الإنسان هذا المخلوق الذي كان يمشي على رجلين بجوار دابته التي كانت تمشى على أربع، تحمله وتحمل له زاده وامتعته، وفوق رأسه طيورٌ بدى يحسدها على جناحين تطير بهما، فكان يضرب ناقته وبغلته بغلظة حقدا وحسدا..! أليس هو الإنسان ذاته القاتل الحقود الذي إستخدم يده قبل عقله لقطع رأس أخيه بالسيف بدل ان يتجه بعقله لإصلاح الأرض وتسخير الفضاء..؟
نعم هو الإنسان ذاته الذي اختلف حوله العلمانيون والإيمانيون على انه، يلد لوحده يقف لوحده ثم يمشي لوحده؟. أو أنه يلد بإرادة خالق فيقف بإرادته ويمشي بإرادته، بل ويموت ويُبعث من جديد بإرادته؟. هكذا المحمديّون كانوا قد آمنوا وهم قلّة بالكتاب والسنّة، ونحن منهم اليوم بقصة البُراق والمعراج، وهكذا الداروينوين كانوا قد إعتقدوا يوما وهم كثرة، وما أكثرهم اليوم بالطائرات ومكوك الفضاء في دنيا العرب والعجم.
المنظر مؤلمٌ ومخزي اليوم، فيما نراه كل يوم من أشباح التنافس النووي على الأرض، يقابله في الفضاء ما لا نراه من الأطباق الطائرة والأجسام المشبوهة، وكلها تعود لأشرف المخلوقات الإنسان، الذي من المفترض أنه أُبتعث لتعمير هذا الكوكب الجميل بدل تدميره، لكونه خليفة الله في أرضه (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون).
ولعل السماء برسالة ضمنية أوحت لإنسان اليوم عبر أول إنسان على الوجود، فخاطب الله الملائكة المعارضة قائلا (إني أعلم ما لاتعلمون)، ولعل من الضمنيات الرسالة التنبّؤية التي كانت تكمُن في قصة البُراق والمعراج، التي إنطلقت بدل الفضاء من قلب الصحراء، وتبلورت من البادية بعُمق الرمال البرّي، ومن بين سكانها البدويون البدائيون، الذين لايملكون للتنقل والترحال معنى ولامفهوما غير تلك التي اشتهرت بسفينة الصحراء ناقته التي كان يركن إليها، إذ بلبنها قوتا لمعدته وبظهرها مركبا لرحلته، وهو يحوم ويطوف على ظهرها حول نفسه، فوق الرمال وبين النخيل ذهابا وإيابا بسيفه ورمحه ودرعه إلى عشيقته وخيمته وقبيلته .. والغريب انه جاء من بين هؤلاء البدويون البدائيون الصحراويون من أعلن للملأ أنه أسرى به ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى بالبُراق، ومنها للسدرة المنتهى وإلى ما قاب قوسين أو أدنى.
إذن رسالة السماء عبر بُراق المعراج كانت تنبؤية للإنسان المطرود من الجنة بذنبه، عن إمكانية عودته للسماء بعقله، بأن مركبك أيها الإنسان لن يبق كما هو على الأرض لحميا بالنوق والجمال والخيل والبغال تمشي على أربع في البر، ولا سعفيا خشبيا من القوارب والشراع تحركه الرياح والأمواج في البحر .. لا لا، ليس كذلك لأني قلت لملائكتي (انا أعلم ما لا تعلمون) لأني كنت قد سلحتك بالعقل قبل أن اهبط بك الأرض خليفة لي، وكنت اعلم وهم لا يعلمون انك ستستخدم هذا السلاح، فتطير بعقلك في الفضاء برقا كنت قد أشرت إليها بما يوحيه العنوان (بُراق المعراج).
العائد يوما من السدرة المنتهى على مركب الفضاء الضوئي (البُراق)، عاد يمشي في الاسواق على رجليه، يركب ناقته وبغلته دون إستحياء، بل كان يقود عنه خادمه دابته ساعة، فيقود هو يقود عنه ساعة، وهى أول رسالة لحقوق الإنسان على وجه الأرض، وعاشر هذا العائد من الفضاء بني جلدته، إنسان اهل الارض على أن الإنسان صديق الإنسان، إما اخوك في الدين او نظيرك في الخلق، وروّضهم على معايشة الغني للفقير وملاطفة الأمير للأسير، فكان محمد الشامخ العائد على البراق من معراج سدرة المنتهى، هو ذاته العربي القرشي المتواضع بجوار بلاله الحبشي وسلمانه الفارسي، لا أنساب ولا ألقاب تميزهم او تفضلهم عربيا على الأعاجم او شيخا على العبيد، وظلّ للأحباش والفرس والرومان من العطاء بالسواسية والسخاء ما لغيرهم من أعمامه وأقاربه من أشراف القريش.
لكن إنسان فضاء اليوم، ينافس بني جلدته إنسان الأرض من الفضاء وعلى الأرض، يزاحمه على هواء يتنفس بها فوق الأرض، ولقمة عيش يعتاش عليها من جوف الأرض، فمنذ أبولو11وروّاد الفضاء يتشدقون بتفاخر كلما إنطلقت مركبة جديدة: "انها صُنعت في أمريكا او روسيا وأروبا" ولعل أخيرا وليس آخرا ايضا "صُنعت في الصين والهند والكوريتين" والله يعلم ما لانعلم أين تصنع في أماكن أخرى.!
فلم يكتف هذا الإنسان الفضائي العنيد الذي يعلم الله عنه ما لا نعلم، ولم يكتف هذا المخلوق المزيج من العبقري والمجنون، على ما القاه من الفضاء على إنسان هيروشيما، بل إنتقل بجرثومته الفضائية الى الأرض ليزرع الإحتقان بين الابيض والاسود، وليزرع تنافس السلاح النووي بين الجيران، ولينال بذلك من لم يتضوّره الجوع قتلا والملاريا فتكا في القارتين السمراء والصفراء.
رجل الفضاء قادم لامحال، فرفقا بضيفكم يا أهل الأرض، خاصة إن كان مشحونا ببرق دون الإيمان بشحنات من بُراق المعراج.
-
البريد الإلكتروني: ui@eim.ae
كل سنة وأنت طيبين والله يا أخي مقالاتك رائعة جداً
ردحذفتحية لك أيها العملاق الإماراتي ^_^
ردحذفهذه الأيام كثر عندي الهمس
ردحذفبيني وبينكم أهمس لكم بسر لم أهتم بضخامة الكاتب الامارتي وعظمة موضوع المقال ما أثر في نفسي وجود مقالاتي معه هذه تكفيني