كان اسمه "بليدي"، أو كان تحديدا لقب عائلته، نسيت أن أسأله عن اسمه الأول و ألوانه المفضلة و أول أحلامه، نسيت أو أن الأحياء لا يلتفتون للأحياء حتى في كتاباتهم، لم أسأله عن حكاياته رغم أني أقرأها و أكتبها و أحب الرواة و أستمع للكثير من الأقاويل، لكني فضلت الجلوس بين يدي شهريار الراحل الغير موثوق في حقيقته و شهرزاده الباحثة عن صبح آخر بدلاً من الاستماع لآخر أخباره مع حال الدنيا و الكثير من الأشياء المؤجلة، نسيت لأني أملك الكثير من الأشياء المهمة أو أن تلك الأشياء تملكني ، نسيت لأن لدي القليل من الوقت أو أن الوقت لديه الكثير مني، لكني مع رحيله اكتشفت أن أكبر حلم لدي ضئيل و أن مطامحي كلها سخيفة و مكررة، نسيت لأني ظننت أن الرحيل صفة لا تتبع من هو مثله، شاب في مقتبل العمر يمهد لحياة كالتي أبحث عنها، نسيت لأني لا ألتفت كثيراً للورود في طريق ذهابي و عودتي، عادة ألتفت لإطلاق النار و عناوين الفضائح و مؤشرات الارتفاع و الانخفاض و الملايين الكثيرة التي اكتشفوا ذهابها فجأة رغم وضوح أصفارها الكثيرة، نسيت لأني دائم التركيز على الساعة التي نبهني ذات مساء ألا ألتفت إليها، أو لأني حريص على ما بقي لي من وقت و تبغ و قهوة و خطوة في طريقي الذي ظننت أنه طويل أو ظننت أنه طريق، نسيت أن أكتب عنه رغم أنه قرأ لي، نسيت أنه كان جميلاً و هادئاً و مرحاً، نسيت أن أقول كل قلت دون استخدام "كان" أو دون توجيه قولي غير إليه، نسيت مقولة " حب من تحب فإنك مفارق .. و اكره من تكره فإنك مفارق"، نسيت و مللت كبت ما لدي من أقاويل لأسباب مجهولة المصدر.. ما المانع من ذكر محاسن الأحياء للأحياء؟ سؤال يراودني مع كل رحيل أبدي، و لا ألتفت إليه في رحيلي المؤقت.. كان اسمه "بليدي"، كان حكاية جميلة فشلت في قراءتها كاملة.. أو أني نسيت.
سلامة عبد السلام
15/7/2011