يحتدم النقاش أحيانا بين شخصين حول موضوع ما ثم يتحول إلى تبادل اتهامات وشخصنة للمواضيع. هذا أمر مألوف لدينا كشعوب عربية، غير أنني حينما أحضر مثل هذه الصدامات أو أكون طرفا بها وتعلو الاصوات ويبدأ تبادل الاتهامات وتتغلب المشاعر التي تتفجر غضبا وتطغى على صوت العقل أسال نفسي: من أين تأتي كل هذه المشاعر المليئة بالكراهية؟ هل نحن شعوب تعشق المشاحنات وتمارس فرض الرأي وإجبار الناس على قبوله؟ هل نحن نختزن في داخلنا عقد تدفعنا للتنفيس على غيرنا كلما سنحت الفرصة لنا؟
ولا يقتصر فرض الرأي وكيل الاتهامات على النقاش المباشر بل يتعده إلى المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. فيلاحظ أن حدة التعليقات على المقالات والحوارات التلفزيونية التي تعرض في المواقع الإلكترونية أصبحت شديدة وبعيدة كل البعد عن أداب الحوار واحترام الحريات الشخصية وحق كل شخص في طرح ما يراه من وجهة نظره منطقيا ومعقولا. إنك لترى تبادل المتحاورين الاتهامات و الغمز واللمز وتوجيه التهم بشتى أنواعها سواء على الضيف أو المذيع أو كاتب المقالة دون وازع أو ضمير، وكأننا لسن أمة دعيت للتفكر ودعوة الناس بالحسنى. وقد تختم بعض التعليقات بالشتائم وصب اللعنات على المشاركين في النقاش وتحديد من سيتنعم بالجنة ومن سيحترق بالنار ومن يحمل لواء الفكر والمنطق لينير درب الآخرين ومن لا يحمله. وتتجاوز الحدة في النقاشات مواضيع الجدل المعروفة (الدين والرياضة) إلى المواضيع الاجتماعية و القضايا العامة و غيرها. وقد يتناول كاتب فكرة ما ويمارس حقه في حرية التعبير و يطرح رأيا بمنتهى الهدوء ويبدي وجهة نظره، فينبري له عدد من القراء لتسفيه رأيه والسخرية منه غير مكترثين بالمحتوى ولا بأدب الحوار. ويفضل البعض اللجوء للشتم واللعن بسبب سوء فهم للمقال أو بناء على ما قيل له عن المقال أو لسبب يتعلق بكراهيته لشخص الكاتب وفكره. ويثير هذا الأمر حيرتي وتعجبي، وأتساءل عن الغاية من الشتم أو السخرية في حين أن شخص الشاتم يملك حق اختيار تجاهل الكاتب ورأيه، وأنه ليس مجبرا على اقتطاع جزء من وقته للانشغال بما طرحه الكاتب.
قبل أيام كنت أتحدث باحترام مع شخص حول تعليق له على أحد مقالاتي، وكنت أحاول فهم سبب إصراره على أن أختار لمقالاتي مواضيع يرى أهميتها من وجهة نظره. وكنت أبحث عن سبب بذله جهد مستميت لتهميش رأيي الذي طرحته ، فما كان منه إلا أن أتهمني برفض النقد. وعندما عبرت له عن حرية الكاتب في اختيار ما يرى أهميته من مواضيع وقضايا، غضب وثار وطلب مني شرب مياه البحر، ثم بعدها شتمني بكلمات أسقطت القناع عن وجهه الحقيقي. أليس الكاتب حرا في تناول ما يراه جديرا بالطرح؟ فالكاتب الملتزم لا يخضع لطلبات الجمهور ويمكنه تناول ما يشاء، شرط ألا يفرض الوصاية على القراء، وشرط احترام حرياتهم الشخصية. أما صاحبنا هذا ومنهم على شاكلته فيبدو أن رفض أرائه يعتبر في نظره جريمة خاصة إذا جاءه الرفض من كاتبة أنثى فإنه يمس وترا ذكورياً هو بقايا نظرة متخلفة للمرأة ورثها بعض الناس غير المتنورين في مجتمعنا عن بعض أفراد الجيل السابق الذين لم يكن لهم حظ من العلم.
أليس من الأفضل أن نتحاور ونحترم حريات الآخرين وحقهم في التعبير؟ لماذا يختار بعضنا التصادم والكراهية وفرض الرأي شعارا له بدلاً من الطرح الهادئ؟ إننا ينبغي أن نتروى وأن نفكر فيما نقول عندما نختلف مع شخص ما، قبل أن يأخذنا الغضب والكراهية ونتفوه بكلمات نندم على قولها، فكم كلمة قالت لصاحبها دعني.
- بقلم: د. نوف علي المطيري
شكراااااً كتير ع المجهود :)
ردحذف