التعليم الالكتروني وتراكم الثروة العلمية

التعليم الإلكتروني تلازم التطور التكنولوجي المتسارع وثورة في المعلومات أفضت الى التراكم المعرفي الامر ترك بصماته على مناحي الحياة المختلفة ولعل التعليم الالكتروني كان أبرزها في إطار الأنظمة التعليمية المختلفة.
لقد تسارعت خطى هذا الشكل التعليمي حيث أصبح منافساً جدياً لأشكال التعليم الأخرى وفي مقدمتها التعليم التقليدي بل متجاوزاً إياها في بعض المفاصل الأساسية تماشياً مع المتغيرات الهائلة التي وفرتها وسائل الاتصالات الحديثة التي كانت إحدى ثمار ثورة التكنولوجيا الحاصلة في زمن المتغيرات الحديثة.
إن عدم الإلمام بالتعليم الكتروني لدى غالبية شعوبنا العربية بسبب حداثته من جهة ولندرة الباحثين في هذا الشكل التعليمي الهام من جهة أخرى ولاكتمال مستلزمات بنائه من جهة ثالثة يدفعني لدراسة مرتكزاته العلمية والتعريف بمضامينه الأساسية آملاً أن تساهم دراستي المكثفة هذه مع الباحثين الذين سبقونا بدراسة هذا الشكل التعليمي الهام والتعريف به الى نشر المعرفة العلمية . ( 1 )

في مساهمتي المكثفة أتناول التعليم الالكتروني من خلال المحاور التالية:ـــ

أولاً: التعليم التقليدي ومعوقات نشر المعرفة الأكاديمية.
ثانياً:ـ التعليم الالكتروني وخصائصه الأساسية.
أولا: ـ التعليم الالكتروني وآفاقه المستقبلية.


أولا : ــ التعليم التقليدي ومعوقات نشر المعرفة العلمية.
من المعروف إن الدولة في البلدان العربية كانت ولازالت الجهة الأساسية الراعية لمؤسسات التعليم بمختلف مراحله التربوية. بمعنى آخر إن الدول العربية تعتبر المالك الأساسي (الاحتكاري ) لمؤسسات التعليم الامر الذي أنتج حزمة من السلبيات والإشكالات الاقتصادية / السياسية منها: ـ

1: ـ أفضى احتكار الدولة للمؤسسات التعليمية الى بناء منظومة تعليمية مغلقة بسبب استنادها الى أيدلوجيات تاريخية وأخرى سياسية تحت مبررات الحفاظ على الذات العربية وما أفرزه ذلك من إعادة إنتاج التخلف التربوي / الفكري المناهض للتطور العلمي الشامل .


2: ـ بسبب احتكار السلطة وغياب الديمقراطية جرت محاربة الفكر العلمي الديمقراطي الامر الذي ابعد التعليم عن مواكبة المنتجات الفكرية / السياسية / العلمية الجديدة التي أنتجتها الحضارة الإنسانية.

3: ـ قاد امتلاك الدولة للقطاعات الإنتاجية/ الخدمية الى حصر التشغيل والتوظيف للقوى الأكاديمية / العلمية بيد مؤسسات الدولة البيروقراطية وما أفرزه ذلك من جعل الدراسة الأكاديمية تترابط والوظيفة الحكومية باعتبارها مصدر المعيشة الأساسية وبهذا المعنى أنتج التعليم الدولتي مناخاً تعليميا خاملا منافيا لروح الإبداع والابتكار .

4: ـ أنتجت العوامل المشار إليها تعليما أكاديمياً اتسم بالروح الأيديولوجية والتبعية لسياسات السلطة حيث تم اعتبار كثرة من الكليات والمعاهد مؤسسات ( سيادية ) مغلقة لمنتسبي الأحزاب الحاكمة أو لأبناء الشرائح والعشائر الحاكمة. ( 2 )

5: ـ إن احتكار الدولة للفعاليات الاقتصادية / الخدمية وعدم وجود خطة كافية لاستيعاب القدرة التعليمية وتوظيفها في خدمة التنمية البشرية جعل التوظيف محصوراً في دوائر الأجهزة البيروقراطية للدولة الامر الذي أشاع البطالة الكبيرة للقوى المتعلمة وإهدار سنيين المعرفة العلمية.( 3 )

6: ـ خلاصة القول إن سيادة الروح الأيديولوجية في المؤسسات التعليمية فضلا عن تمجيد الماضي وربط التعليم بعقائد سلفية أفضى الى خنق روح البحث وأنتج عقلا تعليميا اتسم بروح الرضي عن الذات والكسل العلمي بعد تدثره بأردية تعليمية لا تتعدى تسيير الحياة اليومية لماكنة الدولة الإدارية.
لقد شكلت التطورات الكبيرة التي حملها الطور الجديد من العولمة أرضية صلبة لانطلاق أشكالا جديدة من التعليم الامر الذي جعل المناهج التربوية / التعليمية ببنيتها التقليدية وانغلاقها الفكري وسماتها اللاديمقراطية غير قادرة على مواكبة التغيرات العلمية الكبيرة التي أنتجتها الثورة العلمية / التكنولوجية المعاصرة لهذا بات ضروريا على الدول الوطنية والمؤسسات التربوية / التعليمية الأخذ بمبدأ التنوع واعتماد أشكالاً جديدة من التعليم وفي مقدمتها التعليم الالكتروني الذي أكدت التجربة انه الشكل الأنسب لمواكبة تغيرات عصرنا وبناء مستلزمات تنميتنا الوطنية.


ثانياً:ـ التعليم الالكتروني وسماته الأساسية.
قبل البدء في تحديد سمات هذا الشكل الحضاري من التعليم دعونا نطرح التساؤلات التالية: ماذا نعني بالتعليم الالكتروني وما هي مستلزماته ؟ وما هي إمكانياته في إنتاج معرفة علمية / أكاديمية مواكبة للتطورات الجديدة ؟ وأخيراً ما هي حدود مساهمته في التنمية البشرية ؟
لغرض الخوض في مضامين الأسئلة المثارة لابد لنا من تناول الموضوع من جوانبه المختلفة.
بداية يتحتم القول إن التعليم الالكتروني حظي باهتمام كبير في البلدان المتطورة ، وقد تجسد هذا الاهتمام بفتح فروع لهذا التعليم في الجامعات الأوربية والأمريكية ومتابعة نتائجه العلمية الباهرة وبهذا المسار ودفعا لأي التباس فان التعليم الالكتروني المعتمد يتمثل في الابتعاد عن المكان ومستلزماته الملموسة ــ القاعة ، الطلبة ، الأستاذ ــ الى عالم دراسي افتراضي يتحدد بآليات وضوابط داخلية متعايشة مع أنماط معينة من التعليم التقليدي .

إن آليات الضبط الدراسي للتعليم الالكتروني تتميز بكثرة من المحددات منها: ـ
أ:ـــ تبني المقررات الدراسية المعتمدة في الكليات والمعاهد الدراسية بمعنى تدرج الطالب / الطالبة في الدراسة وفق مقررات التعليم التقليدي المتعارف عليها دوليا.
ب: ــ تقديم المحاضرات العامة الهادفة الى أغناء المقررات الدراسية وما يعنيه من إلزامية حضور الطالب الى الغرف الخاصة للاستماع الى المحاضرة الالكترونية ومناقشة محتوياتها مع الأستاذ المحاضر.
إن الجانب التكنولوجي المتطور ورغم أهميته إلا انه يصدم بالظروف الراهنة بسيكولوجية الدوام الفعلي للطالب في المكان ومقابلته الشخصية للأستاذ المحاضر.
ج:ــ مزاوجة الامتحان التقليدي والامتحان المفتوح حيث يجري تقسيم المقررات الدراسية الى امتحانات مفتوحة وأخرى تقليدية تلزم الطالب بالحضور الى احد فروع الأكاديمية لتأدية الامتحان التقليدي.
د:ــ الأخذ بكتابة البحوث والإجابة البحثية على الأسئلة التي تغطي مضامين المواد المقررة وما يعنيه من إلزامية الطالب / الطالبة بالبحث عن مصادر أخرى بهدف أغناء معرفته الأكاديمية.
هـ: ــ طورت الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك أساليب امتحان المقابلة مع الطلبة الذين يؤدون الامتحانات المفتوحة حيث تجري المقابلة بين الأستاذ والطالب عبر الغرف الالكترونية وفي حال تعذر ذلك يجرى إعطاء الطالب أسئلة أضافية لتغطية المادة المقررة من جوانبها المختلفة.
و: ــ الأخذ بالفصول الدراسية حيث يجري تقسيم السنة الدراسية الى فصلين احدها خريفي والأخر ربيعي.
ز: ــ إلزام طلبة / طالبات الدراسات العليا بكتابة البحوث والتقارير العلمية على الأسئلة المعدة في قسم الامتحانات.
ح: ــ يتم تكليف أساتذة اختصاصيين بالإشراف على رسائل / أطاريح الطلبة / الطالبات بعد تجاوزهم للدورة الامتحانية للفصول الدراسية المقررة.
ط: ــ الأخذ بالمناقشة الداخلية لرسالة أو الأطروحة الطالب / الطالبة لغرض تقييمها من كل الجوانب المنهجية واللغوية والعلمية ويتم دفع الرسالة / الأطروحة الى المناقشة العلنية بعد الأخذ بملاحظات الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة الداخلية أو الأساتذة المقيمين.
ي: ــ تحديد مواعيد المناقشة العامة والعلنية وتشكيل اللجان المساهمة.
إن الركائز الأساسية للتعليم الالكتروني الذي لا يختلف من حيث الجوهر مع أصول وقواعد التعليم التقليدي تتداخل
وسمات خاصة بهذا الشكل التعليمي المتطور.

 

1:ــ ارتبط التعليم الالكتروني بالثورة التكنولوجية الحديثة وذلك بعد انتشار شبكة الانترنيت وما حملته من امكانات كبيرة تمثلت بتدفق المعلومات وسهولة الحصول عليها فضلاً عن متابعة تغيرات العالم والاستفادة منها وبهذا المسار فقد نجح التعليم الالكتروني بتوظيف التكنولوجيا المتطورة من خلال المؤشرات: ـ
ـــ الاستفادة من الحاسوب وشبكة الانترنيت في كتابة التقارير والبحوث العلمية علماً أن التعليم الالكتروني يرفض قبول البحوث المكتوبة بخط اليد أو المصورة.
ـــ تواجد الطالب / الطالبة في الغرف الالكترونية المخصصة بهدف الاستماع الى المحاضرة المقررة والمساهمة الفاعلة في مناقشة مضامينها.
ــ تحميل المحاضرات ووضعها في المكتبة الصوتية التي توفر للطالب العودة إليها عند تخلفه عن الحضور فضلاً عن أمكانية تحمليها على أجهزة خاصة.
ــ إمكانية اعتماد الباحث / الباحثة على محرك المعلومات في شبكة الانترنيت لغرض الحصول على المصادر المختلفة.
ــ إمكانية حصول الطالب / الطالبة على المصادر الضرورية من المكتبة الكترونية للأكاديمية.

 

2: ـ ــ شعبية التعليم الالكتروني: ـ
يمتاز التعليم التقليدي في البلدان العربية بمقاساته الأيديولوجية / الاجتماعية حيث أصبح الدخول الى الجامعات والمعاهد العليا حكرا على الشرائح والطبقات الاجتماعية المتنفذة ومنتسبي الأحزاب الحاكمة وما حمله ذلك من حرمان غالبية القوى الاجتماعية من التعليم العالي وبهذا المنحى فان التعليم الالكتروني وبسبب إمكانية تناوله من قبل الجميع يوفر الفرص لكثرة من الشرائح الاجتماعية بهدف الحصول على المعرفة العلمية الأكاديمية وبالأخص منها : ــ
شريحة الموظفون: ـ
يوفر التعليم الالكتروني فرصة لأقسام واسعة من الموظفين والمستخدمين لمواصلة تعليمهم الأكاديمي العالي وما يعنيه ذلك من بناء متطلبات التطور الوظيفي على قاعدة علمية / معرفية حيث أن التعليم الالكتروني يوفر الوقت للمزواجة بين الوظيفة والدراسة لأولئك الذين لم يتمكنو من الدخول الى المعاهد والكليات.
شريحة النساء: ـ
بسبب كثرة القيود المفروضة على المرأة وتعذر حصول الكثير منها على التعليم الأكاديمي بات ملحاً وانسجاماً مع تطور التنمية البشرية العربية زج المرأة في التعليم العالي وبهذا المسار الحضاري فإن التعليم الالكتروني بما يملكه من ميزات علمية قادر على تشجيع المرآة على مواصلة تعليمها الأكاديمي من خلال الجمع بين أعمالها الوظيفية والتزاماتها المنزلية وبهذا يكون هذا الشكل من التعليم المتطور قد مهد الطرق الكفيلة بإعادة اندماج المرأة في الحياة العامة.
القوى العاملة: ـ
يستطيع التعليم الالكتروني تحقيق الطموحات العلمية / الأكاديمية للقوى العاملة التي حرمتها ظروف حياتها الاقتصادية مواصلة التعليم من خلال الجمع بين عملها اليومي مع تعليمها الأكاديمي .

3: ـ ديمقراطية التعليم الالكتروني: ـ
تكمن السمة الأساسية للتعليم الالكتروني في ديمقراطيته بمعنى اعتماده على التطور التكنولوجي المرتبط بالحرية الفكرية التي تميزه عن التعليم التقليدي المرتكز على تلقين المعارف الإنسانية.
إن اعتماد التعليم الالكتروني على حرية البحث ودراسة التيارات الفكرية الإنسانية يفضي الى تنمية قدرات الطالب البحثية المرتبطة بكيفية معالجة القضايا الاجتماعية / الإنسانية وأساليب حلها، وما يعنيه ذلك من إنتاج عقول علمية ناقدة باحثة عن الحقائق العلمية الامر الذي يكسب بلداننا العربية تنمية بشرية تستند على الإبداع العلمي المتواصل .

4: ـ أممية التعليم الالكتروني: ـ
إن انتماء الطلبة / الطالبات ومن بلدان مختلفة الى التعليم الالكتروني يضفي على التعليم طابعاً أممياً تتنوع فيه الاتجاهات الإنسانية الرافضة للتعصب القومي / الطائفي والمتفتحة على الثقافة الإنسانية العالمية المتسلحة بالتسامح والاحتكام الى العقل في معالجة القضايا الخلافية.

5: ـ استثمار الوقت
إن سرعة التغيرات الجارية في عصرنا وتطوراتها المستمرة تجعل الإنسان عاجزاً عن الاحاطة بتلك التبدلات إلا إذا حاول استثمار الوقت بهدف التماشي مع تطورات العالم وبهذا المنحى فان التعليم الالكتروني يوفر للطلبة والباحثين ميزة الاستثمار الجيد للوقت من خلال استغلال مزايا التعليم الالكتروني العديدة . ( 4)



ثالثاً: ـ أفاق تطور التعليم الالكتروني
أفرزت تغيرات العالم المعاصر وترابط مستوياته الاقتصادية الدولية / الإقليمية / الوطنية نمواً وتطوراً كبيراً تمثل بكثرة القطاعات الاقتصادية / الخدمية الخاصة وما نتج عن ذلك من تزايد الحاجة الى الكوادر العلمية / الأكاديمية القادرة على إدارة وتنمية نواحي الحياة المختلفة وما يشترطه ذلك من اعتماد التعليم الالكتروني كشكل من أشكال التعليم المتجاوب وتطور التنمية البشرية وذلك لكثرة من الأسباب منها : ـ
ـــ قدرة التعليم الالكتروني على استيعاب الإعداد المتزايدة من الشبيبة الراغبة في التحصيل الأكاديمي وذلك بسبب محدودية المؤسسات والمعاهد الرسمية وعدم قدرتها على استيعاب الحاجات المتنامية التي تتطلبها التنمية الوطنية في البلدان النامية.
ـــ تطور القطاعات الاقتصادية / الخدمية الخاصة وحاجتها المتزايدة الى الكوادر العلمية / الأكاديمية فضلاً عن التعليم العالي والمتخصص.
ـــ استثمار الوقت والبحث عن التعليم العالي في مؤسسات حرة ترتكز على استخدام الثورة التكنولوجية وما يحمله ذلك من أفاق علمية متنامية.
أخيرا لابد من القول استناداً الى الميزات العلمية الكبيرة للتعليم الالكتروني يصبح إصرار بعض المؤسسات الرسمية في البلدان العربية بعدم اعتماد الشهادات الممنوحة من قبل الأكاديميات الالكترونية وعدم استثمار الحصيلة العلمية وتراكم المعرفة الأكاديمية لدى خريجي هذه الأكاديميات يشكل إضراراً بالغاً بتطور بلداننا ومسيرتها التنموية ويعتبر إصرارا على تجاهل نتائج الثورة العلمية / التكنولوجية وإهداراً للطاقات العلمية الجديدة.
1 : ـ تستند مضامين الدراسة الى تجربة التعليم الالكتروني المعتمدة في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك التي ساهمت في بناء وتطور هذا الشكل التعليمي المتقدم والمرتكز على المعايير العلمية والأكاديمية والقادر على إدخال المعرفة الأكاديمية الى بلادنا العربية.
2: ـ بسبب الروح الأيديولوجية عمدت بعض الدول العربية الى عدم معادلة شهادات الدول ( الاشتراكية ) رغم قيمتها العلمية الامر الذي أضاع ثروة علمية قادرة على المشاركة في تنمية المسيرة التنموية لبلداننا العربية.
3: ــ إن الملاحظات النقدية الخاصة بدور الدولة لا ينفي دور بعض الدول العربية في تطوير التعليم تماشيا مع التغيرات العلمية.
4: ـ يستطيع الطالب / الطالبة أثناء السفر ، محطات الانتظار ، الأماكن العامة متابعة قضاياه الدراسية من خلال استغلال الحاسوب / الانترنيت أو الاستماع الى المحاضرة المخزونة لديه .


  • بقلم: د. لطفي حاتم
  • الأكاديمية العربية في الدنمارك

2 تعليقات

  1. دا موقع جميل ياجماعة ونشكركم على خدماتكم مع تحيات اسراء الرشيدى

    ردحذف
  2. العفو يا أخت إسراء :)

    أهلاً وسهلاً فيك ..

    ردحذف
أحدث أقدم