يا أخي أصعب مكان يمكنك أن تحصل منه على حكاية هو مترو الأنفاق! و الأسباب واضحة و كثيرة! منها مثلاً:
- نازل!
- لا!
هذا هو الحوار الوحيد الذي حصلت عليه بعد عدة محطات، و مسألة إرهاف السمع و استراقه من الواقفين و القعود مسألة غير ذوقية بالمرة، ناهيك عن حالة الشرود و الغياب التي تصيب معظم الحضور في ساعة الظهيرة، لا يكلمون بعضهم البعض و لا يردون على الباعة و السائلين و لا يلتفتون لأي أحد و لا ينظرون للساعة و لا يرغبون في قدوم المحطة! كل آمال الناس في مثل تلك الساعة ليس إلا نسمة هواء باردة تأتي مع انفتاح الباب و تنتهي بانغلاقه لنستقبل موجة أخرى من الصهد و الحر و البشر.. و لما وقفت أمام الباب منتظراً الفرج... أو على الأقل أية حكاية بدلاً من أن ينقضي شيء من عمري كالهباء المنثور نغزني أحدهم في كتفي و قال:
- نازل؟
و بصراحة هو كان يريح ضميره أكثر من أنه يسألني، لذلك لم أجب و اكتفيت بالابتعاد عن طريقه في أسرع وقت ممكن، غير أني لا أفضل أن تجمعني و إياه محطة واحدة حتى لو كانت محطتي المنشودة، و لما لمحت فوج البشر المتربصين بالعربة من الخارج و بأي مخلوق ينوي النزول من الداخل تقهقرت في لمح البصر و أخذت نفساً عميقاً أرجو أن تواتيني الفرصة لأخذه مرة أخرى... و لحسن الحظ وجدت أحد الأمكنة قد بات خاوياًً و يناديني... و هكذا هجمت قبل أن ينفتح الباب و اتخذت مجلسي و عاهدت نفسي ألا أبارحه إلى أن أموت! و تحت أي ظرف كان لن أقوم! خاصة لو كانت امرأة أو عجوز أو طفل! أبداً! مستحيل! مهما كانت جميلة!
- تفضلي!
يا أخي مسألة الذوقيات تلك لا تدر علي سوى الفقر و ضيق العيش و الكآبة! ليتني ادعيت النوم أو حتى الموت كأي من الرجال مفتولي العضلات الجالسين هنا و هناك! ثم أن هنالك عربة مخصصة لل... بل عربتان مخصصتان للسيدات! ما ذنبي أنا! لكنها كانت جميلة على كل حال... لكنها لم ترد لي المعروف بأحسن منه! أو على الأقل لم تقل ما توقعته! أي نعم قالت:
- شكراً!
لكن هذا لا يكفي أبداً! كان لا بد من أن تمدح معروفي و حسن سلوكي و تسألني إن كنت باحثاً عن عروس مثلاً! لكن يبدو أن الحر و الرطوبة و الزحام و التخلف العقلي الذي أحلم به قد حالوا بينها و بين السؤال... لكن كان علي أن أبقى أمامها لفترة مثلاً بصفتي... إحم... بصفتي قد تنازلت عن مكاني و لا بد أن أقف أمامها إلى حين! لكن الذوقيات إياها أحرجتني و أعادتني إلى حيث كنت! أمام باب المترو أو باب الموقد لو شئنا التحديد... و لكنها على كل حال كانت جميلة... و الأجمل في الأمر أن زجاج الباب يعكس الصورة كلما التهمت الظلمة تلك العربة، لذلك صرت أختلس النظرات من حين لآخر...و أجمل ما في وجهها كان:
- نازل!
- لا!
و حتى لو كنت من النازلين لما نزلت! ثم أني الآن مشغول بالتخطيط لمسألة الشبكة و كتب الكتاب و التجهيز و تلك الفرضيات التي لا بد منها... من حق أي يرجل أن يتزوج أي امرأة ترك لها مكانه، لأن هذا السلوك في حد ذاته يعني التضحية و الإخلاص و السفه و البلاهة، و كلها صفات مغرية لأي امرأة! لكن ترى ما المناسبة التي أقدر على اصطناعها الآن كي أتقدم لهالة النور الجالسة هنالك دون أن أقضي ما تبقي لي من عمر في مصحة نفسية أو بعاهة مستديمة؟ لا صلة و لا رابط و لا سابق معرفة و لا جامعة ندرس فيها و لا شركة وظفتنا سوياً و لا أي شيء سوى تلك العربة الموشكة على الوصول و هذا الكرسي الذي تنازلت عنه كي أبدو كالمتحضرين و محترمي المرأة و مقدريها.. لا شيء و لا أي سبب يقدر على جمعنا سوى أن تقوم هي من مجلسها و تتبادل الأعمدة براحتها الناعمة و أن تصل للباب و تقول:
- نازل؟
و بصراحة لم أجب! لكني ابتسمت و ابتسمت هي! لكن تصور يا أخي أن أصعب مكان يمكنك أن تحصل منه على حكاية هو مترو الأنفاق! و الأسباب واضحة و كثيرة!
- سلامة عبد السلام
7/8/2011
Solo_450@hotmail.com