لو لم يجد القارئ ما يشوقه في مقدمة ما يقرأ لتركه! و لحل تلك المشكلة علي أن أبدأ الرواية في ملهى ليلى... لكن المشكلة أن هنالك الكثير من الروايات بدأت من حيث بدأت! و أن ما تحتويه الملاهي الليلة من نادل و راقصة و فتوات و خمور و ترف و غيره لم يعد مشوقاً! لكن هل هذا يعني أني لن أجد المزيد من الروايات تبدأ أحداثها في حانة؟ ربما لا! لكن عندما تتأزم المسألة و تتفاقم لا بد أن يروح البطل للحانة و يأمر بكأس أو اثنتين! ناهيك عن الكأس الثالث الذي سيأمر به لتلك الفاتنة التي ستشاركه مشاكله بعد قليل! هذه الأخرى مسألة لا بد منها.. لا بد من امرأة تشارك البطل حلمه.. هذا لو لم تكن هي حلمه.. لكنها ستظهر عاجلاً أم آجلاً.. لو كان مكان الرواية في الحانة ستكون هي النادلة، و لو كان المكان هو غرفة يعيش فيها أحد الأبناء ستطل هي من شرفة البناية المجاورة، و ستبدأ الأحداث بنظرة، و ستنتهي كمأساة عندما تتوفى أم الفتى الولهان و يكتشف أبوه أنه بحاجة لزوج، فيطلب يد تلك التي طلت من النافذة من أبيها، و تنتهي الحكاية بنقل الفتى لأقرب مصحة نفسية.. لكن من الممكن أن تبدأ من هنا حكاية أخرى، و هي أن الفتى تم شفاؤه و طاب جرحه القديم و لكنه يقع في غرام الممرضة.. و تصدمه في نصف الرواية بالضبط بأنه كان بالنسبة لها مجرد مريض! و أنها لا تفكر في الزواج مطلقاً! و لما يأتي عمه لزيارته يعجب بها و يعرض عليها الزواج فتقبله، و هنا تنتهي الرواية بنفس المكان الذي بدأت فيه، و من الممكن أن نبدأ بالجزء الثاني في نفس المصحة، أو بالأحرى على بابها، و الفتى ممسك بحقيبة متعلقاته و في اتجاهه إلى حيث يقطن، و يكون هذا بعد أن قرر قتل والده و عمه، لكنه يكتشف أن المرأة هي السبب، فيقرر أن يقتل كل نساء الحي.. و ربما تنتهي الرواية بانتحاره أو بسجنه.. لكن لو ابتعدنا عن النهاية المنطقية الباردة لانتهت الرواية بأنه قد وقع في حب الحفيدة العاشرة لشهرزاد، و تنتهي الرواية و هي تقول له.. " بلغني أيها الملك السعيد" و لكن الفتى يستيقظ من نومه ليجد نفسه بنفس المصحة.. لكني أعتبر استيقاظ الفتى في آخر الرواية بمثابة فشل روائي في ربط الحوادث بالوقائع، لذلك قرر الروائي أن ينهي المسألة على أنها حلم.. لذلك اتجه الرواة لنتيجة منطقية و عكسية في نفس الوقت، و هي أن تبدأ الرواية بحلم.. لكن هل يجوز أن أبدأ روايتي بحلم؟ ربما! و لهذا علي أن أنام أولاً.. و بعدها أقرر.
- بقلم: سلامة عبدالسلام
أحلام سعيده يا عبد السلام ، ولعلها ليست أمنية قلبية خالصة بل يشوبها شيئ من الخبث ، فبما أنك سوف تحلم بروايتك القادمة فلا أريدها كقارئ أن تكون رواية مفزعة ، كتابة رواية ليست بالأمر الهين كما أسلفت في مقالتك الرائعة فإذا جنح بك الخيال قفز أمامك ذلك السؤال البغيض ( هل يعقل ؟ من سيصدق ذلك؟) وإذا تركتها واقعية فقدة حماسك لأنك تريد أن تجعلها مبهرة وينتهي بك الأمر بالضياع بين تلافيف دماغك محاولًا أيحاد حل لهذه المعضلة ، قرأت الكثير من الرويات لمختلف الكتاب من مختلف الملل والنحل فلم أجد أبرع منه ، أسميه (الحكاواتي الأكبر) أنه أستاذنا الكبير نجيب محفوظ فهو يترك لك خيطًا صغير ينسل من بين نسيج الأحداث لتخنق به ذلك السؤال البغيض المفسد لمتعة الاسترسال و هذا هو سر عبقريته وسبب عالميته ، ألقرائه حاله تشبه حالة التنويم المغنطيسي وأقل خلل ينهيها .في أنتظار حلمك (روايتك) القادمة
ردحذفتحياتي
صديقي خالد، أتفق معك كثيراً على تعليقك، أو تحليلك الفذ و سعدت جداً بقراءته.. شكراً.
ردحذف