للعمل، و كنت وقتها قد استيقظت لتوي من النوم و لازالت رواسبه تدفعني لطلب المزيد منه، لكنني قررت تلميع حذائي كنوع من تشتيت ذهني و إيقاظه، و ساعتها أمسكت بفردة حذائي اليمني و أزلت ما تراكم عليها من أتربة، ثم التقطت الفرشاة و غمزتها بعلبة دهان أسود اللون و أخذت أسرف في تلميعها من كل زواياها الغائرة منها و الظاهرة، و عندما وضعتها و أمسكت بالأخرى وجدت دخاناً أخذ يتصاعد بكثرة لدرجة أنه حجب عني رؤية ما وراءه، و فجأة اندمج كل هذا الدخان و نتج عنه مارداً قصيراً لا يتعدى ثلاث أقدام! و بصراحة ذهلت! من المؤكد أنه المارد الذي تحكي عنه الأساطير، لكن يبدو أن مبالغة الرواة جعلته أكثر ضخامة و مخيف نوعاً ماً.. المهم.. ظللت ساكتاً عسى أن يعرض علي خدماته ك " شبيك لبيك مثلاً" لكنه ظل ساكتاً هو الآخر، ثم أخذ يتحسس جيوبه و يبدو أنه لم يجد ما بحث عنه، و حينها قال:
- أمعك دخان؟
- دخان؟
- أعني سجاير.
أعطيته واحدة و أشعلتها له، و قلت بشيء من الود:
- لدي قهوة و شاي إن أردت!
- قهوة مضبوطة السكر من فضلك.
و رحت للمطبخ و أنا غير مصدق، و لكن هذا منحني الوقت للتفكير فيما سآمرة من أمنيات، و لما عدت كان قد أشعل سيجارة أخرى، و بعدها قال:
- لقد نجيتني من هلاك قديم و لك علي أن أخدمك ما بقي لك من عمر.. لقد أسديت لي معروفاً لن أنساه!
و متعجباً سألته:
- أليسوا فقط ثلاث أمنيات؟
- من قال لك هذا؟
- هكذا تقول الأسطورة!
- أتكذبني و تصدق الأساطير؟
- العفو لكن...
- لك من الأمنيات ما شئت.. و هذا وعد!
شكله لا يصلح إلا لابتياع طلبات البيت مثلا.. لكن لم أفترض فيه العجز! فلأجربه و بعدها أحكم! و لهذا فكرت في أول أمنية.. أو الأمنية الأولى..
- ليس لدي رغبة في الذهاب للعمل اليوم.. أتقدر على إنجاز عملي دون أن يلحظ أحد غيابي؟
فتفكر ملياً ثم قال:
- و لم لا تذهب انت لعملك؟
فأجبته مستنكراً:
- لقد أجبت هذا لتوي... ليس لدي اليوم رغبة!
- كيف لا ترغب في عملك؟ و لماذا تعمله طالما لا ترغب فيه؟
- يا أخي لا بد أن يعمل الإنسان كي يحصل على قوت يومه!
- و لكني عرضت عليك أن تطلب ما اشتهيت من أمنيات! فلماذا لا تطلب المال و وقتها لن تحتاج أصلاً لأي عمل!
و الله معه حق! إذن فأجربه في المال:
- آتني بمليون جنيهاَ الآن.
- و ما المليون؟
- ألف ألف!
- و ما الجنيه؟
- عملتنا هنا يا أخي!
- و ماذا أنت فاعل بألف ألف من عملتكم الآن؟
فقلت غاضباً:
- أنا حر!
و يبدو أن غضبي أخافه فقال:
- طبعاً أنت حر يا مولاي! لكن... لكن المصارف قد أغلقت أبوابها اليوم... الصباح رباح...
و هنا بدأت أميل لكونه محتال و كاذب، و نظرت لساعتي في قلق مقارناً بين المكوث معه أو الذهاب لعملي، لكن الوقت يسمح بتجريبه في أمنية أخرى، و لهذا قلت:
- لدي حبيبة أود الزواج منها، و المشكلة أن...
لكنه قاطعني قائلاً:
- ممكن سيجارة!
أعطيته سيجارة بعد أن كظمت غيظي و أشعلتها له، و بعدها قلت:
- المشكلة أن..
لكنه قاطعني ثانية و قال:
- كيف ستتزوجها بدون عمل! لا بد من عمل لأي رجل متزوج!
- لكنك وعدتني بالمال!
- لكن المرأة يا مولاي لا تقتنع برجل لا يعمل! نصيحتي يا مولاي...
و هنا سكت عن الكلام لأنه رآني أمسكت بفردة حذائي الأخرى و أخذت ألمعها بعصبية، و لما خرج منها دخان أكثر و أشد كثافة من الأول، و اندمج الدخان لينتج عنه مارداً أسود اللون ضخم البنيان دميم المنظر انشرح قلبي و فرحت، و عندما رأيته كثير القرف عصبي المزاج، أهديته علبة سجايري كلها، و أشعلت له منها واحدة، و نفث دخانها في ضيق و قال بصوت جهوري رزين واثق:
- لك أمنية واحدة.
فقلت له مشيراً للجني الأول:
- اقتله.
فسل سيفه و أخذ يركض وراء القزم، و بدوري فتحت لهما باب الشقة و خرج القزم وراءه الضخم و ارتديت أنا حذائي و رحت قاصدا عملي.
- بقلم: سلامة عبد السلام
7/4/2011
أخي سلامة عبد السلام
ردحذفالمغزى واضح جدا من قصتك الأنيقة.
تحياتي لقلمك الرشيق
أهلاً وسهلاً بك أخي العزيز أ.أحمد إن وجودك وتعليقاتك محل تقديرنا واهتمامنا .. وأشكر الأخ العزيز سلامة على هذه القصة الرائعة .. مع أطيب تحية
ردحذفقصة جميلة ورائعة .. تشكر يا عم :))
ردحذف