"الفن السابع" في السعودية... حكاية شد وجذب بين تيارين

100102-feature-1-photoAP يستقل منير محمد، سيارته كل شهر، برفقة عائلته المكونة من زوجته وطفليه، من منزله في مدينة الرياض، حتى المنامة عاصمة بحرين، في زيارة تمتد 48 ساعة، فقط ليشاهد أفلاما سينمائية.

وخلال كل رحلة من هذه الرحلات تستمتع أسرة منير بحضور ما لا يقل عن 4 عروض سينمائية، تتنوع بين أفلام عربية وأجنبية وأفلام كارتون. ويقول منير إنه يعتقد أن "الفن السابع نوع من الثقافة، التي ينبغي أن نغرسها في نفوس أولادنا منذ طفولتهم". ومن أجل هذه "الثقافة" "أقطع نحو 1000 كلم في هذه الرحلة ذهاباً وإياباً، وأجتاز خلالها الحدود، كي أشاهد مع أسرتي عروضاً، لا تتاح لي رؤيتها في بلادي".

وتُعد السعودية البلد العربي الوحيد الذي يمنع إقامة دور للسينما.

يشار إلى أن السعوديين الذين تجاوزوا الـ40 من العمر، استمتعوا بحضور عروض سينمائية في المملكة.

و كانت تجرى في السابق عرض أفلام سينمائية في مقر نادي الهلال الرياضي، أحد أكبر الأندية في الرياض. كما كانت مدن سعودية أخرى، مثل جدة ومكة والظهران، تحوي دور للسينما، قبل أن تُمنع عام 1980، في أعقاب سيطرة متشددين على الحرم المكي لمدة أسبوعين. ورغم إخماد ذلك التمرد الا أن الحظر مستمر حتى الآن.

السعوديون يريدون السينما

توصلت دراسة أجراها الباحث السعودي عبد الله الدرعان، وقدمها كرسالة ماجستير لقسم الإعلام بجامعة الملك سعود، إلى أن 83.7 في المئة من عينة شملت 289 شخصاً، يتابعون السينما.

وكشفت الدراسة، التي صدرت بعنوان "السعوديون والسينما: دراسة في المعوقات والاتجاهات: حالة مدينة الرياض"، أن 63.9% يؤيدون إنشاء دور عرض سينمائية في بلادهم.

و يرى المخرج السعودي عبد الله المحيسن، الذي أشرف على إنتاج وإخراج ما يزيد على 212 فيلماً، بما فيها "ظلال الصمت"، أن هذه الدراسة "تُعبر عن اتجاه إيجابي نحو السينما في السعودية"، مبدياً "تفاؤلاً كبيراً بمستقبل السينما، وقيام صناعة سينمائية سعودية"، وذلك رغم انتقاده "لدورانها طيلة العقود الماضية في محور التجارب الفردية، التي لا يمكنها أن تقيم صناعة سينمائية فاعلة" حسب قوله.

المحيسن، الذي أخرج فيلمه الأول قبل 35 عاماً، قال "إن السينما السعودية "شهدت ظهور أفلام سينمائية مختلفة، بلغ عددها 65 فيلماً، منذ 1975 إلى 2008، أُنتجت من خلال أفراد أو مؤسسات، وتنوعت بين الوثائقي، والروائي القصير، والحركة، والكوميدي، والروائي"، واصفاً هذا الحراك في مجال الإنتاج السينمائي في السعودية بـ "الصحوة المتأخرة".

وشهد عام 2008، نتاجاً سينمائياً سعودياً "غير مسبوق"، بواقع 27 فيلماً. كما شهد تنظيم مهرجانين سينمائيين في مدينتي جدة والدمام. وغالبية الأفلام التي أُنتجت في السعودية كانت روائية، بنسبة تجاوزت 69 في المئة، ثم تسجيلية، مع وجود فيلمين تحريكيين، وواحد كوميدي، وآخر سيرة ذاتية. وبلغت مدة أقصر فيلم سينمائي سعودي 128 ثانية، فيما كان فيلم "كيف الحال" الأطول زمناً، بـ109 دقائق. وغلبت على عملية إنتاج هذه الأفلام الجهود الفردية، بنسبة بلغت 87 في المئة. وأخرج معظم هذه الأفلام سعوديون، باستثناء ثلاثة فقط.

وكاد كثير من المهتمين بـ"الفن السابع" وعشاقه في السعودية أن يجزموا أن إنشاء دور سينما في بلادهم كان "قاب قوسين أو أدنى"، بعد تصريحات أدلى بها وزير الثقافة والإعلام إياد مدني العام الماضي، عبّر فيها عن مباركته إنشاءها، ومستغرباً من عدم وجود هذه الدور في السعودية.

وقال مدني خلال تدشينه مهرجانا سينمائيا في الدمام في 2008 "نشاهد الأفلام السينمائية في منازلنا، وفي المقاهي والأندية الأدبية، التي تقيم عروضاً سينمائية ضمن برامجها الثقافية. ولا أعلم ما المانع من مشاهدة هذه الأفلام في قاعات عامة!"

وأكد مدني أن وزارته "لم تتلق حتى الآن طلبات للتصريح بإقامة قاعات للعروض السينمائية؛ لأن ذلك ليس من اختصاصها"، موضحاً أن عملية التصريح لهذه الأنشطة "أمر لا تنفرد به وزارة الثقافة والإعلام وحدها".

وقال الوزير السعودي "هناك فرق بين صناعة الفيلم السينمائي، وبين [إنشاء] قاعة عامة للسينما يرتادها الناس"، مبيناً أن وزارته "تعمل على دعم صناعة الفيلم وكل ما له علاقة بهذا الشأن".

منع عرض "مناحي"

لكن تصريحات الوزير مدني ذهبت أدراج الرياح؛ فالحراك السينمائي في بلاده واجه عدة نكسات في 2009، كان أبرزها منع عرض فيلم "مناحي" في شهر يونيو/حزيران الماضي. ويحكي الفيلم، وهو من إنتاج شركة "روتانا" المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، وشارك فيه ممثلون سعوديون وخليجيون وعرب، يحكي بأسلوب كوميدي قصة شاب بدوي، دخل عالم البورصة، وحقق فيه قفزات كبيرة. وقد مُنع الفيلم من العرض في مدينتين سعوديتين، هما الدمام وأبها، بأوامر من أميري المنطقتين، بعد تلقيهما طلبات من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية).

إلا أن الفيلم عُرض قبل ذلك في كل من جدة والطائف وجازان، وحضر تلك العروض عشرات الآلاف من الشبان، فيما قوبل العرض الأول للفيلم في الرياض بعدة اعتراضات من جانب متدينين شبان، حاولوا منع العرض المُخصص للرجال فقط بإشاعة جو من الفوضى، قبل أن يقوم الأمن السعودي بتفريقهم والقبض على عدد منهم. واتهم المعترضون الفيلم وبطله الفنان فايز المالكي بـ"السعي إلى ترويج الفسق والمجون". كما ألقى أحدهم خطبة عن تحريم السينما، حذر فيها القائمين على العرض من "ابتداع أمور يرفضها الدين الإسلامي والمسلمون".

وفي المقابل أطلق ناشطون شبان وسينمائيون سعوديون حملة تحت شعار "نريد سينما"، دعت إلى التضامن مع مساعيهم الرامية إلى إنشاء دور عرض سينمائي في السعودية.

ووجه الشبان رسالة نصية عبر الهواتف المحمولة تتضمن دعوة لحضور العرض الأول لفيلم "مناحي". وجاء في نص الرسالة "شارِك بحضور افتتاح عروض فيلم ’مناحي‘ في الرياض، لدعم وجود دور سينما في المدن السعودية".

وفي منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، تلقت السينما في السعودية الضربة الثانية والأقسى، حين أمر وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز بإلغاء تنظيم مهرجان جدة السينمائي الرابع، قبل ساعات من افتتاحه. وكان المهرجان، الذي كانت ترعاه شركة "روتانا للإنتاج" أيضاً، سيشهد حضور 50 مخرجاً سينمائياً من السعودية ودول الخليج، وكان بعضهم وصل إلى جدة قبل صدور قرار المنع، الذي جاء بعد خطاب تلقاه وزير الداخلية من المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، حذر فيه من "أضرار عرض السينما وما قد تسببه من فتن للمجتمع".

وكان المهرجان قد استقبل قبل إلغائه 200 فيلم سينمائي، استبعدت الرقابة 8 منها "لعدم ملاءمتها للعرض"، وكان من بين الأفلام المقرر عرضها 70 فيلماً سعوديا، و17 فيلماً من الإمارات، و13 فيلما من البحرين، و7 أفلام من الكويت.

وتقدمت سلطنة عمان في المهرجان بفيلم واحد، فيما تقدمت دول عربية الأخرى بـ42 فيلما للمشاركة، في حين جاء تقدم للمشاركة 50 فيلماً من دول أوروبية وآسيوية.

وكان المهرجان قد رصد 13 جائزة للمسابقات.

  • عن: صحيفة الشرفة الإلكترونية.
  • حسين الصالح من الرياض
    2010-01-02

إرسال تعليق

أحدث أقدم