أَسمعتِ مئذنةً على الأقصى تضجُّ
غَداةَ يعلو فوقها التَّكبيرُ!!؟
تبدو كأنَّ الصَّوْتَ -يخلعُها
فتنهضُ، أو تكادُ تطيرُ
تمشي... كأنَّ الأرضَ واقفةٌ خُشوعاً،
والزَّمانُ يسيرُ
*
مُدِّي إلى الصُّبْحِ الجناحَ
هي الذُّرا تسعى إلينا،
والطَّريقُ قصيرُ
مُدِّي الجناحَ
فذاكَ كوكبُ جُرحنا
قد قام من أَرَقِ الشَّواهدِ
يعتلي فَلَكَ المعارج فوقنا،
ويدورُ
*
هو ذا صلاحُ الدِّينِ يخلعُ قَبْرَهُ
صلَّى مع الشُّهداءِ،
هَزَّ بقبضتيهِ ثرى الخليلِ وقاما
وَتَوَضَّأَتْ عيناهُ بالدَّمِ
والدَّمُ العربيُّ ينهضُ
في القباب حَماما
صلَّى بنا، وهو الذي مازال ينزفُ،
في الجُموعِ إماما
ومشى....
لعلَّ القُدْسَ وجهتُهُ،
وَعلَّ الشَّاما
هي خُطوةٌ...
حتَّى إِذا صَرَخَ الدَّمُ العربيُّ
مِنْ فَوْقِ المآذنِ: واصلاحَ الدِّينِ
ضَجَّ السَّاحُ راياتٍ،
وثارَ حِماما
*
حمل المساءُ سلامَكِ الأغلى،
وقالَ: سلاما
قلتُ: الخليلُ
فليس غيرُكِ كُلَّما هَلَّ المساءُ
يهلُّ نخلاً رائعاً وخُزامى
وأنا قَتيلُ القُبَّراتِ:
فمقلة تهمي دماً،
والمُقلة الأخرى تَذُرُّ يماما
هل كان ماباحَ الندَّى للسَّفْحِ ورداً،
أم تُرى ماباحَ كان غماماً!!؟
لِيَ كأسُ عينيها فَأَيَّةٌ دمعةٍ
تُغري بساتينَ الشِّفاهِ
ولاتكون مُداما!!؟
لِيَ كأسُها...
هذا المُصَفَّى من أنينِ حنينها
ومتى يكونُ حنينُ كأسكِ
ياخليلُ حراما!!؟
وطنٌ يُمُدُّ على الذُّرا
خَفْقَ الجناحِ، ويُستباحُ غراما
نحنُ الَّذينَ
تغوصُ في هذا التُّرابِ جُذورُنا،
وتغيب في عليائِها هاماتُنا
نحن الَّذينَ
ولن نكونَ رُكاما!!!
*
آتي.. تقومُ لِيَ الدُّروبُ صبابةً،
ونوافذُ الوطنِ التي تبكي على فَرَحٍ،
وتلويحُ المناديلِ المُضمَّخِ بالشَذَا،
والدُّورُ
آتي.. تميلُ على الخُطى
شَفَةُ البلادِ،
وتنهضُ الطُّرقاتُ كيما
تحضن الأقداما
هذي الشَّوارعُ كم شكت
من خطونا.. تلك الرُّبى..
تلكَ السُّفوحُ..،
وكم شكتنا في الهوى
تلكَ المواعيدُ الكثيرةُ،
كم شكا مِنَّا على
شُباكنا عصفورُ
كيف افترقنا.. وَزَّعتنا ضفتانِ،
وكوخُنا مهجورُ!!؟
كيف انكسرنا فوق ذاكرةِ السِّياجِ
دماً ونخلاً!!؟
نحنُ من مَرُّوا خِفافاً للصَّباحِ،
ونحنُ من رسموا جُنونَ الآهِ
في شِفِةِ الرِّياحِ،
ونحنُ في أَرَقِ المصابيحِ
السَّنا والنُّورُ!!؟
*
مَرَّ الصَّدى نحوي فأيقظني
عتاباً في الصَّميمِ وناما
ألقى إِلَيَّ بنظرةٍ
كادت تكونُ على الأنينِ كلاما
أمشي....
فيتبعني الطَّريقُ من المُحيطِ
إلى الخليجِ يقولُ:
لي هذي الجهاتُ جميعُها
لي كُلُّ شِبْرٍ في الثَّرى منذورُ
وَلِيَ الدُّروبُ
تَمُرُّ من جُرْحِ العُروبةِ باتِّجاهِ الصُّبْحِ
لي هذي الملايينُ التي
يشتاقُها ساحُ المنايا،
والدَّمُ المهدورُ
وَلِيَ البيارقُ والقبابُ الخُضْرُ لي
وَلِيَ النَّخيلُ، لِيَّ الصَّهيلُ
لِيَ القُرى والدُّورُ
وِلِيَ الجناحُ على الجناحِ
تَوَحُّدٌ ومصيرُ
فسلي جُنون البَرْقِ فينا
آنَ يعتبُ:
كيف ينهضُ رائعاً،
وَيَثورُ!!؟
*
يأتي فيذبحني الصَّدى
إِذْ يحتويني صوتُكِ المكسورُ
هل نلتقي!!؟
ألقاكِ!!؟ وَعْدٌ،
واللِّقاءُ مُحَتَّمُ
بيني وبينكِ نبضةٌ لاتنتهي،
وَدَمٌ ونخلٌ بيننا،
وصبابةٌ في مُقلتينِ، وبيننا
عند اللِّقاءِ المُشتهى
شَيْءٌ أَحَدُّ من اللِّقاءِ؛
مُثيرُ
بيني وبينكِ
ما تخطَّتْهُ المسافَةُ
آنَ تَجمعُنا خُطانا،
والدِّماءُ جُسورُ
- محمود حامد
- دمشق، 5 سبتمر 1998م