المسيار بإسرائيلية في عطلة العيد!!

صباح العيد على مائدة الفطور، والسفرة بمشويات (حجّي خروف المذكور في المقال السابق)، تلقيت مكالمة غريبة من إمستردام، بدى لي المتصل بنبرات صوته الخمسيني ورزانة كلامه، كأنه لورد مليادير بريطاني، إلا انه كان شفافا لا إستعراضيا:
(مستر أحمد، أنا من أثرياء اليهود، وفي هولندا منذ عقود، مبروك عليكم العيد..!) ..

ثم أعقب ضاحكا:
(أذبحتم الكبش كما نذبحه نحن اليهود.؟)
ثم برّر سبب إتصاله: أن إبنته تحب باللغة العربية، ومن القارئات المستديمة لمقالاتي الأسبوعية عبر روابطها بفيسبوك نهاية كل أسبوع، وانها إلتقطت من القرآن الطابع الترحالي لقريش رحلة الشتاء والصيف، وعازمةٌ قبل ان تعبد ربّ هذا البيت على رحلة الشتاء نحو العرب وبين العرب، رحلة في عمق الصحراء على النوق والجمال، تحتسي خلالها فقط حليب الناقة، ولا تأكل غير أسماك بحر العرب.!

إعارة وتحفظا، دعونا نسمّيه (مستر يهودي) الذي ألمح لي في عرض مبطن:
(مستر احمد، أعرف ان باشواتكم كرماء، كذلك ونحن أثرياء اليهود لسنا ببخلاء) ..
فهمت قصده، كان يغريني لتوفير جولة سياحية بالطريقة التي رسمها لإبنته، ويجس نبض إرادتي من عدمها .. ثم نقل لي حرفيا رغبة إبنته: (أن أكتب لها مشاهداتها اليومية، وتقوم هي بإعادة كتابتها، وقد تُنشر لاحقا في ثلاث لغات العربية، العبرية والفرنسية، مع ضمان حقوق الملكية الفكرية لكل الأطراف.!)
وكانه أدرك من صوتي إستيائي:

(لاتفهمني غلط يا مستر أحمد، عساني ما جرحت شعورك بإعطائك أجر مقابل مشوارك العلمي إن قمت به، أوتحويل قلمك نحو الإرتزاق مما قد لاتحبّذه، فلامانع إن أحببته تطوعيا، وحتى نقبل نفقاتك على الرحلة إن اردتها من جيبك على أن يكون بالتساوي)


(والموضوع لازال في النقاش والدردشة مع مستر يهودي، وله حرية الكشف عن إسمه وتدوين ملاحظاته على جداري هنا إن أراد).

ما حدث مع مستر يهودي أيام عطلة العيد، وما قد يحدث في أيام لاحقة، لايتجاوز عن أمرين كلاهما مرّ، ولايختلف عن الضحك مع من نخاف منه على من نخاف عليه، هذا الطامح وذاك الطامع قد أدركا معا، أنهما مع التخويف لا الخوف، إذن لاتخف ولاتحزن، إضحك وإضحك فأنت مع اليهودي .. التخويف مشابه تماما بذلك الرجل الآلي (الروبورت) الوهمي الذي أخاف العمال المصريين يوما في المصانع والمناجم قبل اربعين سنه، فعلت صرخاتهم (ينهار أسود، ان مخلوقا اسمه روبورت سياخذ مكاننا ويستغنوا عنا، فمن اين الفول للأولاد إذا إحتلّ الباشا روبورت محلنا بالمصانع والمناجم؟).


ودخل فعلا الباشا (روبورت كمبيوتر) المصانع والمناجم المصرية بغزوها من سيناء الى أسيوط ومن دمياط الى القاهرة، وإكتشفناها النكتة ذاتها: (إضحك إضحك فأنت مع روبورت لن يعبر قناة السويس دون الجندي العسكري المصري، ولن يتسلّق الإهرامات دون الكادر البشري المصري.!)

مستر يهودي بكريمته المغامرة يكيلنا بمكيالين، يقول ياعرب لايمكنكم معرفة الشي الا بالمقارنة، الأبيض لايُبان إن لم نجعل جنبه الأسود والأصفر والأحمر والأخضر، وبضحكته (اذبحتم الخروف كما نذبحه نحن اليهود يا أحمد؟) يكون قد أخفى ضحكة مبطنة: (كنتم ياعرب يوما تدفنون بناتكم أحياءا تحت الرمال، واريدها إبنتي ان تدوسها تلك الرمال بدولاراتي، ولازلتم تسمحوا لأولادكم التعرية في حانات سان فرانسسكو، وتخفوا وجوه بناتكم بالنقاب والحجاب قهرا وجبرا حتى عن الأخوان.!) .. وفي ضحكته المبطنة صوته المعلن: (المرأة عندكم عورة، صوتها عورة، صورتها عورة، مشيتها عورة، وستبقى عورة يُفرض عليها حلالا، أويُحرم منها حراما، فلن تميّز الصح من الخطأ لأنها لم ترى الخطأ لتعرف الصح.!)

مستر يهودي يرينا المرأة من خلال إبنته، أو زوجته وصديقته، ونريه المرأة ذلك البحر الذي لم يكتشفوا غير شاطئه، لم يروا داخله وتقلبّاته وعظمته، هي البحر العظيم الجميل في النهار والمؤنس في الليل، فحميناها بالحجاب والنقاب من الثعالب والذئاب، ومن هوامير البحار وحيتان المحيط وثعابين الأرض، وكما يُخيّل إليك المرأة يا مستر يهودي على ظهر الناقة جميلة لاتزيدها مركبة الفضاء جمالا، سواء كانت رائدة وقبطانا في قمرة القيادة، كذلك لاينقصها الجمال في ضوء القمر عندما ترفع النقاب، فنطمع في هل من مزيد؟ بينما لم يبق لكم شيئا لتطالبوها المزيد.!

مستر يهودي أنت وإبنتك تعالا شوارعنا مشية، لن تجدا فيها إمرأة تقود المافيات، او تمسك بتلابيب إمراة أخرى على الرصيف، لأننا لم نجعلها آلية روبورتة لاطريق للقلب نحوها، أنتم تريدونها عارية على الكتالوجات، ومصبوغة على مستحضرات التجميل، ونحن نريدها محميّة من الشوائب والميكروبات والبكتيريا، بطراوة أوراق الورد ينبض لها القلب، فتنبض لنا الحياة.

المرأة عندنا لاتخرج الشوارع لالغاية، ولاتتجول السكيك لالغرض، أنها تعيش للأسرة، لا لذة من الحياة لها، الا وبها ومنها وإليها، لأنها تتعبّد لأسرتها كما يتعبّد الراهب في الصومعة والصولجان، زاهدةٌ في دنياها، ترضى بالقليل وتعطي الكثير، تُفضّل العمل الأسري بقليل الأجر على العمل الربوي بالأجر الكبير، دخلها محدود تصرف اقله على نفسها وأكثره على أسرتها ثم على الجيران الفقراء من حولها، المرأة عندنا إن لم يعاركها الدهر لن تتعارك مع الدهر، يُعرض عليها النكاح فتأتي بالقبول وتعرضُ عن الطلاق فتنزعه ولاتنتزعه، ليس لأنها تخشاه، لكنها لاتحبّذه.!


المرأة عندنا لم تعد بالزوايا والتكايا، تجري راكعة خلف عمائم الدراويش الدجالين والعرافة المنجمين، بل هى قارئة الفنجان وهو المُفترى عليه إن لم يأتها بالتي هي أحسن، انتم تقودونها الى التعرية والسفور لدرجة لم يعد لها كشف المزيد، ونحن نخفيها بالحجاب والنقاب، فيزيد حولها دواوين الغزل، ويأتيها من يرفع النقاب لمعايشة عمر من عسل الحياة بدل شهر من غزل هوليوود، شيخوخة المرأة عندكم إنتظار الوفاة، وعندنا وسام ترفعها من درجة الام الى الجدة، يضاعف حولها العشاق الأحفاد بعد الأحباب الأبناء.

لاترسل كريمتك المغامرة يا مستر يهودي، إلى نسائنا في المغرب العربي ومشرقه، لتثري قاموس مفرداتك عن المرأة العربية، أنتم لديكم لغة واحدة، لغة الكلام إستخدماها يوما روميو وجولييت، هى ذاتها يستخدمها اليوم القضاة والرهبان، ونحن لدينا لغة الكلام ولغة العلم، لامجال لإبنتك بلغة الكلام في حاراتنا، أن ترتقى الى لغة العلم في جوامعنا وجامعاتنا، نحن لن ننحط لسواد عيون إبنتك من لغة العلم الى لغة الشارع، ولن ترتق هى من على ظهر النوق والجمال الى لغة العلم.


وما دار في خلدك عن دفن البنات أحياءا مأخوذ من لغة الكلام، وإن اردت لغة العلم، فهى لغة القرآن، تعطيك أبوّة نوح لإبنه وهو يريد إنقاذه من الغرق لآخر رمق، ومن إسماعيل البنوّة لأبيه وهو يطيعه ولو بالنحر، ومن لقمان عظة الحكيم لإبنه وهو يعظه، فلا رفث ولافسوق ولاجدال مع اليهود بلغة القرآن.


11 تعليقات

  1. اجمل كلام ممكن لانسان مثلك ان يكتبهو انا حسيت بيه من قلبك بجد........مش كلام مكتوب وبس

    ردحذف
  2. إضحك إضحك فأنت مع روبورت لن يعبر قناة السويس دون الجندي العسكري المصري، ولن يتسلّق الإهرامات دون الكادر البشري المصري

    للاسف انه الاستعمار الاقتصادي و الفكري لنا فروبرت يسيطر على ما نملك من خلالنا و الربيع العربي لم يبدأ من فراغ فالشعور بالاستعمار الممنهج و المبطن كان احد اسبابه

    بوركت يداك استاذ احمد

    ردحذف
  3. فارس العرب (مصطفى حمد)18 نوفمبر, 2011 19:26

    موضوع غاية فى الروعة بارك الله فيك

    ردحذف
  4. موضوع قراته عدة مرات واعجبني
    فعلا موضوع قيم بارك الله فيك

    ردحذف
  5. المسلم أملاه لله - منتديات عرب فوركس -
    باسم الله ماشاء الله
    سلمت يمينك أخي بارك الله لك و فيك
    موضوع غاية في الروعة

    ردحذف
  6. الاخ الاستاذ أحمد
    لقد سرت الكلمات في الصميم .. لمن يفهم المعنى .. ولكن هيهات هيهات.
    ما أثارني ويثيرني بشكل سلبي استخدام المرأة كعنصر جنسي فقط في أغلب الاعلانات .. فمثلا يخرج اعلان لاحدى السيارات الفارهه ولا ترى فيه إلا تلك المرأة الجميلة وملابسها الفاضحة لتجذب إنتباه المشاهد .. وتنتبه في نهاية المطاف أن الاعلان لسيارة. إعلان أخر يريك إمرأة بملابس النوم تذهب لجارها .. لماذا؟ .. لتستعير منه القهوة .. كل تلك المشاهد وغيرها تستخدم المرأة لعنصرها الجنسي فقط ولجذب إنتباه المشاهد .. ليس إلا ..
    أما في الاسلام ف المرأة هي الأم والأخت والأبنة .. لها المكانتة التي ذكرتها في مقالك وذلك لان الله عز وجل أكرمها خير إكرام. وأدوارها كثيرة بداً من السيدة عائشه رضي الله عنها والتي كانت تبدئ رأيها للرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم .. ومروراً بأسماء نساء خلدها التاريخ الاسلامي والعربي مثل الخنساء ورابعة.
    مستر يهودي لم يخرج من الإطار الذي يرسمه له مجتمعه وثقافته وهو حر في ما يرغب .. ونحن لا نستطيع تكبيل أراء الاخرين .. ولكن أيضاً نحن لنا هويتنا وثقافتنا التي لا نرضى لها بديل.

    ردحذف
  7. تغلبت الأجندة الخاصة على الموضوعية فلم تخدم الهدف بينما هذه القضية تجاوزناها فكما حق المرأة مهضوم في قيمنا الأجتماعية هو لديهم اشد هضما انما نحن نتوهم اننا متأخرين وهم متقدمين وهذه اشكالية. النص لغويا ووعي بالحالة جيد . لك تحياي

    ردحذف
  8. شكراً لجميع الأخوة المعلقين وأهلاً وسهلاً بكم وشرفتوا المساحة..

    ردحذف
  9. أرحب ترحيب خاص بالأستاذ القدير/ محمد الشقحاء سعيد جداً بوجودك يا أستاذنا الغالي..

    ردحذف
  10. سعيد عادل كرم29 يناير, 2012 13:21

    سلام الله عليك يا بو محمد قرات مقالك الجميل جدا وبصراحة استمتعت في كل جملة قريت فيها مقالتك حقا انه اثراء جميل منك وكما تفضلت من قبل انت اسيادالكتاب العربي وحبر قلمك من ذهب خالص
    حيث اسردت الطبيعة الحقيقية للمراة المسلمة ومقارنتها عن اليهودية
    الله يعطيك العافية وسلمت يداك
    وشكر جزيل للاستاذ الفاضل فهد فواز لمساهمته في نشر المقالات الهادفة
    Your admirer سعيد عادل محمد كرم

    ردحذف
أحدث أقدم