الأفكار العشوائية التي تشكل رؤية المصمم قد تكون مصدر سحر لا متناهٍ للآخرين. ولمجموعته الأولى منذ انضمامه لدانهيل، اختار المدير الإبداعي كيم جونز عروضه هذا العام مستلهماً من طيور البطريق والمستكشفين والرسام الإنجليزي فرانسيس بايكون.
وبايكون، على سبيل المثال، يمثل روحاً عصرية تنسجم مع شخصية ألفريد دانهيل نفسه، والذي كان يعتبر رائداً في التجديد قبل قرن مضى. كما كان ألفريد محباً للجرأة، وكان شديد الإعجاب بالمستكشفين الذين يصلون أقصى حدود إمكانياتهم. وماذا عن طيور البطريق؟ لا بد أننا جميعاً قد نتعلم أمراً مفيداً من هذه الطيور الصغيرة القوية، ومن نظامها وانضباطها والتزامها بالمهمة الموكلة إليها. لكن هذه الإيحاءات كلها كانت مجرد نقاط بدء. فعندما تعمق جونز في ماضي علامة دانهيل، وجد عنصراً جمالياً يجمع بين الشكل والوظيفة ما وجده جونز مناسباً جداً للوقت الحاضر، إضافة إلى انسجامه تماماً مع شعوره تجاه الملابس الرجالية. وكما يقول جونز: «تعكس علامة دانهيل الكثير من الرسمية ولكن بطريقة أستطيع أن أفهمها». وقد كان لجونز خلال مسيرته المهنية، عندما عمل منفرداً، دور في إطلاق صيحة المزج بين الملابس الرسمية والملابس الرياضية، وهو توجه بات يتطور ليصبح جوهر تصاميم الملابس الرجالية للقرن الحادي والعشرين.
وقد أحب ألفريد دانهيل السفر والتنقل، لذا فقد كان دائم البحث عن طرق يطور بها الناحية العملية لمنتجات دانهيل. وبالنسبة له، فقد كانت التكنولوجيا وسيلة لخدمة التقاليد. ويقول جونز: «كان هذا يعني أن فكرة دانهيل أساساً كانت أكثر معاصرة مما أدركه الناس». وعلى سبيل المثال، تضم المجموعة الجديدة معطفاً مناسباً لجميع الأجواء ومصنوعاً من صوف محضر تكنولوجياً. ويبدو هذا المعطف عصرياً جداً، إلا أنه في الواقع منقول من أرشيف دانهيل. وإذا دققنا النظر فإننا سنجد لمحات من معطف جزار أو معطف بحار، وهي قطع صممت لسبب ما. وقد شجعت جرأة ألفريد دانهيل واتساع أفقه، كيم جونز على تجربة الأقمشة العملية. فبين الكشمير المنغولي والقطن المغسول والجلود المعتقة، نجد أقمشة لها ذكريات، كالنايلون الذي يبدو كالصوف، أو موهير كامديو من جنوب إفريقيا الذي يتميز بقدرته على منح الدفء شتاءً والانتعاش صيفاً.
كما أن عالم دانهيل أكثر غنى وغرابة مما يتخيل الكثيرون، وهذا أيضاً ملائم تماماً لتوجهات كيم جونز. وقد رأى يوماً ما صورة لترومان كابوت في بدلة رسمية من دانهيل، وقد أثار هذا في نفسه شيئاً ما. ياقة البدلة المصنوعة من الساتان، والحزام من الحرير المضلّع، وتصميم البنطلون ونقش المربعات على الأزرار، كل هذا كان يعني أن هذا التصميم لا يبدو إطلاقاً كبدلة التوكسيدو التقليدية. ويقول جونز: «إنه لأمر عصري أن ترتدي قطعاً لا تتناسق معاً». ومع ذلك، فمع أن القطع لم تتناسق، عرف جونز أن عليه الجمع بين الملابس والإكسسوارات التي تصممها دانهيل لابتكار عالم متناسق ومتميز. وبكلمات أخرى، عالم كدار بوردون هاوس في لندن، أو توين فيلا في شنغهاي، وهما أولى النقاط التي يقوم عليها عالم دانهيل الجديد.
وقد منحت أرشيفات دانهيل لجونز الكثير من الأفكار لينطلق منها. فهناك معطف الدفيل الصوفي ذو الأزرار الشبيهة بالمسامير والمصنوعة من أنياب فيل الماموث! وهناك ساعة مصممة على شكل مفتاح البيت، أو نسخة أخرى منها يمكن شبكها بجيب الجاكيت، وتتميز بغلاف من جلد الشغرين (shagreen) غير المدبوغ. استخدم دانهيل جلد الشغرين للمرة الأولى عام 1919، وقد أثار لمعان سطحه وملمسه تألقاً غريباً يوحي بنقوش الديكو (Deco). وكذلك الحال بالنسبة لنقش السمكة الذهبية، الذي كان اللمسة المميزة لقلم الحبر السائل «Namiki» من دانهيل، أما الآن فهذا النقش مرسوم يدوياً على الجهة الداخلية لجيب صدر أحد قمصان المجموعة. ومع أن التصميم مخفي، إلا أن من يرتديه يعرف أنه موجود، كما أن فكرة هذه الأمور الخفية الغريبة التي تبعث السرور في النفس تبدو ملائمة لرؤية جونز في تشكيلة دانهيل الجديدة. وهو يصر على ذلك ويقول: «يجب ألا تكون تصاميم دانهيل صارخة».
ويتمثل هدف جونز الرئيسي في إرجاع علامة دانهيل إلى أصلها واستعادة وتعزيز جذورها البريطانية الأصيلة. وتضم المجموعة معطفاً خفيفاً ذا مقدمة مثلثة تمثل بطانته خريطة لندن. فهل هذا جزء من تقاليد العلامة أم إنه لمسة عصرية؟ يقول جونز رداً على ذلك: «إنها لمسة كلاسيكية عصرية، وهذا ما أسعى إليه. هذا هو السبب الذي جعلني أحتفظ بالقطع الأساسية لعدد من أنواع الملابس، كالقميص والسترة والبدلة والمعاطف. وبهذه الطريقة يمكنك أن ترى أين كانت علامة دانهيل، وإلى أين ستتجه».
القسم:
ثقافة وفنون