قصيدة قرأت وما غير الطبيعة من سفر.
للشاعر العراقي الكبير/ معروف الرصافي
| قرأتُ وما غير الطبيعة من سِفرِ | صحائفَ تحوي كل فن من الشعر |
| أرى غرر الاشعار تبدو نضيدة ً | على صفحات الكون سطراً على سطر |
| وما حادثات الدهر الاَّ قصائد | يفوه بها للسامعين فم الدهر |
| وما المرء إلا بيت شعر عروضه | مصائب لكن ضربه حفرة القبر |
| تنظّمنا الايام شعراً وانما | تردُّ المنايا ما نَظمن إلى النثر |
| فمنا طويل مُسهب بحر عمره | ومنا قصير البحر مختصَر العمر |
| وهذا مديح صيغ من أطيب الثنا | وذاك هجاء صيغ من منطق هُجر |
| وربَّ نيام في المقابر زرتهم | بمنهلّ دمع لا يُنهنهُ بالزجرِ |
| وقفت على الاجداث وقفة عاشق | على الدار يدعو دارس الطلل القفر |
| فما سال فيض الدمع حتى قرنته | إلى زفرات قد تصاعدن من صدري |
| أسكان بطن الأرض هلا ذكرتم | عهوداً مضت منكم وأنتم على الظهر |
| رضيتم باكفان البلى حللاً لكم | وكنتم أولي الديباج والحللِ الحمر |
| وقد كنتم تؤذِي الحشايا جنوبَكمْ | أمين أبي التدليس في القول حاكياً |
| ألا يا قبوراً زرتها غير عارف | بها ساكن الصحراء من ساكن القصر |
| لقد حار فكري في ذويك وانه | ليحتار في مثوى ذويك أولو الفكر |
| فقلت وللأجداث كَفى مشيرة | ألا ان هذا الشعر من أفجع الشعر |
| وليل غُدافيَّ الجناحين بته | أسامر في ظلمائه واقع النسر |
| وأقلع من سفن الخيال مَراسياً | فتجري من الظلماءِ في لُجَج خُضرِ |
| أرى القبة الزرقاء فوقي كأنها | رواق من الديباج رّصع بالدر |
| ولولا خروق في الدجى من نجومه | قبضت على الظلماء بالانمل العشر |
| خليليَّ ما أبهى وأبهج في الرؤى | نجوماً بأجواز الدجى لم تزل تسري |
| إذا ما نجوم الغرب ليلا تغورت | بدت أنجم في الشرق أخرى على الإثر |
| تجوّلت من حسن الكواكب في الدجى | وقبح ظلام الليل في العرف والنكر |
| إلى أن رأيت الليل ولَّت جنوده | على الدُهم يقفو إثرها الصبح بالشُّقْر |
| فيالك من ليل قرأت بوجهه | نظيم البها في نثر أنجمه الزهر |
| فقلت وطرفي شاخص لنجومه | ألا إن هذا الشعر من أحسن الشعر |
| ويوم به استيقظت من هجعة الكرى | وقد قدّ درعَ الليل صمصامهُ الفجر |
| فأطربني والديك مُشج صياحه | ترنمُ عصفور يزقزق في وكر |
| ومما ازدهى نفسي وزاد ارتياحها | هبوب نسيم سَجْسَج طيّب النشر |
| فقمت وقام الناس كلٌّ لشأنه | كأنا حجيج البيت في ساعة النفر |
| وقد طلعت شمس النهار كأنها | مليك من الأضواء في عسكر مَجر |
| بدت من وراء الافق ترفل للعلى | رويداً رويداً في غلائلها الحمر |
| غدت ترسل الأنوار حتى كأنها | تسيل على وجه الثرى ذائب التبر |
| الى أن جلت في نورها رونق الضحى | صقيلا وفي بحر الفضاء غدت تجري |
| وأهدت حياة في الشعاع جديدة | إلى حيوان الأرض والنبت والزهر |
| فقلت مشيراً نحوها بحفاوة | ألا ان هذا الشعر من ابدع الشعر |
| وبيضة خدر ان دعت نازح الهوى | أجاب ألال لبيك يا بيضة الخدر |
| من اللاء يملكن القلوب بكلمة | ويحيين ميت الوجد بالنظر الشزر |
| تهادت تريني البدر محدقة َ بها | اوانس إِحداق الكواكب بالبدر |
| فلله ما قد هجن لي من صبابةة | ألفتُ بها طيَّ الضلوع على الجمر |
| تصافح احداهن في المشي تربها | فنحر الى تحر وخصر الى خصر |
| مررن وقد أقصرت خطوي تأدُّباً | وأجمعت أمري في محافظة الصبر |
| فطأطأنَ للتسليم منهنَّ أرؤساً | عليها أكاليل ضُفرن من الشعر |
| فألقيت كفي فوق صدري مسلّماً | وأطرقت نحو الارض منحني الظهر |
| وأرسلت قلبي خلفهن مُشيعاً | فراح ولم يرجع إلى حيث لا أدري |
|
وقلت وكفى نحوهن مشيرة | |
| ومائدة نسجُ الدِّمقس غطاؤُها | بمحلس شبان همُ أَنجم العصرْ |
| رقى من أعاليها الفنغراف منبراً | محاطاً باصحاب غطارفة غُر |
| وفي وسط النادي سراج منوّر | فتحسبه بدراً وهم هالة البدر |
| فراح باذن العلم يُنطق مقولاً | عرفنا به ان البيان من السحر |
| فطوْراً خطيباً يحزن القلب وعظه | وطوراً يُسرُّ السمع بالعزف والزمر |
| يفوه فصيحاً بالُّلغا وهو أبكم | ويسمع ألحان الغنا وهو ذو وقر |
| أمين أبى التدليس في القول حافظاً | تمر الليالي وهو منه على ذُكر |
| فيالك من صنع به كل عاقل | أقر لا ديسون بالفضل والفخر |
| فقلت وقد تمت شقاشق هدره | ألا إن هذا الشعر من أعجب الشعر |
| وأصيد مأثور المكارم في الورَى | يريك اذا يلقاك وجه فتى حر |
| يروح ويغدو في طيالسة الغنى | ويقضي حقوق المجد من ماله الوفْر |
| تخوَّنه ريب الزمان فأُولعت | باخلاقها ديباجتيه يد الفقر |
| فأصبح في طُرْق التصعلك حائراً | يجول من الاملاق في سملٍ طمر |
| كأن لَم يُرح في موكب العز راكباً | عتاق المذاكي مالك النهى والامر |
| ولم تزدحم صِيدُ الرجال ببابه | ولم يَغْمُرِ العافين بالنائل الغَمْرِ |
| فظل كئيب النفس ينظر للغنى | بعين مُقِلٍّ كان في عيشة المثرى |
| إلى أن قضى في علة العُدم نَحْبه | فجهّزه من مالهم طالبو الاجر |
| فرُحتُ ولم يُحفَل بتشييع نعشه | أشيّعه في حامليه إلى القبر |
| وقلت وأيدي الناس تحثوا ترابه
| |
| ونائحة تبكي الغداة وحيدها | بشجو وقد نالته ظلماً يد القهر |
| عزاه الى احدى الجنايات حاكم | عليه قضى بُطلاً بها وهو لا يدري |
| فويل له من حاكم صُبَّ قلبه | من الجوْر مطبوعاً على قالب الغدر |
| من الروم أما وجهه فمشوَّه | وَقاح وأما قلبه فمن الصخر |
| أضرَّ بعفّ الذيل حتى أمضَّه | ولم يلتفت منه الى واضح الغدر |
| تخطّفه في مخلب الجور غيلة ً | فزجَّ به من مظلم السجن في القعر |
| تنوء به الأقياد إن رام نهضة | فيشكو الأذى والدمع من عينه يجري |
| تناديهِ والسجانُ يُكثر زجرها | عجوز له من خلف عالية الجُذْر |
| بُنَى َّ أظنّ السجنَ مسِّك ضُرُّه | بنيَّ بنفسي حلَّ ما بك من ضرّ |
| بُنى َّ استعن بالصبر ما أنت جانياً | وهل يخذل الله البريء من الوزر |
| فجئت أعاطيها العزاء وأدمعي | كأدمعها تنهلّ مني على النحر |
| وقلت وقد جاشت غوارب عَبرتي | ألا إن هذا الشعر من أقتل الشعر |
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
كلام جميل ومعبر شكرا لك تقبل مروري
ردحذفأهلاً بك أخي العزيز وشكراً لمرورك الكريم.
ردحذفوهذا دليل على ذائقتك الرائعة.. تقبل خالص التحية والتقدير
هذا هو الشعر ورب الكعبة!!
ردحذفأشكركم