تذكرت مناظر من فلم أبيض وأسود قديم ’’الكويت قبل النفط’’، كنت قد شاهدته قبل ثلاثة عقود، تذكرتها وأنا أشاهد الاَن على الشاشات منظر الهراوات التي استخدمها قوات الأمن الكويتية على الباب خلال ندوة تكتّل ’’إلاّالدّستور’’ التي اقيمت في ديوان النائب جمعان الحربش بالكويت.
قد يعترض القارئ الكريم على العنوان ’’الكويت بعد الكأس ’’ إن كان قد شاهد نفس الفلم ’’الكويت قبل النفط’’ الذي يقدم فيه الممثّل الكويتي الكبير المرحوم خالد النفيسي بنجاح تام صورة الكويتي البحّار الغوّاص ، ورسالته ’’لاكرامة في العمل ولا مهانة في المهنة، ولا كويتي افضل من كويتي’’ . . إذ لم تُدرج بين الكويتيين يومذاك دارجة ’’انا كويتي، وكرامتي لاتسمح لي أن أعمل في هذه المهنة او تلك’’ . . لأن الكويتى قبل النفط كان يعمل بنفسه للكويت، كان يعبد العمل عبادة، وكانت كرامته في العمل ومهانته في البطالة، كان يطلع قبل طلوع الفجر، يُسلّم نفسه طُعمة للأمواج يكاد يذهب جسمه لقمة للأسماك وهو يبحث عن اللقمة لأولاده بكرامة، وطبعه لم يكن يأبى العمل الشاقّ، فلا يجلس البيت عاطلا يلعن الزمن.
قبل أيام مرّت الكويت من هنا بالكأس ، فلم تسعدني كمواطن إماراتي وحسب، بل أنها وبكأس الخليج أسعدت كل العواصم الخليجية التي لازالت ترقص بثوب عُرسين: أفراح الكأس للكويت وبجوارها شقيقتها دولة قطر الفائزة باستضافة المونديال ءئةئ فأسعدت العواصم العربية كلها . . كان أولى بهذا الكأس ، وبهذه الكويت بالكأس وهى لم تزل بثوب العرس ولم تمض عنها ليلة الزفاف أجواء فرحتها، كأن أولى بها الصمود في مهبّ الرياح العاتية.
لم أصدق العيون والاَذان، وأعتصر القلب ألما، عندما وجدت الفضائيات نفسها والتي لازالت صدى الكأس منها بدوىّ النحل في بيوتنا وشوارعنا وفي الأندية والديوانيات، عادت وبثّت تلك الفضائيات وعلى نفس الترددت والذبذبات، الكويت وكأنها تحولت إلى سوق عُكاظ تتراشق فيها الطبقات العليا من الوزراء والنواب والوجهاء الكويتيين بعضهم البعض بالطماطم والبطاطس . . فإلى جانب تصريح معالي وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد ’’إن الوحدة الوطنية خط أحمر’’، هناك توصيف للنائب مبارك الوعلان ’’ماحصل هو محاولةُ لفرض هيمنة زائفة. ! ’’ . . وتعقيب من رئيس إتحاد العمّال عبدالرحمن السميط ’’إنها سابقة خطيرة’’ ودعى السميط النقابات الى إجتماع. . ! العقل والمنطق يطلبا معا تأييد الوحدة الوطنية أينما طُلب، وبما جاء في تصريح معالي الوزير الوحدة الوطنية خطw أحمر . . لكن ليس هذا ليس اول قارورة كُسرت في الكويت الشقيقة، الكويت التي لها سجلّ حافل باليد البيضاء مع كل العرب، أتاها العُدوان الغاشم من من كان يفترض به أن يكون شقياً عربياً بمعنى الكلمة، نسألها اليوم بعد ان سمحت لعدسات الكاميرات الخارجية إلتقاط صور للديكور الداخلي، بل السؤال يطرح نفسه: ’’هل أنجزت الكويت للبيت الكويتي بعد الكأس كل شئ، لتدخل في هذه الهراوات الكلامية النظامية واللانظامية. ؟ وهل نروىّ بالرياضة ظمأ العطاشى من الداخل ونُشبّع بها الجائعين الطامعين في الخارج. ؟ نحن قومُ نعطي الرياضة كل شي، ثم وهل نأخذ منها بعض الشي. ؟ هل نصنع من أبنائنا بعد أن صنعنا عباقرة الركلات في الملعب الرياضي، نصنع منهم من يجيد الركلات الوقائية في الملعب الجغرافي الذي عسكره غيرنا كيمائيا وجوليوجيا وفيزيائيا، فمن أين لنا ذلك المواطن البدائي الفيزيائي بعد كأسك يا وطن. ؟ في السبعينيات كنت طالبا في الثانوية، والتقي بالكويت يوميا عبر مناهجها التربوية التي كانت تُدرّس في الإمارات، ثم ألتقي شهريا بعملاق الأدب العلمي الدكتور أحمد زكي عبر صفحات مجلة العربي التي تصدرها وزارة الإعلام الكويتية وكان يرأس تحريرها المرحوم، أعجبني عنوان أحد الأعداد: ’’الكويت لاتصدّر النفط فقط’’ . . وهذا صحيح، فالكويت كانت تصدّر الأدب والثقافة والفنون والتراث والتاريخ والجغرافيا، والكويت كانت تنطلق كالصاروخ بالعطاء والإنتاج.
الكويت السبّاقة اللبّاقة ترى ماذا يعرقلها اليوم من السباق بقطار الزمن فيسبقه؟أو يلحقه وهو أضعف الإيمان. !
- بقلم: أحمد ابراهيم (كاتب إماراتي).
- صحيفة أخبار العرب.
شكراً لك أيها الرائع الكويت دولة خليجية عزيزة على قلوبنا وألف مبروك الكاس
ردحذفكلام جميل
ردحذفومقال مميز
والكويت تستاهل كل خير