أنا أفضل قلي البيض عن سلقه.. ليس لأنني لا أحبه مسلوقاً.. لكنني عادة أفشل في العودة بالبيض سليماً دون أن يمسسه سوء.. لا بد و أن تنكسر بيضة أو اثنتين.. و أحياناً كنت أشتري بيضة أو اثنيتن فوق ما أشتريه كعدد تالف لا بد منه.. لكن لا حياة لمن تنادي.. و أخيراً اكتشفت أن المشكلة ليست في أنا.. بل أن وسيلة نقل البيض ليست آمنة.. و الدليل أنني كنت أشتريه ذات مرة مع صاحبي.. و ظل طوال الطريق يحذرني من انكساره.. و بعدها قرر أن يحمله عني على أساس أنني مقبل على تدميره كلياً.. و الكارثة أنه قد هشم معظم البيض..المهم..
كيف تذكرته بعد كل تلك السنوات؟ يبدو أن الذاكرة خدعتني كعادتها و طافت بي من جزء لآخر و من صورة لأخرى إلى أن وصلت إليه.. كان ساعتها يشاركني غرفة من غرف الغربة.. و أول ما لاحظته عليه هو زهده في الحياة.. كان يأكل و كأنها الأكلة الأخيرة على الأرض.. و يدخن كأنها آخر سيجارة خرجت من مصانع التبغ و بعدها أغلقوا المصانع.. و عندما يتبضع يشتري الكثير و لا يأكله و يفضل المأكولات الجاهزة.. و يحفظ ما يتشريه تحت سريره و سريري إلى أن تنتهي صلاحيته.. و بعدها يتخلص منه بأن يهديه لمن يأتيه من ضيوف.. و الجميل فيه أن ضيوفه يأتوه ليلاً و أنا نائم.. أو أنه يعتقد أنني نائم، لذلك يضيئ النور و التلفاز و كأنني جثة لن تبعث ثانية.. و في يوم من الأيام ابتاع "فيديو سي دي".. و منذ ذلك اليوم و هو مصر على متابعت نفس الفيلم في كل ليلة و ينام دون أن ينتهي و يترك لي مهمة إغلاقه.. و كان يقول قبل أن ينام أنه لم يكن بحاجة للسفر.. و أنه في بلده كان ميسور الحال.. لكني لم أفهمه عندما رأيته يقبل صورة أبنائه قبل أن ينام.. هذا هو معظم ما حفظته عندي الذاكرة.. قبل أن يودعني و يقول أنه يرغب في العودة لبلده و أهله.. و لم يقل لي أن الشركة قد تنازت عن خدماته.. بل قالها لي أحد القاطنين بنفس السكن و العاملين بنفس الشركة.
- سلامة عبد السلام
16/2/2011