من قلب ليون: داني زهير



 داني زهير ، من قلب مدينة " ليون " الفرنسية يتحدث عن الفن والعشق والثورة
حاوره مصطفى زهران من القاهرة



كانت انطلاقته الأولى صوب الحلم الأوروبي هو الهاجس الأكبر الذي امتلك وشائج نفسه وهو يحمل فى داخلهُ قلب فنان امتزجت روحه بالريشة والألوان، والتي تصادمت مع موروثات تقليدية ما أنزل الله بها من سلطان حاولت أن تعرقل مسيرتة الفنية والتشكيلية التي ابتغاها منذ نعومة اظافره ولكن روحة المتئدة المفعمة بكل الوان وأنواع الثورة أبت ان تستسلم لذلك كله واعتزم الرحيل إلي فضاءات رحبه.. إلي فرنسا عاصمة النور و الجمال.


داني زهير ذي الأصول العربية المتيّم بأعمال " لاجوكوند "،"ليوناردو " و " دالي "، هو واحد من الفنانين الذين عشقوا الفن التشكيلي مما جعله فيلسوفاً عبر لوحاته التي تنضح بالدقة والحياة الفلسفية العميقة ، لم يكن بعيدا عن الشعر خاصة العربي منه الذي يحفظه واتضحت أثاره يوما بعد يوم علي أعمالة .ومن أبرز لوحاته "بين الماضي و المستقبل " و "الأمومة " كما شارك بأكثر من 500 لوحة فنية في عدة معارض بفرنسا و اسبانيا وحصل على العديد من الجوائز....
وكان لنا مع هذا الفنان التشكيلي المثير للجدل وقفة للحديث والتحاور معه خاصة بعد بعض تصريحاته الأخيرة التي كانت لها انعكاسات كبيرة داخل مصر والفضاء العربي لإعتراضه علي مقاطعة المثقفين والسينمائيين لمهرجان الصورة الذي كانت تقدمه السفارة الفرنسية بالقاهرة الشهر المنصرم لتضمنه عملا لمخرجة اسرائيلية ...إذ قال معقباً علي ذلك : " كيف يمكن مقاطعته لمجرد وجود عمل يحمل بصمات مخرجة إسرائيلية " مما أثار عاصفة من الإستياء الشديد من قبل النخبة الثقافية في مصر فبادر داني لشرح وجهة نظرة وهي ما ستضمنها فقرات الحوار القادمه



أثارت تصريحاتك الأخيرة والتي رفضت فيها مقاطعة المهرجانات لمجرد وجود " إسرائيل " لغطاً كبيراً خاصة وسط النخبة المثقفة داخل مصر وخارجها ،نرجو ان تشرح لنا وجهة نظرك في هذه القضية...وهل لازلت متمسكاً بها أم تغيرت قناعاتك بعد استنكار هذا القطاع الكبيرمن المثقفين و الفنانيين لها ؟
اني أؤيد بتحفظ مسيرة الفنانيين العرب الرافضة لعرض الفيلم الإسرائيلي في مهرجان " لقاء الصورة " الأخير في مصر والذي أقيم في الشهر المنصرم بالرغم من إنني اُثني علي موقفهم ،فمن الجميل أن يكون المبدع مؤمن بقضايا أمته ويدافع عنها إلا انني لا آتفق معهم في شئ حيث كان عليهم أن يؤسسوا موقفهم الرافض علي محتوي الفيلم وليس مجرد هوية مخرجته.
وأنا لا أزال علي رأيي فالجهات الثقافية لاتنطلق من قناعات تعبر عن وجودها عادة بل غالباً ما تكون تابعة لأجندة سياسية وكما تعرف أن الفن رسالة إنسانية وليس رسالة سياسية تابعة لأيديولوجيات وأنظمة.

 

وطبقاً لطرحك هذا يراه البعض تطبيعا مع إسرائيل ؟فهل تراه انت كذلك ام هناك تفرقة بين الصهيوني و اليهودي؟

اليهودي هو انسان يعتنق اليهودية اما الصهيوني هو يهودي موّجه و مُسيّس من اجل تحقيق أهداف وأطماع محدده والفرق بين الأول والثاني هو ان الثاني له نزعة الي الإنتقام من الإسلام والمسلمين ويطمح لتحقيق مآربه في التوسع والسيطرة والتحكم في مسيرة الحياة والبشر وهو نفس الفرق بين المسيحي والصليبي اذ أن الأخير له نزعة ورغبة شديدة في الإنتقام والتوسع علي حساب حقوق الأخرين




وهل يمكن للفن ان يكون له دوراً جدياً في تفعيل قضية التفاهم بين الشعوب والبشر مع إختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم ومعتقداتهم وإحلال السلام في المنطقة العربية بأكملها ؟

نعم الفن هو الوسيطة الوحيدة العالمية للتعارف والتقارب وإحلال السلام لأنه اللغه القابلة للتذوق من قبل جميع الشعوب علي الأرض وهذا ما يعطيه رسالة كونية فقد استخدموا الفن والموسيقي في الرسائل الموجهة للتفاهم مع العوالم الأخري في هذا الكون وهذا مايجعل الفن لغة كونية .
الفن والتحولات السياسية. حالة متعارضه أم علاقة متشابكة..

وهل الفن يمكن تطويعه للوصول إلي التغيير السياسي و الإجتماعي داخل مجتمعاتنا العربية ؟

الفن هو حالة تغير دائمة والتغيير فعل ثوري يطمح الي التطلع نحو الافضل لكن يظل الفن حالة تفكيكية للرؤى والظواهر من حوله. الفن لا يستكين ولا يمكن له ذلك والفن يحاكي الجمال والحب في الحياة الانسانية ويركز علي محاكاة الضمير والوجدان الإنساني تجاه الآلآم والمشاكل البشرية علي مختلف أنواعها ومن هنا يكتسب صفتة الوجدانية في التأثير علي النفس البشرية.
والإنسان الثوري يعمل في الواقع من الفكر ويرغب في ان يحقق جزء من طموحاتة التغيرية ولهذا نراه استكان لوضعه الراهن أما الفنان هو ثوري في نظرتة نحو العالم و الطبيعه و الانسان من حولة لذلك كان الفن حالة مضاعفة للوعي بالوجود بطريقة منسجمة مع الطبيعة الإنسانية بمعني :ان الوجود يفقد جزء من ماهيته ان غاب الفن ،ليس هدف الفنان تقديم حلولا للمشاكل التي يعايشها وانما المهمه الحقيقة للفنان هي تعرية الأشياء وكشفها ومن هنا يظل الفنان هو عامل مساعد للحراك الفكري الذي يمكن ان يتحقق في بلد ما.
وبالنسبة لي أطمح دوما لإستبدال الواقع بالفن. اظن لو جاز لنا تسمية ذلك بالثورة نعم ستكون ثورة استبدالية لكنها ثورة فنية وليست ثورة ذات بعد ايديلوجي.

كيف اثّرت فرنسا علي حياتك الفنية وكيف تري المهجر من خلال لوحاتك؟ وهل للغربة والحنين للوطن الأم تقلبات علي أوجه لوحاتك؟

فرنسا لم تؤثر علي حياتي، كنت اقرأ قبل سفري اليها وكان هذا السفر بالنسبة لي عالى التكلفة جداً ودخلتها سريا وبعد مشقّه ، وما أدهشني بها أن الفرنسيين يحبون ويحترمون الفنانيين كثيراً والفنان بالنسبة اليهم كتلة من المشاعر و الاحاسيس المبدعة ونظرته تختلف كلياً عن نظرة الإنسان العادي وأحياناً يقال عنه بأنه مجنون لأنه يري الأشياء ويتخيلها ويجعلها في مخيلته موضوعاً ومن ثم يتحول الموضوع.
الفرنسيون يجعلون من الفاشل ناجحا ...ونحن العرب من الناجح فاشلا
 الي فكرة ثم الي ممارسة بالريشة ومن ثم انجاز عمل عظيم
 
حدثنا عن اخر اعمالك الفنية والتشكيلية؟وماهي الرسالة التي تريد ان توصلها للجمهور العريض من خلال لوحاتك وأعمالك الفنية؟

أخر أعمالي الآن في ميدان الفن هو معرض دائم بمدينتي التي اقطن بها "سانتيتيان "بنواح ليون الفرنسية، اما بخصوص الرسالة فانني أوجة نداء إلي حكام العرب ان يهتموا بالفن والفنانين في كل ميدان لأن الفن هو الإبداع و الإحساس النابع من صميم الوجدان وفيه تذوق لجمال خلق الله سبحانه تعالي ما يجعلنا نتأمل فيما حولنا ونتذوق جمالية الكون والطبيعة وألوانها المتناسقة والسماء بلونها الأزرق الصافي المنعكس علي البحار وضوء الشمس المشع والجميل الذي يزيد من إشراقة جمال الطبيعة. تخيل معي لو السماء حمراء والنباتات والأشجار سوداء بالطبع ستكون الحياة بلاطعم بلا فن ولا يمكن ان تخلق كائنات بهذا الجمال فالطبيعه المحيطة بنا هي وسيلة من وسائل التعبير الفني عن انفعالات الإنسان تجاه الكائنات والأشياء وهذا مايسمي بالابداع الحر.
 
وهل للغربة والحنين للوطن الأم تقلبات علي أوجه لوحاتك؟

الغربة شعور لا يوصف ولا يكتب علي أسطر أو صفحات لأنه شعور مخفي ولا ولن تسمح له الخواطر والمشاعر بالخروج لانه مرسوم في داخل الانسان نفسه يتجرع عذاباته ويتألم من لسعاته ويعاني من حرمانه من السعادة وهو احساس يتحسسه الإنسان في عالم غريب وعجيب لا يوجد للراحه مكان بين أركانه وزواياه لأن الشعور بفقدان شئ غالي وفقدان الأحاسيس والمشاعر لا يعتبر عيش خاصة اذا كان مقترناً بفقدان الثقة والأمل. وحينها يشعر الانسان بفقدان هويته ولن يجد نفسه علي لوحاته.

والغربة عن الوطن أيضاً صعبة وقاسية لأن أول ما عرفنا أن للحياة معني وحب الوطن مغروس فينا وتعلمنا ان نفديه بكل مانملك فان حصلت لنا غربة في أوطاننا فإننا بالإصرار والتضحية نستطيع أن نلغي تلك الغربة.
أما غربة الروح فهي عالم آخر من الغربة المؤقتة التي دائما تجعلنا نشتاق للوطن ولترابه ونشتاق الي احبابنا و اصحابنا وجميع الأهل والأقارب تشتاق للذكريات التي عشنا في عالمها القديم نشتاق الي الحب الذي زرع في دواخلنا منذ الصغر فغربة الوطن تجعلنا نشتاق دائماً.ولو وضعوا لكم الإختيار بين غربة الروح وغربة الوطن فأيهما تعتصر قلت كلاهما ألماً ومعاناةً.
          

إرسال تعليق

أحدث أقدم