نحن والمنافقون في نفق واحد..!

ahmed ibrahim   ومات اليوم أخيرا في أمريكا وبمنطقة الشلالات الكبرى أكبر معمر في العالم، يُقال ان السيد (بوتينغ وولتر) كان لا ينافق الحياة، فلم يكن مغرورا بسنين حياته التي عاشها قرنا ونيفا، ولم يكن يخشى الموت فقال عنه (وإنمّا خُلقنا لنموت) منذ الثالثة من عمره، وظلّ يقوله حتى البارحة ليلة موته الطبيعي عن 114 عام .. بينما الكثير ممن هم في اقل من رُبع عمر (وولتر) لم يكونوا يصدقوا الموت وهم على فراشه وفي عمق سكراته، وما أكثرهم الأحياء الذين لا يصدقون الموت، وهم يدرون ان الموت هو أصدق ما في الحياة.


    ذلك لأننا روّضنا معايشة الحياة بالكذب والنفاق، نكذب على من هو أدنى منّا وننافق لمن هو أعلى، وكأنّ الحياة بلا كذب ونفاق حياةٌ بلا إكسير في أجسام بلا بروتين، وكأنها عربةٌ وقودها الكذب والنفاق لا تتحرك بدونهما الى الأمام أو حنطورٌ يعود للوراء، في بيتك دون النفاق الاجتماعي لا تستطيع الحفاظ على زوجتك ناهيك ان تنال منها الحب، وفي عملك دون النفاق الدبلوماسي لا تستطيع الحفاظ على وظيفتك ناهيك ان تنال فيه الترقية، وفي أعمالك لا تستطيع الحفاظ على النجاح دون النفاق الإقتصادي ناهيك ان  تلمع فيها بأرصدتك في المصارف وأسهمك في البورصات، إذ كل شيء ينتعش في حياتك لو أنعشتها بجرعات متواصلة من النفاق تلو النفاق.

    النفاق سلاحٌ يملكه البعض في النفق المظلم، وتصيب رصاصته الكلّ ممن هم في النفق وخارج النفق، والنفاق موسمىٌّ له الخريف والربيع والمناخ .. في مثل هذه الأيام من فصول كل عام، اي بحلول مارس/أبريل عادة نلتقي بالنفاق الإقتصادي في الجمعيات العمومية للشركات المساهمة، حيث تنعقد عادة هذه الأيام لتشكف عن بياناتها المالية والإعلان عن أرباحها للمساهمين، بنشر وتوزيع الميزانيات (المدققة) .. والكلمة الأخيرة إن كانت مأخوذة من (الدّقّة)، فهذا عرضٌ للمرض وليس هو المرض، وإن كانت من (التدقيق)، فهنا كل المرض العضال الذي يصارعه جُلّ المساهمين المهضومين إن لم نقل كلُّهم منذ عقد ونيف في المنطقة، على حساب تقوية عضلات البنوك والهوامير والدعايات المضلّلة تنبثّ من دهاليز زجاجاتها مخفيّة، يتراقصون خلفها مطلقوا تلك الدعايات رقصة الإنتصار، وهم يمسحون على شواربهم بإبتسامة صفراء تجاه الرصيف ومن يزحف فوق الرصيف على بطنه، او يمشي على رجلين وأربع مترنحين نحو السجون والمستشفيات.

     كذب المنافقون وان صدقوا ان هناك أزمة اقتصادية في منطقتنا، البنوك قابعة على أرصدة فائضةAccess Fund دون مشاريع استثمارية تُذكر أوتجدي للوطن والمواطنين،  والمواطنون قابعون في السجون بعد أن اغرتها البنوك بصفحاتها الأولى المطلية بالنفاق الإقتصادي، ولم يكونوا هؤلاء البسطاء الذين أغرتهم البنوك ان يردوا على النفاق بلغة النفاق، لأنهم لم يكونوا يجيدوها بطلاوة لسان مستر كرشنان وكيشور وكومار وأمثالهم المسوّقين اللّبقين في أوطاننا ومصارفنا، أو لأنهم مسحوقون في طاحونة الأقساط والأرباح التراكمية، التي لاتسمح للعقل السليم النموّ في جسم سليم قبل ان يسدد آخر ورقة قد تطول أقساطها أحيانا أكثر من سنين عمره، إن لم يكن من نصيبه ان يعيش كالسيد بوتينغ وولتر أكبر معمر في العالم.

     لست مبالغا ان قلت ان البنوك الربوية هى وراء أزماتنا الإقتصادية، كلمة الحق تزعجنا، والكلام المعسول ينعشنا، ومن سوء حظ بلداننا ان المنافقين يصلون سريعا الى السلالم العُليا فيُرون ويُراءون، بينما المؤمنون المتواضعون يبقون في الحضيض فلا يرون ولا يُرون، المنافقون هم دكاترة التخدير، أساتذةٌ في حقن المدراء بالبنج، تخدرهم تأخذ  بعقولهم، وتعميهم عمى الألوان، فيرون الكرفتّات الأفندية للمنافقين ولا يسمعون الأنين الضائعة في الضوضاء والزغاريد.


    المنافق في البلاد المتقدمة يتم محاكمته بالإعدام الأدبي، كى لا يتوهم انّ أهل البلد كلهم مُغفّلون، وهو العاقل الوحيد بينهم يستطيع شرائهم بالمديح الرخيص، يضلّلهم بالرياء الكاذب، يقبّلهم ليعضّهم، يُطعمهم ليُسمّمهم، يُعانقهم ليُخنقهم، فما ان دخل وجلس الباشا المنافق لينسب فضائل وأمجاد لم يحققوها، إلا وقطعوا عليه الكلام، وإن عاد أو استمر في النفاق نال صرخة في أُذنه، ثم صفعة في وجهه، ثم وان لم تنفع، فلطمة في صدره وركلة في ظهره بقوة تسقطه خارج المكتب ليتناوله الحرّاس بركلاتهم، إن لم تسبقهم كلاب الحراسة بنهماتها.

إذن .. متى نستطيع الخروج من نفق المنافقين، ونتركه مظلما مشحونا خانقا بالمنافقين.؟

8 تعليقات

  1. د. نجاح كروان ـ جامعة الحسين17 أبريل, 2011 09:09

    صباح الخير للجميع .. بصراحة وبدون مجاملة مقالاتك أيها الكاتب الرائع ممتعة جداً لك كل التحية والتقدير ولي عودة :)

    ردحذف
  2. كاااااااااااااااان17 أبريل, 2011 09:12

    ويبقى السؤال المطروح متى نتخلص من النفاق ؟؟.ـ

    ردحذف
  3. لعلي أقتبس هذه الفقرة:المنافق في البلاد المتقدمة يتم محاكمته بالإعدام الأدبي، كى لا يتوهم انّ أهل البلد كلهم مُغفّلون، وهو العاقل الوحيد بينهم يستطيع شرائهم بالمديح الرخيص، يضلّلهم بالرياء الكاذب، يقبّلهم ليعضّهم، يُطعمهم ليُسمّمهم، يُعانقهم ليُخنقهم، فما ان دخل وجلس الباشا المنافق لينسب فضائل وأمجاد لم يحققوها، إلا وقطعوا عليه الكلام، وإن عاد أو استمر في النفاق نال صرخة في أُذنه، ثم صفعة في وجهه، ثم وان لم تنفع، فلطمة في صدره وركلة في ظهره بقوة تسقطه خارج المكتب ليتناوله الحرّاس بركلاتهم، إن لم تسب
    قهم كلاب الحراسة بنهماتها.
    انتهى
    لست بناقد لكنه مقال محبوك تقبل خالص التقدير أيها الرائع

    ردحذف
  4. أسامة ناجي ـ حماة سوريا18 أبريل, 2011 04:17

    سبحان الله ...

    شكراً على المقال الرائع استاذنا العزيز .. أسأل الله لكم التوفيق والسداد وتحياتي للأخ فهد الغالي

    ردحذف
  5. أعتز برأيك عن المعاملات البنكية.. ولكن لا بد من وقود يحرك الاقتصاد الإسلامي ويحارب "المنافقين" الذين يستغلون هذا المصطلح وهم في الحقيقة ليسوا إلا واجهة لنظام اقتصادي لصوصي.

    لا بد أن يكون التغيير في الجوهر لا المسميات.. وإلا لكنا نغوص أكثر في نفق النفاق ولا نخرج منه

    ردحذف
  6. مقال في غاية الإنسانية !!

    جهاد نوري ـ سوريا

    ردحذف
  7. تمام الناصر ـ الرياض19 أبريل, 2011 15:18

    مقال معبر ، اتفق مع كلام الأستاذ علي جمال لكم حبي

    ردحذف
  8. ناجي عياش21 أبريل, 2011 07:00

    شكرا من أعماق أعماقي يا مبدع

    ردحذف
أحدث أقدم