"الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" مقولة تُستخدم كثيراً لتبرير الاختلافات التي تنشب بين المتناقشين في موضوع واحد، تحت مسمى واحد, و يكون لكل من طرفي النقاش وجهة نظر للأمر من زاوية مختلفة, في هذه الحالة يكون من المقبول- بل من المحمود – حالة الاختلاف طالما يستند على الأخلاق و الرقي في التعاطي, أما إذا خرج عن هذا الإطار فهو همجية و عودة للتخلف و الرجعية.
في الأمم المتحضرة و العميقة الجذور في التاريخ الإنساني يكون مطلوباً بل ضروريا وجود هذه الحالة من النقاش و الأخذ و الرد بين جميع أطراف المعادلة داخل هذا الإطار من الرقي الأخلاقي, و هذا يجب أن يكون في الصالح العام و المصلحة العليا للأمم.
و لكن هناك أنواع أخرى من الاختلاف دائماً ما تزرع بذورها الأنظمة الاستبدادية, و تظل ترعاه و تروي شجرته حتى يتجذر و يتغلغل داخل العقول ليضمن خضوع الجميع لإرادته الغير سوية، و غالبا ما تكون الخلافات على أشياء هامشية و فروع صغيرة من موضوع أكبر يُراد له أن يبقى خافيا مختبئاً بين الخاصة و المتحكمين بالأمور.
و هناك مرحلة أخرى من الاختلاف تكون بسبب التبعية و العبودية لغير الله، فالطواغيت على مدار التاريخ الإنساني كان لهم أتباع مطيعون، يبذلون النفس و النفيس من أجل فتات تُلقى لهم تحت أرجل الطغاة، و لقد تنبأ النبي الكريم صلى الله عليه و سلم بهذا في حديث له عن آخر الزمان فلقد قال صلى الله عليه و سلم:
" يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا " أخرجه الترمذي
والوصف النبوي للفتن كقطع الليل المظلم ففي الظلام يفتقد العبد الوجهة الصائبة، ويكون العثار والسقوط والارتطام، للفرد والجماعة والأمة والعالم والجاهل، وترى من يكون نعلا لأقدام الطغاة محللا أو محرما يبيع دينه من أجل الفتات الذي يقذفه له السلطان .
و ما يحدث الآن في مصر بعد ثورة شعبها و عزلها لرأس الشر و طاغوت العصر, تسلم السلطة مجموعة أخرى من أذنابه, و انتقل -المهللون المتباكين على فراقه و اليتامى بعد فقده- للتمسح بالطواغيت الجدد, فأنت الآن تجد نفس الوجوه التي هللت من قبل تهلل الآن, و من خرج لنيل الحرية أيضاً يخرج الآن، و إلا فسر لي بقاء المعتصمون في ميادين مصر حتى الآن، هذا اختلاف ككثير من الاختلافات في مصر، حتى اختلط الحابل بالنابل و فقد الكثيرون رشدهم و هم يلهثون نحو السلطان و النفوذ, متناسين أو ناسين أن الشعب الذي خرج في يناير ضد الظلم يمكنه أن يخرج في أي وقت، و لو لم يخرج الجميع و خرج شخص واحد في أي ميدان من ميادين مصر – شخص واحد فقط – يصيح: أن هناك ظلم باق بيننا، فاعلم أن كلاب الماضي ما تزال تسعى بين الصفوف لتعيد الجميع إلى العبودية مرة أخرى، لأنها ببساطة لا تعرف كيف تعيش في أجواء الحرية، رضوا العبودية لغير الله و يريدون للجميع أن يكونون هكذا، كدأب إبليس منذ الأزل و إلى قيام الساعة..
بقلم: أحمد نجم الدين
شكراً جزيلاً أستاذي الغالي أحمد على هذا المقال الرائع... سلمت يداي ودائماً ما نستفيد منك سواءاً في الكتابة أو من مدونتكم الرائعة أقلام .. لك خالص المحبة والتقدير..
ردحذفمع الاسف عندما تتحدث عن الثورات العربية
ردحذفاو حتى عن ثورت بلدك مع ابناء بلدك لا تلقى سوى التخوين وماهو ابشع