عندما يأتي المساء



عندما يأتي المساء ،
تتوارى ألوان الطيف بعيدا خلف جبال الصمت ،
تقترب السحب القاتمة متربصة ،
تطبق على صدري ،
أشتم رائحة المطر ،
قشعريرة تسري ببدني المنهك ،
أجلس مثخن بالجراح ،
أحاول فض هذه الأقفال الصدئة ،
تتفتح الأبواب العتيقة الموصدة ،
صرير مفاصلها يخدش الصمت ،
أمد يدي بحذر شديد ،
أخرج قلبي المنكمش خلف قضبان قفصه الصدري ،
أقوم بمحاولات مضنية لبث الدفء بين جوارحه ،
أثبت بجوانبه أجنحة الذكرى ،
أسجيه بكفي ،
أنزل بهما لأسفل ثم أرتد عاليا فأطلقه ،
عيناي ترحل بصحبته ،
ها هو يرفرف عكس اتجاه الريح ،
تتوالى زخات الأمطار لإثنائه ،
تبلل زغبه الرقيق ،
تغرقه ،
ينتفض محاولا الخلاص ،
بداخله يصرخ الحنين ،
لا تراجع و لا استسلام ،
يواصل مجتازا ما يقابله من عقبات ،
و أراه يقطع الحقول و البحار ،
على إحدى أغصان شجرة التوت العالية هناك ،
يهبط قريبا من غرفتك ،
يتطلع إلى نافذتك الخشبية المغلقة ،
ينتقل إلى عتبتها التي نحت الزمن عليها تضاريسه ،
يلتصق بها ، يلامسها برقة ،
يهم بنقرها ،
يتراجع مخافة إزعاجها ،
ربما ما زالت نائمة ، تنعم بالدفء ،
يراجعه الشوق ،
لم أعهدها تنام أول الليل ،
لم يطاوعها قلبها يوما ،
دائما ما كانت تبقى مستيقظة إلى أن أعود ،
يتدافع الأمل بداخله ،
يغرد ،
ينقر فوق نافذتها نقرة ،
ينتظر إشراق شعاع ضيائها من بين الألواح ،
لعل الدفء يسري بشرايينه ،
ينتظر إحساس قلبها بانتظاره ،
يحمل زهرة وردية تلون أحلامه ،
يغرد ثانية ،
ما هي إلا ثوان و سينعم بالاسترخاء بين راحتيها ،
تصطحبه لدفء غرفتها الوردية ،
تغرقه بلمسة من حنان أناملها ،
تدثره بأغطيتها الصوفية ،
تسجيه أمام مدفأتها ،
تسقيه قهوتها العربية ،
تتطاير السعادة بعينيه برؤية اللهفة بعينيها ،
تحكي له الحكايات كما كان صغيرا ،
و لكن ،
تنتزعه البرودة من بين دفء أحلامه ،
يغرد مرة أخرى ،
ربما تكون الأخيرة ،
و لا فائدة ،
تمر الأيام تلو الأيام ،
تتحول شهورا خلسة ،
و يبقى هناك مغردا ،
تبدأ السنوات في نسج خيوطها الحريرية حوله ،
لا يتحرك ،
تكتسي الأشجار بالأوراق ،
يتبدل الزغب ريشا ،
و لا يزال واقفا يغرد ،
تصفر الأوراق ،
يلون الشيب سواد ريشه ،
و يبقى دون حراك ،
تحشرجت تغاريد الأمل رويدا ،
تتساقط الأوراق تلو الأوراق من حوله ،
تفور بصدره صرخات الحنين و الاشتياق ،
لا يستطيع لها منعا ،
يلملم ما بقى من قوة ،
يصرخ )
ـ أمــــــــــــــــــــي ،
ماذا حدث لقلبك الحاني ؟
أما عادت دقاته تخبرك بانتظاري ؟
أم توقفت نبضاته كما يزعمون ؟
بقلم: محمد سنجر

3 تعليقات

  1. رائع جداً تقبل تحياتي

    ردحذف
  2. روووووووووووووعه

    ردحذف
  3. خليل شهاب - الروضة16 فبراير, 2010 23:41

    يا سلام عليك .. إبداع والله

    ردحذف
أحدث أقدم