طاولة..!

23small_1227692162

      أزورها في اليوم مرتين.. مرة ألتقط من على سطحها كل ما أظنه مهماً.. كالمفاتيح مثلاً.. و المرة الثانية كانت منذ قليل.. وقفت أمامها معترفاً بأن كل ما تحتويه جيوبي لم يعد مهماً.. على الأقل مؤقتاً.. لا حافظة نقودي و لا كل ما تطويه من إثبابات على أني بشر.. و لا حتى هاتفي.. لذلك أترك عليها كل ذلك و أنام برأسي المثقل بالوجوه و الأحداث.. و على فكرة لها حكاية كأي موجود حولنا.. كانت هناك في إحدى شوارع إيطاليا عندما اكتشف الإنسان أن التجارة مربحة حتى لو كان المال نفسه هو السلعة .. بين يديها نشأت المحاسبة.. ذلك المنهج الإيطالي الذي مازالت رواسبه لدينا.. ناهيك عن الفرنسي و الأمريكي.. كانت الشاهد الأول على كل العقود التي برمت بين طرفين من زواج و إقراض و رهان و استرقاق و أي بيع و شراء.. كانت هناك عندما مللت الحبو و قررت الاكتشاف.. تشبثت بأطرافها بين قائم و متعثر و ابتسمت.. و بعدها اكتشفت أنها تصلح لأن أقف عليها إن خذلني قصر قامتي عن الوصول لما هو معلق بعيداً عن يدي.. كمفتاح باب البيت مثلاً.. لكني رحلت بعد قليل من هذا البيت.. و لما عدت بعدها اكتشفت أن الباب غير موجود و لا البيت .. و لا الطاولة.. بل وجدت مشروعاً ضخماً وجد البيت مكاناً يصلح للاستثمار..كانت أمامي في المدرسة و نقشت عليها حروفاً كثيرة كلها لا تعني سوى اسمي.. لهذا يقال أن الإنسان أناني و سريع الملل.. لكن علاقتي بالطاولة لازالت قائمة.. كانت بيني و بين أي أحد حاولت أن أتفق معه أو أختلف.. أراها في أي اجتماع صامتة كعهدي بها.. و لم يتغير صمتها منذ أن كانت بل تغيرت أنا.. ترضى بتراكم الأتربة و تحتمل أي شيء إلى أن تنكسر.. هذا هو ردها الوحيد و أسلوب تعبيرها الوحيد و لغتها الأولى.. الانكسار.. كانت بين حبيبين يقنع كلاهما الآخر بأنه الأنسب.. و كانت بينهما و كلاهما يقنع الآخر بأن يبحث عن الأنسب.. كانت بيني و بين والدي عندما نبهني من أني كتبت "إمكانيات" و قد أخطأت و الصحيح "إمكانات"..الطاولة لديها كل الحقائق.. على سطحها الأملس الذي تعلمت منه الحياد.. أو تحتها حيث العتمة و ما يملأ صحف الجرائد في الصبح التالي.. ها قد انتهت زيارتي الثانية لها.. أفرغت كل ما تحتويه جيوبي و انتهى اليوم بشكل فعلي..ترى لماذا ينتهي اليوم عدة مرات؟ مرة بعد الثانية عشرة.. و مرة بعد غياب القمر.. و مرة عندما ننساب للنوم.. لكني قبل أن أنام اكتشفت ما هو جديد علي..اكتشفت أنني لست بحاجة لمطالعة وجهي في المرآة كي أعرف نفسي.. بل فقط أن أنظر لأي طاولة.

  • بقلم: سلامة عبد السلام
    3/4/2011
    للتواصل مع الكاتب : Solo_450@hotmail.com

2 تعليقات

  1. علي السويلم04 أبريل, 2011 16:31

    هههه مقالاتك رائعة وطريفة وأسلوبك محبب للنفس تلقائي وممتع شكرا أستاذ سلامة

    ردحذف
  2. حامد نهار ـ القريات04 أبريل, 2011 16:48

    مقال جميل بالمرة

    ردحذف
أحدث أقدم