«العسة» كما عرفت قديماً، أو الحسبة، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تسميتها الرسمية لاحقاً، ويقابلها شرطة الآداب عربياً، كانت جزءاً أصيلاً من المجتمع، لا خصما له، كانت تقوم في السابق بمهام الأمن ساعات الليل المتأخرة (العسة)، والتذكير بمواعيد الصلاة في وقتها (الحسبة)، ملتزمة بالاحتساب في معناه الشرعي والاجتماعي والمعنوي، لم يكن لديها عداء اجتماعي أو رأي عام مضاد، أو لها نشاط مواجهة ومداهمة واستدراج كما يحدث الآن.
كانت تملك رصيداً اجتماعياً كبيراً ودعماً شعبياً هائلاً، لكن ما حدث بعد ذلك غير الصورة، حيث دور الهيئة الاحتسابي والأمر «بالمعروف» تغير بشكل مضاد في فترات لاحقة، تحديداً في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، مقابل زيادة في عدد أعضاء الهيئة بشكل ملفت.
في المقابل بقيت الحياة المدنية ومؤسساتها تتسع ويعاد تنظيمها وهيكلتها، والأجهزة الأمنية تزداد تنوعاً وتشعباً، وزادت التعقيدات الإدارية، وانفجرت الكثافة السكانية بصورة هائلة.
ومع استمرار التطور جذب المجتمع جنسيات مختلفة
تنتمي لخلفيات ثقافية وحضارية ودينية ومذهبية متفرقة، ومع الوقت والتجارب والانفتاح اختلفت سلوكيات الناس وخلفياتهم وقناعاتهم، كما أسلوب حياتهم، لتظهر مواجهات اجتماعية متفرقة على السطح بين الناس وهذا الجهاز، مواجهات أصبح صداها يصل إلى الإعلام داخلياً وخارجياً، وبدأت تظهر بشكل صارخ وتتكشف أخطاء فردية وأخرى جماعية -لبعض المغامرات والأخطاء والتجاوزات المحسوبة على منتسبين لهذا الجهاز الحكومي.
فقد بقيت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بأسلوبها البسيط في الإدارة واختيار الأشخاص واجتذاب المتطوعين، دون مراجعات حقيقية لتاريخهم أو خلفياتهم، خطاب «تزكية» ممكن أن يمنح وظيفة سلطوية لمجتهد غير متعلم أو متعلم، كان المنظر الخارجي ولا يزال هو المحدد الرئيسي وباب القبول الأول، نتج عنه الاتجاه لخطاب النهي والتقريع الأقرب للعنف.
ظل هذا الجهاز مثار جدل صاخب في المجتمع والإعلام، الذي يرى بضرورة تقنينه ووضع صلاحيات واضحة ومحددة له، ووضعه في إطار الاحتساب، وإعادة ترتيب ما يسمى بشرطة الآداب شكلاً ومضموناً.
فيما يرى التيار المتعاطف ضرورة بقائه بشكله التقليدي باعتباره رمزاً بالغ القيمة لسلطة رجاله واتجاهاتهم.
صحيح أن هناك عملاً داخل الجهاز لبحث السلبيات ومعالجتها، وتقويم وضعه وعلاقته بالمجتمع وتحسين صورته أمام الرأي العام، لكنها محاولات لن تصمد كثيراً في ظل تجاوزات الاحتساب وأهله، التي تعلن دوماً عن الاستعداد للمواجهة وتجاوز أي تنظيم مكتوب.
فهم عملياً بعيدون عن أي مسألة أو عقاب معلن، وسلطتهم شفهية، ونفوذهم يتحكم فيه المزاج والشكل.
إلى لقاء
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف