"الجيش و الشعب أيد واحده" نداء صدح به الثوار في ميادين مصر يوم بدأ نزول القوات المسلحة للشوارع بعد موقعة جمعة الغضب، وقتها لم يكن احد من الثوار – أو يشك هو نفسه- في نبل الهدف الذي نزلت من أجله تلك القوات للشوارع، و رأوا فيها الملاذ من الخوف و الفوضى التي يمكن أن تعم الشارع المصري بعد تخلي قوات الشرطة المدنية عن مهمتها و هروبها من الميادين كالفئران المذعورة، تمهيداً لإطلاق سراح الرعب المحبوس خلف أسوار السجون، في وقت واحد في كل أنحاء المحروسة.
النداء كان أعلى من أن يُسمع إلى جواره أي نداء آخر، و لم يفكر أحد من الثوار أو حتى القابعون في منازلهم يراقبون ما يحدث خلف الشاشات، أن ما يحدث هو حتمي لإجهاض الثورة و لكن بطريقة مبتكرة لا تخلو من دهاء الثعالب و مكرهم، خرجوا ملوحين بقبضة التضامن و تحية للشهداء مدعين أنهم ما أتوا إلا ليحموا الثورة و الثوار، و استطاعوا أن ينتزعوا شرعية شعبية مدعومة بحب فطري من الشعب للجيش، الجيش الذي كان و لازال مصدر فخر و عز الصغير و الكبير في بر مصر المحروسة، فلا غرو أن يمنحه صك التفويض في إدارة ثورة من أهم – بل هي أهم – الثورات الشعبية على مدار التاريخ.
و المتأمل للمشهد بعين المحايد يجد أنه لم يكن هناك سبيل غير الذي سلكه الجيش بقيادة مجلسه العسكري، و أنه ينبغي عليه أن يفعل هذا و إلا لاحقه عار إزهاق الأرواح المسالمة إلى الأبد، فالشعوب لا تنسى أبدا من يسيء إليها، كان هذا الرضوخ للأمر الواقع، و توطئة للمضي قدما في احتواء ما يحدث بشكل غير مسبوق و غير موقع أيضاً.
دعونا نتأمل قليلا السيناريو البديل في نقاط
- الرئيس يرفض التنحي أو التخلي عن الحكم
- جلسات مكثفة بين الدائرة الضيقة مع الرئيس
- المجلس العسكري مشترك في هذه الاجتماعات
- أوامر من الرئيس للشرطة بترك مواقعها في الشوارع و إطلاق سراح المساجين و خرق أقسام الشرطة، ثم هروب الضباط و الجنود من أسام الشرطة بعد نهب السلاح و الذخيرة و الأحراز و الأدلة الجنائية، أو بالأحرى تنظيف مسرح الحدث من الأدلة.
- أمر مباشر من الرئيس لقيادات الجيش بالنزول إلى الشوارع و قمع الثورة و تصفية المشهد تماماً
- قادة الجيش يأمرون بإطلاق النار على الحشود المتجمعة في ميادين مصر
- يحدث انشقاق داخلي في صفوف القوات المسلحة و يبدأ المؤيدون للثورة في إطلاق النار على المعارضون لها و في الغالب سيكونون القادة و من دونهم من الصف الثاني من المنتفعين من بقاء هذا الوضع
- تنتقل المواجهة بين فريقي القوات إلى الشارع و يبدأ الثوار في الانضمام لصف المؤيدون من قوات الجيش، و يخرج المؤيدون للنظام و أذنابهم من المنتفعين و ينضمون للفريق الآخر المناهض للثورة في صفوف الجيش و يبدأ نزيف الدم
- تتطور الأمور و تندلع حرب أهلية يسقط فيها مئات الألوف من المصريين
فهل حقاً حمى الجيش الثورة أم أنه حمى نفسه أولاً؟
فعند الانشقاق فمن المؤكد أن ينحاز المجلس الذي يدير الجيش لولي نعمته ....لقائده الأعلى و سينجر الجميع بالتبعية لمواجهة دائماً لحماية مصالحهم، و ستنتهي عاجلا أو آجلا و سيتم محاكمة الجميع بعد نجاح الثورة – و هذه هي طبائع الأمور و المسلمات من قديم الأزل .
أما إذا هُزمت الثورة و نجح المجلس في احتواء الأزمة و تم تصفية المنشقون فسيتم نصب المشانق للثوار في كل ميادين الثورة و يتبقى في النهاية الرئيس و مجلسه العسكري و ثلة من الجنود و الضباط و الكثير من القتلى و الجرحى يقدرون – ربما – بمئات الآلاف أو ما يقرب من المليون الأول.
فهل حقاً حمى المجلس الثورة أم حمى نفسه من المساءلة التاريخية و الجنائية التي ليس بعيداً عنها بكل الأحوال
و هذا السيناريو سيكون جيدا و منطقياً هذا في حال اعتبر المجلس أن ما حدث في مصر ثورة
أما و أنه لا يعتبرها كذلك، و أن ما حدث قد وافق هواه في إسقاط مسلسل التوريث ففي هذه الحالة ما كان سيفعل غير ما فعله بالفعل، أن يُظهر انحيازاً للشارع حتى يهدأ، و يضحي برأسه الذي فسد ليعيش الجسد المتعفن بعيداً عن المساءلة، و يستطيع تصفية المنادون بالحرية فرادى و على مهلٍ بعد أن يبدأ في دس الخلافات بينهم بأسلحة النظام القذرة التي مازالت تعمل بكامل كفاءتها و على رأسها الإعلام و المال السياسي الذي يؤجر به (البلطجية) وقت اللزوم ليندسوا وسط صفوف الثوار ليشوهوا صورتهم وقتما يشاء قادة المجلس و يسحبهم من الشوارع وقتما يشاء ليشيع حالة من التشتت و الحنق على الثورة و الثوار بين الجموع من الشعب التي تجنح لما يسميه النظام على مدار عقود (الاستقرار).
لقد بدأ تنفيذ هذا المخطط من أول يوم نزلت فيه القوات المسلحة للشوارع، يوم أن أفسحوا للجمال و الحمير باختراق حرم ميدان التحرير في مشهد غبي غير مسبوق و الحياد المزعوم و الذي يرتقي لمرتبة التواطؤ في ما تلى هذا من هجوم منظم و مستمر ليومين كاملين من عبيد النظام من المأجورين الذين صنعهم النظام على عينة و أنفق عليهم من مال الأمة الكثير، و كانت القوات تقف حول المشهد تتفرج على القتلى الذين يسقطون و الجرحى من كل الأعمار و الفئات، فهل هذا هو مفهوم الحماية للثورة؟
و بعد أن دانت له الأمور و تمكن بالخدعة الكبرى من حكم البلاد و بدأ في تنفيذ ما خططه له رئيسه قبل أن يذهب لمنتجعه الفاخر في جنوب سيناء الحرة، استهل المشوار باستفتاء مشبوه يكمل به أوامر من خلعه الشعب بتعديلات دستورية على نفس المواد التي اقترحها سيدهم قبل أن يترك لهم مهمة تصفية الثورة.
وانقسم الشعب لنصفين و وضح منذ الوهلة الأولي كيف يخطط و لمن يريد تسليم مقاليد الأمور في البلاد، بالطبع يريد تسليمها لمن يتعطشون منذ سنوات للوصول للحكم و هم على رقبتهم سيف قديم يلوح به دائما المجلس وهي أحداث ما بعد حركة يوليو 1952 التي أزاحت الملك فاروق عن حكم مصر و اسقر بعدها الحكم للعسكر و تنكرهم لدور الآخرين و إقصاؤهم و الزج بهم في السجون و المعتقلات التي اكتظت بالآلاف من هؤلاء، فبالطبع ليس هناك من هو أنسب منهم و ليس هناك من أسهل منهم في القيادة.
ثم بدأ المجلس في قمع الجميع ممن ينادون بالحرية و استكمال الثورة و تحقيق أهدافها و بدأ استخدام السلاح في فض الاعتصامات و سقط شهداء و جرحى، و تنصل من المسؤولية ثم عاد و اعترف بأخطاء فردية ثم عوّل على رصيده عند الشعب الذي بدأ في التآكل يوماً بعد يوم حتى انتهى تماما في الأحداث التي تلت فض اعتصام مجلس الوزراء و سقوط الشهداء و الجرحى للمرة الرابعة بعد ما حدث في شارع محمد محمود و قبلها أمام سفارة الصهاينة و ما تبعها من أحداث عند السفارة السعودية و مديرية أمن الجيزة و قبلها عند ماسبيرو بعد هدم كنيسة المريناب بأسوان و التي لم يقدم فيها أحد للمساءلة حتى الآن، و مروراً بما حدث عند مسرح البالون و ما تبعه من مواجهات في ميدان التحري و كان بداية لعودة الشرطة المدنية لسابق عهدها، و اشترك معها الشرطة العسكرية بل و قوات من الصاعقة و المظلات و الفرق الخاصة بالجيش و المخصصة لمقاومة الإرهاب في قمع الثوار و التنكيل بهم و زجهم في السجون و المعتقلات حتى وصلت أعدادهم لما يزيد عن 12 ألف من المحكومين بأحكام عسكرية يقضونها في غياهب السجون الحربية.
و بالطبع واكب هذا حملة موسعة من التشويه للثورة و الثوار في وسائل إعلام النظام الصفراء من مرئية و مسموعة و مقروءة، بل و تجنيد بعض من المخدوعين و المأجورين ممن حملوا صور المخلوع للخروج لتأييد ما يفعله المجلس من تنكيل و قتل للثوار بل و هتك الأعراض على مرأى و مسمع من العالم كله.
أمر غريب و عجيب أيضاً أن ترى من كانوا يؤيدون المخلوع و يكادون يقتلون نفسهم عشقاً لفساده و ترحيب في بذل أنفسهم فداؤه هم أنفسهم من خرجوا يؤيدون و يعضدون المجلس و سب الثورة و الثوار، فهل حمى المجلس الثورة فعلاً؟.
ثم وعدوا بتسليم الحكم لحكومة مدنية منتخبة بكل أجنحتها التشريعية و التنفيذية و فوقها رئيس في خلال ستة أشهر !!
و بعد أن مرت هذه الأشهر دون التقدم خطوة واحدة تحججوا أن التظاهرات و الاعتصامات و المطالب الفئوية تعيق حركتهم و هم من يوحون بها و يشعلوها في كل مكان بالضبط كتحكمهم في خروج (البلطجية) أو عدم خروجهم، ثم مر عام كان ختام لنهاية مرحلة الانتخابات التشريعية المشبوهة المصنوعة بدقة على مقاس نفس الفئة و نفس الفصيل الذي صمم من أجله الاستفتاء المشبوه ليحتلوا المكان المطلوب باستخدام الدين، فلقد صمموا قانونا لمباشرة الحقوق السياسية و تأسيس الأحزاب على مقاس فصيل معين، ثم ظهر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ليتناسب مع حجم هذا الفصيل في الشارع، نظرا لأن بقية الفصائل و الأحزاب الوليدة و القديمة على حد سواء لن تستطيع تغطية هذه المساحات الشاسعة التي قسموا بها الدوائر، ثم التغاضي السافر و الذي وصل إلى حد التواطؤ عن الانتهاكات المستمرة و الدائمة لقانون الاقتراع و كسر الصمت الانتخابي، بل و لم يكتفوا بهذا و أصبحوا في الكثير من اللجان يجلسون بجوار القضاة لتوجيه الناخبون على مرأي و مسمع من القضاة و لن أقول مباركة منهم بموجب أوامر قد صدرت لهم، بدليل رفض الكثير من القضاة و رفضهم المشاركة، و بدليل أن كل القضاة المختارون كان الشرط فيهم أن يكونون بعيدين عن تيار استقلال القضاء!!!!
و بالطبع كل هذه التجاوزات تعرض هذه الانتخابات للطعن عليها ، و يمكن أن يصل للحكم بعدم مشروعيتها بالكامل، و هذا بالطبع يخدم المجلس العسكري و يعطيه فرصة أخرى للمماطلة بدعوى أن المجلس التشريعي لم يكتمل، و بالطبع باقي الخطوات التالية ستتوقف في البرنامج و خطة الطريق المزعومة و المأخوذة من الإعلان الدستوري المشبوه و الذي تم فيه القفز على إرادة الشعب في الاستفتاء المشبوه الذي كان على تسع مواد و أتحفونا بإعلان به أكثر من ستين مادة لم نستفتى عليها، حتى تلك المواد لم تسلم من الانتهاك و التعديل في مناسبات كثيرة حتى يصبح الإعلان على مقاس المجلس و من يمشي في ركابه و يوافق منهجه في هدم الثورة و تفريغها من مضمونها.
خريطة طريق أفعوانيه عقيمة تجعل الابن يلد أباه، فهل من المعقول أن يصنع مجلس نيابي دستورا و هو في الأصل نتاج قواعد و ضوابط يضعها الشعب في دستوره و الذي هو العقد الذي بينه و بين الحكام و الذي بموجبه تتحدد المهام للجميع ممن يوكلون لأمر الحكم، أعجب مرحلة انتقالية حدثت في التاريخ، و ملما مرت الأيام يثبتون لنا بالدليل القاطع أنهم من يديرون الثورة المضادة التي سيخرجون في الخامس و العشرين من يناير القادم للاحتفال بنجاحها، في حين أن الثوار يرفضون و يريدون استكمال الثورة و استعادة الأمانة التي لم يحافظ عليها المجلس بجدارة و عن عمد.
أبعد هذا كله يجرؤ المجلس على قول أنه حمى الثورة؟
هراء و خدعة كبرى و لعبة محبوكة صنعوها و ظنوا أنهم ماضون فيها للنهاية، لكنهم نسوا شيئاً مهماً و هو أن هذا الشعب لن يُخدع مرة أخرى أبداً، و أن جدار الخوف قد هدم، و أن الثورة منتصرة لا محالة بقدر الله العلي القدير فهو القادر على نصرنا و هو حسبنا و نعم الوكيل.
- بقلم: أحمد نجم الدين
ahmed_2008_eec@yahoo.com
حسبى الله ونعم الوكيل ..
ردحذفكفاااااااااااااية نفخ فى الكير
ردحذفوحد يقولى .. لصالح مين كل دة ...
اننا ننقسم على بعضنا