في صبيحة يوم الطماطم السوري، وكان السفير الأمريكي تراشقه السواعد السورية بالطماطم، وهو يخفي رأسه عن الأنظار في شوارع دمشق، كان هناك مُقنّعا آخرا في اليابان هو الآخر كان يخفي رأسه عن الأنظار، فتسلّل خلسة إلى دورة المياه قرب طوكيو، ليترك في المرحاض ملفوفة بلاستيكية بعشرة ملايين ين ياباني كتب عليها (انا لوحدي تماما، أرجو ان يستفيدو منها متضرري زلزال طوكيو).!
الياباني والإمريكي كلاهما عادا الى قواعدهما سالمين، الأخير بألوان الطماطم على رأسه وجهه وصدره، والأول فاقدا عشرة ملايين من رصيده، الا ان الأخير سرق أضواء العالم، خاصة بعد إدانة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون المتراشقين السوريين بشدة، وتقريعها الطماطم السوري بعنف، بينما المقُنّع الياباني ظلّ ذلك الجندي المجهول، وإن ظلّ خفيّا عن الأضواء، سيظلّ هو الفارس الذي سقط صريعا من جواده للوطن دون تكريم له رسمي أوتشهير له إعلامي، دخل المرحاض بملفوفته ولم يره أحد، ولم يمت فيها موتة الجرذان، وانما عاد للميدان ليموت فيه موتة الأبطال، إنه سيموت ليعيش بصمود اليابان في وجه الزلازل القادمة.
روميو الياباني قد يكون بلا جيوليت، كما يبدو مما كتبه على ملفوفته (انا لوحدي تماما)، وقد يكون عازبا في أرذل العمر.! آخ لو كنت محلك يا روميو طوكيو، لكنت ذهبت بهذه الملايين الى أرقى مستشفيات التجميل بباريس ولندن ونيويورك لزرع الشعر وشفط الدهون، وإلى أغلى صالونات الحلاقة والإناقة والتصميم لهوليوود، وإلى أحدث أندية الرشاقة والتنحيف في العالم، ثم إلى عيادات الليزك للعيون أرمي فيها نظارتي الطبية.
ولكنتُ أعلنتُ في الصحف والجرائد والفضائيات عن شواغر لزوجة من الثانية الى الرابعة في المشوار، وعن صديقة من الخامسة الى العاشرة بالمسيار، ثم عن سكرتيرة حسناء، اثناء الدوام وشقراء بعد الدوام وبيضاء لبداية الأسبوع وسمراء لنهاية الأسبوع.!
وإن سألوني (عُمرك كام ياشهريار.؟) .. لكنت اخفيت ربعه الأول مع النظارة التي رميتها، وربعه الثاني مع الباروكة والشعر الذي زرعته، والربع الثالث مع الكرش الذي اخفيته والربع الرابع والأخير مع الرشاقة التي اكتسبتها بالجوع والريجيم القاسي.
وإن بقى بعد كل هذا في جيبي شيئا من النقود، او رصيدا في البنك، لذهبت الى آخر ما أخترعته مختبرات "الفياغرا" اوبحثت عن عنوان ذلك الشاب اللبناني الذي قيل عنه قبل سنين أنه قُتل في أفريقيا بين السحرة وهو يتجول بينهم بحقيبة الدولارات، باحثا عمّن يطيل له العضو (الفلاني) من جسمه .. أو لأستشرت رجل الأعمال العربي الذي نُشر عنه قبل سنين انه كان يخفي في بنوك سويسرا مليارات عن زوجته واطفاله بالوطن، لكنه كان يصرف منها الملايين سنويا على بعض العمليات الجراحية التجميلية للوجه ليبدو شابا عشرينيا امام عشيقاته، وكان يجري على جسمه مرة في كل عام، عملية خاصة بتخصيب اليورانيوم المنوي.
طبعا هذا ما نشر في معظم الصحف، وكان ذلك قبل اكتشاف الفياغرا، ولا يُعرف عن شهريار العرب إن كان حيا اليوم ليخبر زوجته واولاده الشرعيين في موطنه برقم حسابه السويسري السرّي، ام أنه مات ليُدفن معه السر الدفين، واولاده يتسكّعون وراء إعلانات الشواغر، ام ان شهريارالعرب كان قد كشف السر الدفين لعشيقاته، يوم كان يرى نفسه مُتوّجا بين ملوك الليل بالملاهي.
روميو طوكيو لم يكتب على ملفوفته الخيرية، بحبر لايراه الواقفون خارج المرحاض، فوصلت الملفوفة الى الحكومة اليابانية النزيهة، لكن الحبر السري لازال يُستخدم في مكاتب المؤسسات الخيرية للعالم الثالث، يُكتب به ما لايراه الواقفون امام تلك المكاتب ومراجعيها، ويراه الجالسون خلف تلك المكاتب، ويحفظه جيدا التنفيذيون المقنّنون والمدراء العامون لتلك المكاتب.
فليس مستبعدا ان نرى بعض المتعرضين لزلزال طوكيو من أغنى أغنياء اليابان بعد عشرة أعوام، إلى جانب كل المتعرضين لزلازل يابانية سابقة ولاحقة سيعيشون حياة هادئة هنيئة ومستقرّة .. وفي المقابل يبقى المتعرضون للزلازل في العالم الثالث يعانون منذ عقود وقرون من تخلف وبؤس وشقاء.
ومن تعرض للزلزال والفيضان مرة في مناطق ريفية جبلية وفقيرة كأندونيسيا وكشمير وبنغلاديش وأفغانستان وباكستان وايران وغيرها من عالمنا الإسلامي، كان قد كتب عليه مئة مرة ان يبقى في طابور الفقراء المنبوذين المتسولين، وان وصلتها تلك المناطق المنبوذة ملايين الأطنان من المساعدات الدولية بالسفن والطائرات والقطارات، وأضعاف أضعاف ما وصل طوكيو في ملفوفة مستر روميو الياباني.
- بقلم: أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)
- البريد الإلكتروني: ui@eim.ae
رائع سيدي..اسعدني ان امر على هذا القلم..وما اروعها من صدفة جميلة
ردحذفشكرا للسيدة ماجدة غضبان لانها دلتني من خلال صفحتها في الفيس بوك على هذه البذاخة.
ردحذفشرفتنا بوجودك يا سيدي، وأهلاً وسهلاً بك..
ردحذف