أحببت أن أكذب هذا الأسبوع، لكن وكلما حاولت في يومه المشروع، كان الإرباك يعتريني مانعا ’’لاتكذب’’.! فلم أكذب ولم أسمح لقلمي ان يكذب بالمناسبة، لانها صادفت يوم الجمعة المباركة، والكذبُ في مثل هذا اليوم لو أُعتبر حلالا ليوم واحد، فإنه قد يكون حلالا على خفيف، وإن ظلّ حراما فهو حرامُ على ثقيل.
والكذبُ هذا الذي حرّمته السماء بكل شرائعها وكتبها السماوية، يُحلّلون أهل الأرض استخدامه يوما في العام بالمناسبة، وإن كان هو مستخدما على مدار العام بالمناسبة وبلامناسبة . . نعم إنه ذلك الكذب الحرامُ الذي يتم تحليله بكل المعايير مرة في العام، وفي غطاء دولي إقليمي وعالمى على انه "كذبة إبريل" . . لكن عروسة النيل فاتتنا هذه المرة، لأنها وصلتنا نهار الجمعة، وجُمعُ هذه الأيام لازالت في خاناتها من جمعة الغضب والإنقاذ والخلاص ، فلم تخرج بعد من بين جمعة التسامح والإخاء والبقاء أو جمعة الرحيل، فلا مساحة لجمعة كذبة أبريل.
الكذب سهلٌ ورخيص ، وسلعة مجانية بوفرة يفوق العرض على الطلب في كل المواسم والفصول، وزادٌ سمينٌ في رحلتى الشتاء والصيف، يأتيك ملوّنا بموديلاته المتنوعة، وبأوزانه وأحجامه وأجسامه .. فعندما يكذب رئيس مجلس إدارة شركة مساهمة عامة على المساهمين، فله مكافأة لأنها لم تكن كذبة بل حنكة إدارية، وعندما يكذب مديرك في الشركة، وقد يكذب عشرات المرات في اليوم ومئات المرات في الشهر والاَلاف في العام، ولن تستطيع ان تقول له مرة واحدة انت كذاب، بينما إذا كذب الموظف، فجزائه حسب الميزان الذي يوزن به ذلك الموظف في كفتيه الوظيفي والإجتماعي، يعتمد إن كان مرموقا مقرّبا، فكذبته ذكاء وشطارة يستحق الترقية، وإن كان منبوذا فقيرا فقد يواجه بإنذار وتأديب او تفنيش ، وكذلك عندما يكذب رؤساء ووزراء الدول العظمى، فإنه ورعٌ دبلوماسيّ يستحق الثناء والتعظيم، فكذبة رئيس أغنى وأقوى دولة في العالم، تتداولها الأجهزة الإعلامية على أنها ترنيمة النهار نشيد الأسبوع وأكسير العام، بينما كذبة رئيس أفقر دولة في العالم قد لا تجد طريقها للنشر، لأنها تفتقد الدقة والمصداقية.
أستهنت بعقول الأطفال الأبرياء، فداعبتُ عقولهم قائلا "’’أكل كوسا موسى"’ .. فتصدّوا لي بالإجماع وببراءة عقولهم "بابا، كوسا تؤكل"، و "موسى يأكل"’ ولايمكن العكس ، فكيف أكل كوسا موسى".! كانت كذبة إبريل وما مشت عليهم، فاستأنفت قائلا ’’أكل الإنسان الأسد’’، فتصدوا لي مرة أخرى بالإجماع "بابا الإنسان يأكل الحمام والغزال، ولا يأكل الأسد". ! ومرة أخرى "محاولة إبريلية ثانية وفشلت" . . فقلت أخيرا "قتل الإنسان الأسد" . . هنا قام الأطفال نصفهم يؤيدوني بطريقة: "بابا هذا يمكن، الإنسان العاقل يمكنه الإيقاع بالأسد بعقله، قبل ان يوقع به الأسد بمخالبه" .. والنصف الاَخربطريقة أخرى: "نعم بابا، أيضا الإنسان العاقل يمكنه بعقله ان ينقذ نفسه حتى من فم الأسد".
وبهذا القدر من السجال الضئيل مع الأطفال وبرائة نياتهم، سمحت لقلمي ان يتناول على خفيف، من سلة كذبة إبريل هذا العام والمكشوفة بين أمريكا وأوروبا وليبيا على ثقيل، وإنكشفت أكثر بموسى كوسا وهو يعلن عن بُعد إستقالته التي لم يعلن بها في العقدين الماضيين من داخل ليبيا، وأعلنها قبيل ساعة الصفر لكذبة إبريل بساعات من لندن، علما ان كذبة إبريل هى لعبة بريطانية، إبتكرها الإنجليز للإستهزاء بعقول السُذّج إبّان أوج الاستعمار البريطاني، والأسطورة ذاتها تتكرر اليوم على رائحة الدماء، فالدماء المتفاقمة في ساحل العاج لن تختلف عن تلك المتفاقمة على السواحل الليبية، لكن رائحة النفط هى التي جلبت الطائرات كالصقور والنسور والغربان فوق طرابلس وبنغازي قبل "’’ابيدجان" بل و دون "أبيدجان".
أعود واستبيح لقلمي تناول اَخر فاكهة من سلة كذبة أبريل، ونكهتها فاحت الفضاءات بإعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإنسحاب من الساحة الليبية وترك الثوار بالعراء في وجه الدبابات وقذائف الهاون، هذه الكذبة هى من أصدق الأكاذيب، نصدقها على انها كذبة العام قد تعايشنا أعواما وأعواما، لانها صادرة من رئيس أقوى دولة في العالم.
"أمريكا لاتريد تكرار تجربة العراق وأفغانستان في ليبيا". . كلامٌ أمريكيٌّ منطقيٌّ نصدق واشنطن على هذا القدر من التصريح العقلاني، لكن أمريكا تشعل ثقاب كبريت وتتركه للريح من جانب، وتترك المدنيين في وجه المدافع المدججة بالبارود الى جانب الثوار بالحجارة والسكاكين والعصى من جانب آخر هذا غير مفهوم، ثم يقوم السنياتور باراك أوباما بسحب البوارج والأساطيل من ليبيا بذريعة أنه يعمل ذلك من أجل الشعب الليبي ورأفة بالثوار.!
كلام غير عقلاني وتصرف غيرمفهوم.! إلا إذا فُسّر بانه المنشار يريد به شقّ ليبيا الى شقين، ليبيا القذائف بالقذافي، وليبيا النفط بالأمريكان، وبذلك نكون قد فهمناه انه الرحيل بكذبة أبريل.
- بقلم: أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي )
- المزيد من مقالات الكاتب
- صفحة الكاتب في الفيسبوك
القذافي المجرم يريد أن يقتل شعبه عن بكرة أبيهم لكي يظل ملك ملوك أفريقيا لا حول ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا قذافي ... شكراً لك أستاذنا الرائع أحمد ابراهيم من اصحاب الأقلام الصادقة والرائعة وشكرا
ردحذفجميل ما قراناه رؤيه ثاقبه للمشهد فعلا الكتاب لسان حال الشعب
ردحذفمقال في غاية الروعه استمتعنا بالقراءه اشلوب جميل جدا ورشيق :)
ردحذفانا ارى من وجهة نظري أن أمريكا سوف تكرر التجربة ولأكثر من مره.. شكرا على المقال المفيد والجميل دمت بود
ردحذفليتنا نعي كعرب هذا الدرس ، ولكن من وجهة نظري المتواضعة ، المشكلة ليست في أمريكا ولكن فينا نحن العرب ، فنحن الذين سنقسـّم أراضينا بأيدينا ،. وببساطة نحن امام بعضنا البعض أسودًا وأمام الآخرين نعام
ردحذفشكرًا للكاتب على مقالته الرائعة