أنا لا ألوم طاهر القادري على الضجة التي أثارها في الأيام القليلة الماضية، ولكني ألوم بشدة أتباعه الذين يمثلون عقلية عدد لا بأس به من الشعب الباكستاني، فهذه الفئة معروفة في باكستان بولائها لشيوخها وساداتها دون مناقشة أو اعتراض، حتى إنهم ليكادون يقدسون هؤلاء الشيوخ، ويرفعونهم إلى درجة الأنبياء والرسل.
تعالوا بنا نكشف خيوط المهزلة التي حدثت في مدينة إسلام أباد عاصمة باكستان، هذه المهزلة تشبه بعض المسرحيات والقصص التي تترك الناس حيارى في نهايتها، حيث يخرجون بلا شيء.
بدأت هذه المسرحية الهزلية بتاريخ 23 ديسمبر 2012 في مدينة لاهور حيث هدد طاهر القادري رئيس إدارة منهاج القرآن الحكومة بالقيام يمسيرة احتجاج طويلة، وطالبها بحل اللجنة المشكلة للإشراف على الانتخابات التي ستجرى في البلاد في شهر مايو المقبل، رغم أن هذه اللجنة تم الاتفاق عليها من قبل الحكومة والمعارضة معاً، وانطلق من لاهور مع أتباعه متجهاً إلى العاصمة في مسيرة احتجاج طويلة في البرد الشديد حيث اقتربت درجة الحرارة من الصفر. ولم يجد –هو وأتباعه- أية صعوبة تذكر في الطريق، لم يجد العوائق التي ذكرت الحكومة بأنها ستضعها في طريقه، بل أذنت له الحكومة بأن يحط رحاله في مكان قريب جداً من البرلمان والمناطق الحساسة، وقد جاء معه أتباعه من لاهور ومن القرى التي تقع في الطريق بين لاهور وإسلام أباد من بينهم عدد كبير من النساء والأطفال الصغار. أمضى هؤلاء –بعد وصولهم إلى إسلام أباد- خمسة أيام في الشارع الرئيسي للعاصمة في جو قارس أدى إلى إصابة الكثير منهم بالبرد وخاصة الأطفال الذين امتلأت بهم مستشفيات إسلام أباد القريبة من مكان الاحتجاج. ولكن طاهر القادري وأسرته كانوا في مأمن من كل هذا لأنهم كانوا في عربة تشبه قلعة محصنة ومهيأة بكل أسباب الراحة وخاصة التدفئة، حتى اضطر طاهر القادري إلى أن يخلع معطفه وهو يخطب في الجماهير التي ترتجف من البرد! كان يحدث الناس من وراء حاجز زجاجي مضاد للرصاص، ويقول بأنه إذا انطلقت أية رصاصة من العدو –ويقصد الشرطة- فأنه سيتلقاها بصدره قبل الجميع!
مع الزمن اشتدت لهجة القادري فأخذ يهدد الحكومة ويشبهها بجيش يزيد، وأنه الحسين بن علي الذي جاء ليطهر البلاد من الفساد الذي استشرى فيها بسبب هذا النظام اليزيدي، وتحول الاعتصام إلى ثورة وانقلاب حسب وصف القادري، وادعى أنه سوف يجعل من المكان الذي يعتصم فيه ميداناً مثل ميدان التحرير في مصر، وأخذ ينذرها ويحدد لها الموعد تلو الآخر كي تستجيب لطلباته. ولكن ما هي طلباته؟ لم تكن واضحة على الإطلاق، فقد تبرأت منه جميع الأحزاب والجماعات السياسية والدينية حتى الجماعات التي تنتمي إلى نفس أفكاره وعقائده، وقال بعضهم بأنهم لا يعرفون ماذا يريد القادري. تدرج القادري في طلباته من مجرد إلغاء اللجنة المكلفة بإجراء الانتخابات وبعض الاصلاحات في الدستور إلى المطالبة بحل البرلمان وإقالة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء برمته، وقال إنهم كلهم أصبحوا سابقين؛ رئيس جمهورية سابق ورئيس وزراء سابق وهكذا بقية الوزراء، وتصادف أن أصدرت المحمكة العليا أمراً بالقبض على رئيس الوزراء برويز أشرف، الأمر الذي تهلل له القادري وتبعه مريديه من حوله، وظنوا أن الحكم صدر تأييداً لهم، فأخذوا يرقصون ويغنون، ولم يكن كذلك، فقد كانت المحكمة العليا قد أصدرت حكماً قبل أشهر بإدانة رئيس الوزراء بتهمة الفساد وسرقة أموال عامة بطرق غير مشروعة، وتصادف أن أصدرت الحكم بالقبض عليه في تلك الأيام، وليست هناك أية صلة بين الحكم وما كان يحدث في ساحة الاحتجاج التي شبهها القادري بميدان التحرير، وشتان بين الاثنين، ففي مصر خرج الشعب بكل فئاته وجماعاته وأحزابه، وأما في إسلام أباد فلم تخرج إلا فئة معينة، فئة لا تفكر بعقلها، وإنما بعقل قائدها الذي تقدسه وتسجد له.
وفي اليوم الأخير من المعركة –حسب وصف القادري- أمهل القادري الحكومة بضع ساعات لتنفيذ طلباته وإلا... فسارعت الحكومة إلى تكليف عدد من الوزراء والمسئولين فيها ليتفاوضوا مع القادري الذي كان من قبل يرفض التفاوض بأي شكل من الأشكال، وكان يصر على القيام بمسيرة الاحتجاج مهما كلف الأمر، وكأن الأمر مرتب له! وبعد مفاوضات طويلة استغرقت خمس ساعات تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. لم يضف الاتفاق جديداً على هو موجود في الدستور. خيب القادري آمال الذين كانوا يحلمون بالتغيير وصلاح الأحوال، لأن القادري كان ينتقد في احتجاجه غلاء الأسعار وعدم توفر الوقود والفساد الإداري الذي استشرى في البلاد، أما أتباعه فقد صفقوا لهذه الصفقة الفارغة مما كان ينادي به القادري، وأخذوا يرقصون في الشارع الرئيسي المؤدي إلى البرلمان ومبنى مجلس الوزراء دون أن يعوا ما حدث، صفقوا ورقصوا وغنوا فقط لأن قائدهم القادري قال لهم لقد انتصرنا.
في البداية احتار العقلاء لما يجري، وتساءلوا عمن يقف وراء القادري، كان الاعتقاد السائد أن الجيش هو الذي يقف وراءه، حيث شهدت البلاد قبل فترة أزمة حادة بين جهاز الاستخبارات والحكومة بقيادة رئيس الجمهورية آصف على زرداري، ولكني لا أظن أن الجيش بمثل هذا الغباء حتى يرسل شخصاً مثل طاهر القادري. وبعد خروج الهواء من البالونة والخروج من المولد بلا حمص، علم العقلاء من الناس أن زرداري الكامن في كراتشي بعيداً عن إسلام أباد كان وراء القادري، فقد كان هو مخرج هذه المسرحية التي أقيمت على مسرح إسلام أباد العاصمة، حيث لم ينبس ببنت شفة طوال أيام المسيرة والاحتجاج والاعتصام، لأنه كان يعلم النتيجة، أليس هو الذي دبر كل شيء، ورتب لكل خطوة خطاها القادري؟
ثمة شطحات كثيرة لهذا الرجل المسمى طاهر القادري، فقد ادعى أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وهو يشكو له سوء معاملة المدارس والشيوخ له في باكستان، وأنه –أي النبي- قرر أن يرجع إلى المدينة ويترك هذا البلد حزينا كاسف البال. يقول القادري إنه رجاه ألا يفعل ذلك، ويرجع عن عزمه، ويبقى في باكستان، فوافق النبي على شرط أن يكون القادري هو مضيفه، فرضي القادري رغم أنه لا يملك مالاً – كما ادعى- وحمله النبي تكاليف إقامته وتنقلاته في البلد وأن يدفع ثمن تذاكر العودة إلى المدينة (فيدو رؤياه هذه موجود على اليوتيوب). وهناك أمثلة كثيرة على كذبه تندرت بها بعض القنوات الخاصة.
ومن تناقضاته الكثيرة أنه يحرم الجهاد في كشمير لأنه ليس تحت إشراف الحكومة، أو أن الحكومة لم تأذن به. بينما سمى خروجه الذي شهدته العاصمة خلال الأيام القليلة الماضية جهاداً ضد الظلم وضد النظام اليزيدي على حد تعبيره.
سعى القادري من خلال الزوبعة التي أثارها وجذب أنظار العالم إليه من خلالها الصعود إلى الواجهة السياسية في أقل وقت ممكن ومن أقصر الطرق، حيث لم يبق على الانتخابات إلا أشهر قليلة، فقد حدد لاجرائها شهر مايو المقبل. استغل القادري تبعية أعوانه المطلقة له -كما هو معروف عند هؤلاء- للوصول إلى هدفه.
ليس العتب على القادري بل على اتباعه الإمعات الذين يسيرون خلف كل ناعق من ساداتهم حتى لو خالف القرآن والسنة والمنطق السليم.
د. محمد علي غوري
الجامعة الإسلامية العالمية- إسلام أباد