لكننا بذلك نسبق الحدث والحديث,فهل كانت عربستان حقا عربية؟وهل كانت مستقلة؟ ونكتشف أنه في القرن الأول الميلادي قال المؤرخ باليني:إن هذه المنطقة جزء من الأرض العربية,وتوالي مختلف المؤرخين القدامي علي الاعتراف بعروبة هذه المنطقة,بما دفع السير أرنولد ولسن في كتابه الخليج العربي إلي تأكيد ذلك, واصفا عربستان بأنها تختلف عن إيران اختلاف ألمانيا عن إسبانيا,أما المؤرخ هورديك أوني فقد كتب في كتابه الفقاعة الذهبية.. وثائق الخليج العربي قائلا:إن هذه المساحات الشاسعة من الرمال البنية,وهذه المياه الضحلة الزرقاء المترامية الأطراف,وكل ما فوقها وكل ما تحتها هي عربية,وقد كانت وستظل جزءا لا يتجزأ من الخليج العربي. كذلك كتب المؤرخ الفرنسي جان جاك برسي في كتابه الخليج العربي:لقد مرت عربستان مع الوطن العربي في مراحل واحدة,وبخطوات واحدة منذ أيام العيلاميين والسومريين والكلدانيين,ويؤلف القسم الذي تغسله مياه قارون مع بلاد ما بين النهرين وحدة جغرافية واقتصادية شاركت سابقا في الازدهار السومري والكلداني, وإذا كانت قد خضعت علي يد كوروش وداريوش عندما أسسا إمبراطوريتهما فإنها ما لبثت أن أصبحت عربية من جديد. وقبل الإسلام نزحت إلي منطقة الأحواز عربستان قبائل عربية أخري آتية من قلب الجزيرة العربية,منها قبائل مالك وكليب واستقرت هناك,وعندما قامت الجيوش العربية الإسلامية بفتح هذه المنطقة أسهم السكان العرب معها في القضاء علي الهرمزان في سنة17 هجرية,وطوال عهد الخلافة الأموية ثم العباسية وثورة الزنج ثم الحكم العثماني كانت جزءا لا يتجزأ من الأراضي التابعة للخلافة,واستمر الأمر كذلك حتي1925. وإذا كان الإيرانيون يجادلون في أحقيتهم التاريخية في أرض الأحواز بمقولة:إن حكام فارس قد احتلوا هذه المنطقة لفترة من الزمن,فإن سكان عربستان يردون عليهم بأن اليونان والرومان والعرب حكموا فارس ثلاثة عشر قرنا,وقد استمرت السيطرة العربية علي بلاد فارس آمادا طويلة, فهل ادعي أحد عروبتها؟ ويعود المؤرخون لاسترجاع حقائق تاريخية مهمة. فالمؤرخ الإنجليزي لونفريك يقول في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق:في أراضي عربستان الزراعية المنبسطة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض,وتسيطر علي طرق المنطقة, وتفرض الضرائب علي الطرق النهرية دون معارضة من أحد,وأكثر من مرة حاول الإنجليز بالتعاون مع الفرس احتلال الأحواز دون جدوي ,ويأتي القرن التاسع عشر والأحواز دولة عربية مستقلة وقوية,قادرة علي حماية منطقة الخليج العربي هي وحلفاؤها الأقوياء في إمامة عمان,ووقفتا معا في وجه محاولات الفرس والترك والإنجليز للسيطرة علي المنطقة. كما أن دولة فارس نفسها قد اعترفت باستقلال إمارة عربستان,ففي عام1857 أصدر ناصر الدين شاه مرسوما ملكيا يقول:تكون إمارة عربستان للحاج جابر بن مراد ولأبنائه من بعده, ويقيم في مدينة المحمرة (عاصمة عربستان آنذاك) مأمور من قبل الدولة الفارسية ليمثلها لدي أمير عربستان,وتنحصر مهمته في الأمور التجارية فقط,ويتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الفارسية بجيوشه في حالة اشتباكها في الحرب مع دولة أخري,وعندما أرادت بريطانيا إنشاء معمل لتكرير البترول في عبادان,وهي جزء من أرض عربستان ,انتدبت السير برسي كاكس ليتفاوض نيابة عنها مع أمير عربستان باعتباره الحاكم العربي الأعلي في المنطقة لعقد اتفاقية بشأن السماح باستخدام خط أنابيب البترول للمرور عبر أراضي إمارته متجها إلي مصفاة عبادان,وكان يتسلم وفق هذا الاتفاق إيجارا سنويا قيمته650 جنيها. كما أن بريطانيا أبرمت معاهدة أخري مع أمير عربستان تعهدت فيها بالدفاع عن الأمير وإمارته,وأن تشاركه في صد أي هجوم خارجي عليه,وبرغم ذلك كله فإن بريطانيا قد تآمرت مع إيران علي تسليمها دولة عربستان. ويمكن أن ندرك المفارقة بالعودة إلي المؤرخ الفرنسي جاك برس في كتابه الخليج العربي, إذ يقول: إن عربستان هي طرف الهلال الخصيب الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية وينتهي عندها مارا بلبنان وسوريا والعراق, فبريطانيا أسلمت الطرفين أحدهما لإيران والآخر لليهود في فلسطين, أليست هذه مفارقة تستحق التأمل؟ وفي عام1964 أدرجت قضية عربستان علي جدول أعمال مؤتمر القمة العربي المنعقد في القاهرة,واتخذت القمة قرارات تساند حقوق عربستان مساندة كاملة,بل وقررت إدراج قضية تحرير عربستان في المناهج الدراسية العربية,وبرامج الإعلام العربي,لكن هذه القرارات التي اتخذت لأهداف سياسية,صمتت لأهداف سياسية أخرى…. وتبقي قضية عربستان تحتاج إلى من مزيد من قول.
- بقلم : د. رفعت السعيد