يا أخي مضى الكثير من الوقت و لم يأت! ثم أن كل متطلباته موجوده! غرفة مغلقة تصلح كمقبرة جماعية و جو فكري متزن منزوع الدسم و العظم و الجلد و منعزل تماماً عن الحياة! ترى متى يفك أحدهم طلاسم الشرط الأبدي بأن الأشياء كلها لا تجتمع في الوقت المناسب! أو في المكان المناسب، أو في الحالة المزاجية المناسبة، متى يهاجمني النعاس في يوم عطلة! أو تحتويني الأريكة أمام تلفاز يقدم ما أبحث عنه! أو تأتي المناسبات و جيوبي ممتلئة مكتنزة مكتظة! أنا من المؤمنين بأن الأحلام تأتي كحبيبتي، لكنها تأتي بشروطها و مزاجها هي، لذلك تظل السعادة عالقة بين أوهام التعساء.. المهم..
أيها الباحث عن الدفئ..
كان شاعراً.. و السبب الوحيد لنعته بالشاعر أنه قال ذلك.. و كان قد اتجه للشعر بلا موهبة و لا اكتساب و لا أدوات سوى عدة تجارب عاطفية فاشلة جعلته ينظر للشعر كمصحة نفسية تصلح لتلقي العناية و قضاء فترة نقاهة كافية لالتئام جراحه، و كان ميسور الحال و الوقت و قليل الكلام، و دفعته تلك العوامل للاتفاف حول مجموعة من الأدباء و الشعراء، مشاهير من مختلف الطبقات و الجهات، و توطدت العلاقات بينهم إلى أن وصفه أحدهم في قصيدة من قصائده ب" أيها الباحث عن الدفئ" أعجبته القصيده دون أن يفهمها، و لم يعرف أنه هو الباحث عن الدفئ إلى بعد أن قال إليه ناظم القصيده بعد إلقائها، و فرح كثيراً بكون هذا الشاعر المرهف الفذ قد خصه بقصيده و ألقاها بين هذا الجمع من المشاهير، و ظلت الكلمات عالقة بذهنه، أنه الباحث عن الدفئ.. و كان كلما استذكرها في ساعة فراغ و هو يجتر آلامه أسرته و هونت عليه. و بعد توطد العلاقات أكثر تأكدت لديه الفكرة بأنه مشروع شاعر لم يحدث من قبل، و بالفعل أصبح يلقب نفسه بالشاعر، و بالفعل نظم عدة قصائد كانت كافيه برجمه في ميدان عام لإسائته للغة و الشعر و الناس و نفسه، و كان من ضمن الشعراء من قرر أن يصدمه بشيء من الرحمة.. و اجتمعا على شرفة من شرفات منزله الهادئ المطل على الليل و النور و الريح، و حاول أخينا أن يلمح أو يلفت نظره أنه بحاجة للكثير من أجل أن يكون شاعراً و أن أبسط تلك الأشياء تصنف تحت بند المستحيل لكن لا فائدة.. و حاول أخينا مرارا إلى أن التفت الشاعر لمغزى قوله.. و تملك منه الغضب و انتفض غاضباً و قال:
- أنا الباحث عن الدفئ!
و بعدها ما كان من أخينا سوى أن قام و جمع أشيائه من على طاولة المساء و راح، و حتى اليوم و هو ينظم الشعر و يلقيه، و حتى الآن لم يقل له أحد أن عادة البهائم أن تجتمع و تلصق أجسادها سوياً بحثاً عن الدفئ.
- سلامة عبد السلام
- 8/1/2011
يا سسسسسسسسسسسسلام عليك
ردحذف