سكان فرنسا (65 مليون بإحصائيات البنك الدولي)، لا أدري ولا يهمني أكُلّهم شاهدوا المناظرة التلفزيونية بين (ساركوزي) الفرنسي من أصل غير فرنسي، ومنافسه الفرنسي الفرنسي (فرانسوا أولاند، او بعضهم شاهدوها.؟) .. ثم لا أدري ولا يهمني إن كانت المناظرة التي استمرت على الهواء نحو ساعتين ونصف، ألا زالت متاحة على الشبكة العنكبوتية لسبعة مليار بشر من سكان كوكب الأرض.؟
65 مليون فرنسي، و7 مليار سكان العالم، رقمان فلكيان لن يشغلا قلمي، لأني قفزت منهما للوراء، إلى رقم أقلّ منهما بكثير: 6 مليون عدد المسلمين والعرب في فرنسا، ثم أقفز منه بحثا عن رقم أصغر: كم عدد المسلمات الفرنسيات فيها؟ ومنه إلى: (كم عدد المتحجبات؟) .. ثم إلى (كم عدد الجريئات منهن يغامرن، فيطرُقن شوارع باريس بالحجاب والنقاب دون هلع وخوف.؟) .. ثم وأخيرا وليس آخرا، كم عدد الناطقات بلغة الضاد، يجدن ولاينطقن بها خوفا على حياتهنّ وأولادهنّ؟ بل ويتستّرن بطنطنات رائية/غائية فرنسية حلفا ويمينا: (لاوالله انا مش مسلمة، والله انا مش عربية..!)
إنها ليست أسطورة ولامبالغة فيها، وإنما رواية حقيقية أنقلها لكم هنا بالنص وبأمانة قلم الكاتب وعلى ذمة الرواي: (إذاعة مونتي كارلو الدولية) التي اجرت من باريس قبل أربعة ليالي مقابلة مع فتاة فرنسية من أصل عربية، إليكم ما سمعتها في سيارتي على دوىّ امواج البحر، وذبذبات الإذاعة الفرنسية (MCD):
والمقابلة كانت على الهواء مع الفتاة المذكورة، بأنها والعمر كله في فرنسا، لم تكن تحدّثت يوما في العمل باللغة العربية إلا في اليوم المشؤوم! كانت فيه قلقة على أمها التي لم ترد على اتصالاتها المتكررة، ثم تفاجأت بصوت الأم الرؤوم، فتهوّرت فرحة بـ:(سلام ياماما، فينك ياماما.!)، ناسية أنها محاطة بالمعتقدين والمعتقدات بكلمة "السلام" أنها قنبلة موقوتة! نظرت حواليها وإذا الحضور قد تسمّر حولها بعيون الريب والشك في كلمة "السلام"، ولسان حالهم يحاور بعضهم البعض بأن (هذه عربية، وقد تكون مسلمة، أى بيننا إرهابية وإن لم تكن تلبس الحجاب أوالنقاب.!)
وتواصل المذكورة على الهواء لمونتي كارلوا (اني حلفت لهم بكل يمين مسموح وبكل ما هو مقدس في الحضارتين الأوروبية والفرنسية، باني لست عربية، ولم أكن مسلمة ولن أكن، ولم البس الحجاب يوما ولا النقاب ولن البس.! ولم اصلي في مسجد يوما ولاليلة ولن اصلّي، ولم أقرأ القرآن يوما ولن، ولم اتزوج ملتحيا يوما ولن.! .. إلى آخر ما لانهاية من الّلامات والّلانات).
ثم أردفت وهي تُنهى مقابلتها مع الأذاعة، كنت محظوظة في إنقاذ حياتي بهذا الكمّ الهائل من اليمين الدستوري واللادستوري، لأن بعده بيومين إهتزّت فرنسا كلها بفاجعة الموت الأليم للمتحجبة الفرنسية المصرية مروة، المقتولة غدرا في حديقة عامة بجريمة الحجاب.!
نيكولا ساركوزي وفرانسوا أولاند إختلفا بالمناظرة التلفزيونية في كل شي، إتفقا على لاشي، تناقضا في بعض الأشياء وتباعدا في البعض الآخر .. إلا أنهما تقاربا في شي واحد: (الهجرة ثم الهجرة..!)، في رسالة ضمنية تضامنية سوف يرسلها من يدخل قصر الإليزيه آجلا ام عاجلا، وكائنا من كان، إلى فئة البدون مضمونها: (أنتم المصيبة أنتم.! وان كنتم بالجنسية الفرنسية فأنتم.!).
في باريس سيُحسم نزاع القوم، حول الطريق الى قصر الإليزيه لساركوزي الفرنسي من أصل غير فرنسي، والذي إن خسر فخسارته مكسبٌ للفئة التي تريد فرنسا قبرا لكل من هو من أصل غير فرنسي.!
عارٌ على وجهك يا (باريس) الشامخة بشعارك عاصمة الرومانس والعلم والأدب أن تسامحي لهافات (أتركوا فرنسا للفرنسيين.!) وذلك في عصر إلتقاء الإنسان بالإنسان، وتلاشي حدود الزمان والمكان بالعقل والفكر وتعدد الحضارات.!
الذي يدخل قصر الإليزيه يريد ان يكون شيئا .. وانت (البدون) أيضا دخلت الأراضي الفرنسية لتكون شيئا، ولم تكن في مهجرك، وإن كنت شيئا في موطنك.! كان بمقدورك ان تكون اشياء كثيرة في الوطن الجديد بمعطياتك الوطنية للطرفين، فكنت صنعت من الوطن وطنين، على غرار الشاعر المرحوم نزار قباني، الذي كان يعتقد انه من باريس يقوم بشقّ القمر قمرين والبحر بحرين والقلب قلبين.
لكنك يباشا يامن دخلت الأراضي الفرنسية على قدمين، وببطن لتُشبعه وماتحته بالغرائز، تاركا الطابق العُلوي (عقلك) في إجازة دائمة.! أوباما الأمريكي من أصل غير أمريكي دخلها بطموح البيت الأبيض، وساركوزي بطموح قصر الإليزيه، فصنعا تاريخ البيتين في اضواء النهار، كما تصنعه أنت في الليالي على ابواب بيوت الدعارة والمراقص والملاهي، والرجلان قد يعيدا التاريخ مكررا على الشعبين الأمريكي والفرنسي إن كسبا الجولة الإنتخابية الثانية، كما تعيده انت بإستعراض عضلاتك الجنسية تكرارا على الراقصات والغانيات.
لاتعتقدهما الرجلان (أوباما وساركوزي) من عظماء ذلك التاريخ الذي فيه كل عظيم وراءه إمرأة، لاطريق لك الى ذلك التاريخ بهذا الإعتقاد، لأنك في البارات والمراقص لن تلتق بتلك العظيمة الصانعة، ولا العظيمة تجري وراء من هو الآخر وراء الساقطات، أتركها العظيمة في شأنها، في بلادك كنت تصفها بالجنس الضعيف، تخدعها بالعطور والمساحيق، تسمح لها دلع الخروج مبكرا من العمل والحضور متأخرا، تهب لها مقعدك في الأتوبيس والقطار مقابل رقم جوالها، ثم تدلعها بسيدتي وحبيبتي على الهاتف بصوت ناعم، لكنها وبهوية البدون واللابدون في أوروبا، عصّرتها طاحونة الحياة في المجتمع والأتوبيسات والمتروات والأسواق، علّمتها المتاعب والصدمات، كيف تصمد وتشق طريقها في الصخور والأنفاق .. من يدري قد تكون هى القادمة لتحكُم واشنطن وباريس يوما بالعقل والحجاب والنقاب.!
أما شأنك يا الأفندي فما شئت ومهما ذهبت الى الديسكو على رجلين، فستعود عليهما يوما والعكاز ثالثهما والنعش رابعهما، والخامسة قد تكون وثيقة الدفن فئة البدون، فلا أنت في مقابر المسلمين بإحترام النعش والسدر والكافور والكفن، ولا أنت بين أهلك وذويك بطيب الدين والبدن، ثم لا انت للوطن ولا انت في الوطن.!
- أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)
- البريد الإلكتروني: ui@eim.ae