مشكلة الإرهاب ليست جديدة مع الأسف؛ فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ثم العمل التخريبي ضد ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ في 6 أكتوبر 2002 في اليمن... ساد الاعتقاد بأنه لا يمكن في هذا المجال استبعاد حصول أي شكل من العمليات.
اتفاق الأمم المتحدة حول حق البحار، الموقع في مونتيغو باي عام 1982 يعترف للدول بحقوق السيادة والمسؤولية في المياه الداخلية والإقليمية، وكذلك بحقوق التقاضي في المنطقة الاقتصادية حصراً. ويعترف في أعالي البحار بحقوق التدخل المحددة حسب الأنشطة.
العمليات التي تنفذها الدولة في البحر، هي إذاً ممارسة الدولة لسيادتها على المجالات البحرية، ضمن إطار القانون الدولي والقوانين الوطنية. وهذا الفعل ينسقه الأمين العام للبحر تحت سلطة مباشرة من رئيس الوزراء. ومن جملة ما يتضمنه من مهام: ضمان أمن الملاحة والأشخاص والممتلكات.
إن تطور خطر الإرهاب أدى بالأمانة العامة للبحر إلى إعطاء دفع ضروري ومتابعة عن كثب للأعمال المتعلقة بالقرارات التي يجب اتخاذها للتصدي لتلك الظاهرة.
سنجد في العرض السريع القادم العناصر الرئيسة في تلك المساعي، وفيه تقويم للعمل المرحلي حيث يحرز ملف “الأمن” اليوم تطوراً قوياً.
عودة الوعي:
منذ أن تبحر السفينة تصبح مسألة أمنها وأمن مسافريها وبحارتها وحمولتها محل اهتمام دائم، لكن حتى عهد قريب نسبياً، لم يكن البحارة يعتمدون إلا على أنفسهم للدفاع ضد مختلف التهديدات المعروفة وغير المعروفة.
أخيل لورو:
بعد اختطاف السفينة “أخيل لورو” في العام 1985، أصبح التهديد حقيقة واقعة، الأمر الذي أثار عودة الوعي لدى المجتمع البحري الدولي، وأوضح ضرورة إعداد سياسة ضمنية على صعيد الأمن البحري.
وهكذا ظهر عنصر جديد نسبياً في تاريخ النقل البحري الدولي، فقامت المنظمة البحرية الدولية، وهي مؤسسة متخصصة لدى الأمم المتحدة، باتخاذ إجراءات لأول مرة من أجل الوقاية من الأعمال غير المشروعة على متن السفن.
11 سبتمبر 2001:
سلطت هجمات 11 سبتمبر 2001 الأضواء بشكل درامي على هشاشة أنظمة النقل الدولي وسهولة النيل منها.
وفيما يتعلق بالطرق البحرية، سرعان ما ظهر أن المرافئ والسفن، على حد سواء، يمكن أن تشكل أهدافاً منتقاة للمنظمات التي قررت تنفيذ مثل تلك العمليات التخريبية، وأنه يجب اتخاذ إجراءات فعالة بأسرع ما يمكن للتصدي لها.
إن اتساع التهديد، والخوف من الخطر الذي يخشاه الجميع، قد ولدا الكثير من ردود الفعل وكانا سبب أعمال هامة نفذت ضمن النطاق الدولي والأوروبي والوطني.
على الصعيد الدولي:
جهاز المنظمة البحرية الدولية
بدفع من الأمريكيين، قررت المنظمة البحرية الدولية في اجتماعها العام في نوفمبر 2001، تشكيل جهاز عملي وفعال للوقاية من الأعمال غير المشروعة والصراع ضدها التي تقع على القطاع البحري.
ولهذا الغرض، فإن الأعمال الجارية طوال 2002م في لجنة الأمن البحري، تمخضت عن مجموعة من الإجراءات، نذكر منها:
أ- تعديلات على اتفاق سولاس (أمان الحياة في البحر)- وهو اتفاق دولي لحماية الحياة البشرية في البحر- وأدرجت تلك التعديلات في فصل مخصص للأمن.
ب- قانون دولي جديد لأمن السفن والمنشآت المرفئية.
منظمة العمل الدولية والمنظمات العالمية للجمارك:
أخيراً، يجب الإشارة إلى أنه إلى جوار أنشطة المنظمة البحرية الدولية، هناك منظمات أخرى تابعة لمنظمة الأمم المتحدة قدمت أفكاراً موسعة حول مسألة الأمن، ولا سيما منظمة العمل الدولية لتحديد هوية الأشخاص العاملين في البحار وتحديد “الأمن المرفئي”، والمنظمة العالمية للجمارك المختصة بالحاويات المنقولة.
على الصعيد الأوروبي:
أعلنت اللجنة الأوروبية بشكل خاص حساسيتها تجاه التهديد الإرهابي للنقل البحري.
مشروع التنظيم الأوروبي..
أعد هذا المشروع بناء على طلب من المجلس الأوروبي، وهو اقتراح تنظيم يهدف إلى تسريع تطبيق إجراءات حددتها المنظمة البحرية الدولية، تحوي توصيات تتجاوز الجهاز الدولي لأنها:
- تشمل حركة الملاحة الوطنية، ولا سيما سفن الركاب التي تبحر على بعد يزيد على 20 ميلاً عن السواحل.
- أصبح من الإجباري تطبيق بعض ما ورد في قانون أمان السفن والمنشآت المرفئية.
- وضع جدول زمني لتنفيذ إجراءات “سولاس” وذلك لتعيين سلطة الأمان الموحدة.
- توسيع اختصاصات لجنة أمن السفن والوكالة الأوروبية للأمن البحري.
- توقع حصول سلسلة من أعمال التفتيش، تنفذها اللجنة الأوروبية، للتحقق من أشكال التفتيش وتطبيق الخطط الوطنية الملائمة ضمن إطار التنظيم.
- فرض تعيين (تسمية) سلطة وطنية مسؤولة عن أمن السفن والمنشآت المرفئية.
واحتجاجات على مشروع التنظيم الأوروبي:
لم يكن ممكناً طرح مشروع التنظيم المذكور إلا بشكل “نقاش توجيهي” طرح في أثناء انعقاد مجلس النقليات في 5 و 6 يونيو 2003، وإلا فإنه لن يلاقي قبولاً عاماً.
وفي الواقع، أبدى عدد من مختلف البلدان في الاتحاد الأوروبي تحفظات فيما يخص توسيع اختصاصات الوكالة الأوروبية ليشمل مهام الأمن دون تعديل تمهيدي لقانون تلك الوكالة.
على الصعيد الوطني:
اهتمت السلطات الفرنسية اهتماماً جدياً بالغاً بالأخطار الكامنة.
فيجيبيرات:
إضافة إلى تفعيل خطة فيجيبيرات غداة أحداث 11 سبتمبر، تقرر التفكير في إعادة صوغ النصوص السارية المفعول التي عفا عليها الزمن نوعاً ما ووجب تجديدها.
الأعمال الجارية منذ صيف 2002، أسفرت- من خلال اعتماد خطة حكومية رشيدة جديدة- عن الوقاية من تهديدات الأعمال الإرهابية في مارس 2003 والحماية منها.
خطة اليقظة والوقاية والحماية:
من تجديدات تلك الخطة: تقدير التهديد تبعاً لخمسة مواقف تعد الأوضاع فيها مرجعية، الأمر الذي يتيح الوصول إلى مستويين من الإنذار، تبذل المساعي ليصبحا مستويات متدرجة. وهناك أيضاً وضع دائم للأمن وارد في الخطة، وهناك أربعة مستويات من الإنذار متفاوتة الشدة أو الخطر ويعبر عنها بالألوان التالية: (الأصفر، البرتقالي، الأحمر والأرجواني). وعند كل مستوى من هذه الإنذارات هناك أهداف أمنية تحدد اتخاذ الموقف الأمني المناسب.
تتميز هذه الخطة بمرونتها. وهناك إنذارات لكل قطاع أو كل منطقة جغرافية، تستدعي ردود فعل نوعية محددة بقطاع معين أو معقل ما، وبهذا يمكن اتخاذ قرار في شأنها. ومن ناحية ثانية، إن تنفيذ الإجراءات المرسومة قد يأخذ شكله تبعاً للظروف، وبالتالي فإنه لن يكون أوتوماتيكياً.
اللجنة البحرية المشتركة بين الوزارات:
لتأكيد رغبة الحكومة على صعيد الأمن والصراع ضد الإرهاب بقصد تطبيق التشريعات الدولية الجديدة، وافقت اللجنة البحرية المشتركة بين الوزارات في 29 إبريل 2003 على اتخاذ الإجراءات التالية:
أمن السفن:
يجب أن تجهز السفن سريعاً ينظام آلي للتحقق من الهويات وكذلك بنظام للإنذار، وأن تحمل على هيكلها الخارجي والداخلي رقم هويتها المعروف من قبل المنظمة الدولية البحرية.
سيكون هناك 200 ضابط أمن على متن السفن، و50 ضابط أمن لدى شركات التسليح البحري، ويجب أن يتم تدريبهم وتأهيلهم في المدارس الوطنية للبحرية التجارية بالاستعانة بكل من وزارتي الدفاع والداخلية.
أمن الطواقم:
ثمة جهاز أمني لتحديد هوية البحارة سيوضع في الخدمة. وهذه الهوية الجديدة لرجال البحرية ستحل محل السجل البحري المهني الحالي، وستتيح التحقق من هوية البحارة وصفتهم، مسهلة تنقلاتهم خارج الأراضي الوطنية.
أمن المرافئ:
اللجنة البحرية المشتركة بين الوزارات اتخذت عدداً من الإجراءات المتعلقة بأمن المنشآت المرفئية.
إن مسألة الأمن المرفئي قد أصبحت، في الواقع، رهاناً يحظى بالأولوية؛ وذلك لكون المرافئ أهدافاً هشة أمام العديد من الأخطار (الكوارث، أعمال الإرهاب...). وثمة بعثة مشتركة بين الوزارات سلطت الضوء على النقاط المعتمة في متطلبات الأمن، وقد أشارت بشكل خاص إلى القوانين والتشريعات اللازم إصدارها، وإلى إجراءات الحصار وتفتيش السفن اللازم اتخاذها.
وهكذا انصبت القرارات الرئيسة على ما يلي:
1- إعادة صوغ القوانين والتشريعات حول الأمن المرفئي:
ستتعلق عملية الصوغ هذه، خصوصاً، بشرطة الميناء. وثمة خطط للأمن المرفئي سيجري إعدادها وتتعلق بالموانئ البحرية التي تمارس التجارة أو الملاحة الدولية وتستقبل سفن المسافرين. وثمة تأمين أفضل للمناطق البحرية القريبة وأراضي المرافئ سيتم تفعيله. وسيعزز الملاك العامل في المرافئ بـــ 40 ضابط ميناء إضافي.
2- أمن المسافرين:
خطط أمن سفن المسافرين سيعاد النظر فيها. وبهذا ستغلق المعابر الأرضية وستفتش، وستزود الموانئ بأروقة لمراقبة المسافرين وفرزهم.
3- أمن البضائع:
ستزود مرافئ مرسيليا والهافر بمعدات تفتيش تعمل بأشعة إكس لفحص الحاويات. وستؤمن سلسلة الشحن البحري، وسيدرس على المستوى الأوروبي مقدار ضريبة الأمن التي يجب فرضها على الشحن البحري.
إن الحساسية تجاه التهديد الإرهابي وحشد جميع الطاقات المعنية على جميع المستويات يشكلان أساس منطلق عمل الحكومات على النضال من أجل أن يبقى النقل البحري أكثر أمانا.
- بقلم: محمد ياسر منصور
- المصدر: مجلة الحرس الوطني