رجال حول الرسول: خالد بن الوليد

large_10009_84293 مواجهته المسلمين

خالدٌ من قبيلة بني مَخْزُوم، إحدى قبائلِ قريش، التي اشتهرت بالفروسية والقتال، والمكانة الرفيعة.
والده الوليد بن المغيرة كان سيداً في قومه، وحَرَص على توريثِ خِصالِ البطولة لأبنائه. لكن خالداً الذي وُلد في السنةِ التاسعةِ والثلاثين قبل الهجرة، تميَّز عن أقرانِه ببراعة نادرة، فعُرف منذ صِباهُ بالشَجاعة والمَهارة وخفةِ الحركة في الكَرّ والفرّ، وأثبتَ وجودَه في ميادين القتال، وأظهر من فنونِ الفروسية ما جعلَه فارسَ عَصْرِه بلا مُنازع.
كان زعماءُ بني مخزوم، ومن بينهم خالدٌ وأبوه، من أشدِّ أعداءِ الإسلام. لكنَّ خالداً لم يشارك في أولِ مواجهةٍ عسكريةٍ مع المسلمين في غزوة بدر، فقد كان حينها في بلادِ الشام، لكنَّ قدراتِه العسكريةَ الفذة ظهرت في غزوة أُحد، عندما حَوِّل نصرَ المسلمين إلى هزيمة.
وفي يوم الخندق كان خالدٌ من صناديدِ قريشٍ الذين تناوَبوا الطوافَ حول الخندق علَّهم يجدون ثُغْرَةً يَقتحمون مِنها المدينة، وعندما أخفقوا، كان خالدٌ يَحمي ظُهورَهم في انسحابِهم.
وفي يوم الحُدَيْبِيَة قادَ خالدٌ مائتي فارسٍ من قريش لمنعِ النبيِّ وأصحابِه من دخولِ مكة، لكنَّ الأمر انتهى بمعاهدةِ صلح. ومع ذلك فإن خالداً في العام التالي خرجَ من مكة، حتى لا يرى المسلمين يؤدون فيها عُمْرةَ القضاء.

إسلامه

إلا أن التحوُّلَ الكبيرَ في حياة خالدِ حدثَ في شهر صَفَر من السنةِ الثامنةِ للهجرة. فقد جاء خالدٌ إلى المدينةِ مسلماً ومعه اثنان من قادةِ قريش، عثمانُ بنُ طلحة، وعَمْرُو بنُ العاص. وانتقلت بطولاتُ خالد من خدمةِ قريش، إلى الدفاعِ عن دينِه الجديد.
وبعد شهرين ظهرت براعةُ خالدٍ العسكريةُ في أولِ مواجهة بين الروم والمسلمين على أرض مؤتة في الأردن.
وبعد ستة أشهر من خروج خالدٍ من مكة مسلماً، يعود إليها يومَ فتحها، قائداً لواحدٍ من الجيوش الأربعة التي دخلت المدينةَ المقدسة، وهو جيشُ الفرسان.
ثم توالت بطولات خالد بعد فتح مكة، فكان قائداً لعدد من السرايا التي هَدَفت إلى بَثِّ الرُعب في نفوس الأعداء، وقائدَ الفرسان الثابتين في حُنَيْن. وبعد غزوة تبوك هاجم دَوْمَة الجَنْدل وأسر زعيمَها أُكَيْدرَ بنَ عبدِ المَلِك، الذي ناصَبَ المسلمين العِداء. وبعد وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم برزت أعظمُ بطولاتٍ خالدٍ في القضاء على الرِّدَّةِ في الجزيرة العربية، واستطاع إخضاع كثير من المناطق المتمردة، ومن بينها اليمامةُ وزعيمُها مُسَيْلَمةُ الكَذَّاب.
ثم بعثه أبو بكرٍ في بداية السنة الثانيةَ عشرةَ للهجرة إلى العراق، لكسر شوكةِ الفُرْس المتربصين بالدولة الإسلامية. وتَمَكَّن بسرعة قياسية من السيطرة على كثيرٍ من المواقع، وتثبيتِ موطئِ قَدَمٍ للمسلمين في العراق.
لكنّ سُرْعَتَه الأعظم، التي أذهلتْ المؤرخين العسكريين، هي قدرتُه على اجتياز الصحراءِ في خمسة أيام من العراق إلى اليرموكِ في بلاد الشام، عندما أمَرَه أبو بكرٍ بالتوجهِ سريعاً إليها، لمواجهة أكبرِ حشدٍ للروم. وفي طريقِه سيطرَ على كثيرٍ من المناطق الممتدةِ من العراق، إلى تَدْمُرْ في سورية، إلى بُصْرَى الشام على الحدودِ الحاليةِ بين الأردنِّ وسورية.
اليرموك، أعظمُ مواجهةٍ فاصلةٍ في تاريخِ المسلمين، بما تَمَّ حَشْدُه لها من جيوش، وما جرى فيها من قتال، وما تَرَتَّبَ عليها من نتائج، كان خالدُ بنُ الوليد قائدَها وبطلَها بلا منازع. حشد الروم يَومذاك نحوَ رُبْعِ مليون مقاتل، في الجهة الشمالية من نهر اليرموك على الأراضي السورية حاليا، في منطقة تسمى تل الجُمُوع.
أدرك أبو بكرٍ خطورةَ الأمر، فأعلن التعبئةَ العامة، واستقدم مقاتلين من اليمن، وبعث بِمَنْ قاتلوا في حروب الردة، وحروبِ العراق والشام. لكنَّ العددَ لم يتجاوزَ ستةً وثلاثين ألفا، تم تجميعهم جنوبَ نهر اليرموك على الأراضي الأردنية حاليا.
خللُ التوازن في اليرموك لصالحِ الروم، كان يتطلب قيادةً فذة. وقد وافق قادة جيوش بلادِ الشام، على ضرورةِ توحيدِها، وأجمعوا على تولِية القيادة لخالد، حتى إن أبا عبيدةَ أخفيَ كتابا بعثَ به عمرُ بن الخطاب، الذي تولى لتوِّه الخلافة، يَعزِلُ فيه خالداً عن قيادة الجيوش حتى لا تكون فِتنتُها بقدراتِه العسكرية حائلاً دون استبسالِها في القتال.
وخاض خالدٌ المعركة بقيادةٍ موحدة، تعتمد على مقاتلين متفوقين نوعياً ومعنويا، مقابل جيش يتفوق عدداً وعَتادا. وقسَّم خالد جيوشه إلى كراديسَ أو كتائب، حدَّد مسؤولياتِ وواجباتِ كلٍّ منها بدقةٍ وإحكام. وبدأ برفع معنويات الجيوش، مؤكدا لهم أن هذه المعركة حاسمة، وأن المسلمين إذا هُزموا فيها فلن تقومَ لهم قائمةٌ بَعدَها.
ثم التقى الجانبان في وادي اليرموك، ودارَ قتالٌ شديد، خسرَ فيه المسلمون نحوَ ثلاثة آلاف مقاتل، مقابل عشرات الآلاف من الروم وحلفائهم.
كانت نتيجة المعركة عظيمة، وشكَّلتْ بدايةَ النهايةِ لانهيارِ الامبراطورية الرومانية الشرقية، بعد انكفائها في حصونِها على الحدود بين أوروبا وآسيا في القسطنطينية.
وبعد نصر اليرموك، أُعيد توزيع الجيوش، والمرحلة التالية هي فتح دمشق. وكان جيشُ خالدِ بنِ الوليد أحدَ الجيوش التي حاصرت المدينةَ من الجهة الشرقية، وهو الذي اقتحم أسوارها، مما دفع الروم إلى طلب الصلح والاستسلام.
وبعد نجاح فتح دمشق، انتشرت الجيوش الإسلامية في مناطق الأردن وفلسطين وساحل الشام. بينما توجه أبو عبيدة ومعه خالد بن الوليد بجيش لفتح مناطق شمال سورية، وفي الطريق اصطدموا بقوةٍ من الرومان جاءت لدعم حاميتهم في حمص، فتم فتحها.
وشاءت إرادة الله أن تخرج أنفاسُ خالدٍ الأخيرة في مدينة حمص على فراش المرض، بعيدا عن ساحات القتال. وتوفي رضي الله عنه في الثامنَ عشر من رمضان من السنة الحاديةِ والعشرين للهجرة، ودُفن في بيته، ثم بُني بجانبِه مسجدٌ، أصبحَ من أهمِّ معالمِ مدينةِ حمص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم