الشباب بين قوسين

في بداية الثمانينات من القرن العشرين كتب الصحافي والكاتب السعودي رضا لاري سلسلة مقالات في جريدة "الرياض" بعنوان "الشباب بين قوسين"، وصف فيها حال بعض الشباب السعودي الذي عالج فشله باللجوء الى إدمان المخدرات، أو التدين المتشدد. المقال اغضب بعضهم، واضطر لاري الى كتابة مقال اعتذار وتوبة. لكن السنوات الماضية أثبتت ان رضا لاري كان محقاً، وان مقالاته لم تكن تستدعي الاعتذار، وانما التقدير والاهتمام، وفتح حوار جديّ حول التشدد الذي انخرط فيه بعض الشباب في تلك المرحلة.

تشبيه التدين بالمخدر، واستخدامه كحل للهروب من المشاكل في تلك المقالات، منعنا من التوقف عند المسألة، وزايد بعضنا على المجتمع - ان لم يكن معظمنا - في دعم التشدد، بل ان حركة المجتمع ومؤسسات الدولة كانت تساير هذا التشدد، وتحسن فيه الظن وتقدم له الدعم المادي والمعنوي، الى درجة ان مفهوم " قادة الرأي" في السعودية تغيّر، وأصبحت قيادة الرأي حكراً على نفر من الوعاظ البسطاء والمتشددين الذين تحوّل بعضهم لاحقاً الى نجم في الفضائيات، وغاب دور المثقف والكاتب والأديب وأستاذ الجامعة والمهندس والطبيب. والمؤسف ان "احتلال" مواقع قيادة الرأي ومنابرها لا يزال قائماً حتى ساعة كتابة هذا المقال.
رد الفعل في الاتجاه المعاكس سبق ذلك التاريخ، ففي بداية الثمانينات استطاعت مجموعة من المتشددين احتلال الحرم المكي، وخلال وقت قصير تم وأد ذلك التمرد، لكن القضاء على المتمردين لم يمنع تنفيذ فكرهم، ومن يعود الى تلك الفترة ويراقب بعض النشاطات، ويقرأ الصحف ويعاود النظر في البرامج والمسلسلات التي بثها التلفزيون، سيجد ان الدولة بكل مؤسساتها زايدت على آراء تلك الفئة من الشباب المغرر بهم، والنتيجة اننا في كل معركة نقضي على النتائج، ونتجاهل الأسباب، وإن شئت، نتسامح معها ونعتذر لها، ونترك لها الساحة. هل نعاني حالاً من التناقض؟
الأكيد ان تكرار مواجهة النتائج وترك الأسباب، هو المعضلة الأهم في مواجهة التطرف. وهذا التكرار لا يحدث بسبب جهلنا بالقضية أو عدم إدراكنا إياها، وانما لأن هناك من يفسد حملات التوعية والمناصحة بالإيحاء والتعاطف، وهنا نعود الى موضوع قيادة الرأي، التي احتُكرت، انها مربط الفرس. شرّعوا الأبواب للأطباء والمهندسين ورجال الأعمال والمحامين والمثقفين والأدباء والشعراء والناجحين من كل الأطياف، وكل المجالات، لمخاطبة الشباب والمجتمع، أوقفوا احتكار فئة للكلمة وسترون الفارق.

  • نقلاً عن صحيفة (الحياة ).

إرسال تعليق

أحدث أقدم