خطابنا الثقافي واستشراف المستقبل

ثريا العريض

الخطاب الثقافي واستشراف المستقبل ؟؟

حين نطالب المثقفين القيام بدورهم في ريادة المجتمع , او نطالب بحقوق للمثقفين او نتساءل عن موقعنا من الثقافة العالمية هل نعرف بالضبط ماذا يعني مصطلح "الثقافة" التي نتكلم عنها و كيف نصنف فردا ما مثقفا اولا؟
"الثقافة" مصطلح هلامي مثل مصطلحات كثيرة نتداولها في حياتنا اليومية تتمتع بمرونة تسمح لها بمعان مختلفة وقد تكون متناقضة بين هذه الفئة او تلك و هذا الفرد او ذاك.
من هذه المصطلحات : ثقافتنا, خصوصيتنا , هويتنا.. التي لها مرونة احتواء ما نريد و الغاء ما لا نريد حسب تفضيلاتنا الخاصة .. وقد اصبحت في بعض معانيها المنتقاة نيرا و قيدا يمنع المجتمع من الإنفتاح على معانيها الأخرى التي كاد ان يتم تهميشها حد الإلغاء.
في أسبوعين متتاليين في شهر ديسمبر حضرت بدعوة رسمية نشاطين ثقافيين في مركزين حضاريين بالوطن. الأول كان مؤتمر الأدباء السعوديين برعاية خادم الحرمين الشريفين الذي مثله وزير الثقافة والإعلام و حضره فوق 500 مشارك و مشاركة من الأدباء و الكتاب مدعوين من شتى مناطق الوطن, وأقيم بمركز الملك فهد للمؤتمرات بالعاصمة الرياض .
و الثاني كان اللقاء الوطني للحوار الفكري الثامن و تم في مدينة الهفوف بالأحساء بدعوة من مركز الملك عبد العزيز للحوار و رئاسة معالي الشيخ الحصين وتناول واقع الخطاب الثقافي السعودي و أفاقه المستقبلية.
و كلا المؤتمرين اتسما بحسن التنظيم و الإعداد و الإستضافة و اشكر على ذلك الجهة المنظمة و المشرفين.
و كأي اجتماع مهم يتم واكبت كلا من الحدثين تغطيات إعلامية رسمية وغير رسمية ونقاشات وحوارات جانبية في المجالس والمنتديات الإلكترونية حول الحوار . و تناول النقاش سلبيات و إيجابيات الطروحات التي قدمت في قاعات الإجتماعات.
كل هذا معتاد في لقاءاتنا المنظمة؛ ما استوقفني في الموقعين ليس الطروحات في حد ذاتها فقد كان معظمها متوقعا و مرتبطا بمرئيات الأفراد معروفة مسبقا.
ما استوقفني هو تشابه تصرفات الأفراد عبر الفئات والتيارات . وهنا كان اول تنبهي الى ان الثقافة لا علاقة لها بأي تيار ينتمي اليه المرأ و لا اي ايديولوجية يتبع . الثقافة اسلوب تعامل وفي كل الفئات المشاركة كان هناك من يجهل او يتجاهل كيف يمارس الثقافة في تصرفه الفردي.
استوقفني ان البعض جاء ليسمع صوته لأخرين دون ان يمنحهم مساواة استماعه لاصواتهم منشغلا عنهم بحوارات جانبية .. و استوقفني ايضا اننا نستخدم المصطلحات كمسميات لتجريديات ذهنية تختلف تفاصيلها بين المستخدمين و بالتالي نتداول هذه المصطلحات التي اصبحت معتادة في نقاشات الساحة دون التوقف للتفكر في معانيها الجوهرية حيث سنكتشف ان هذه المصطلحات تحمل معان مختلفة للفئات المختلفة؛ او حتى للأفراد المنتمين لنفس الفئة. وهذا الإختلاف في فهم المصطلحات هو ما يسبب اشكالية التفاهم عند الحوار.
و لعل اهم اختلاف في فهم المصطلح هو ذاك الذي يحيط بتعبير " ثقافة" ذاته . " الثقافة" هي اسلوب الحياة الذي نعتنقه فثقافة الديموقراطية غير ثقافة الرأي الواحد والقمع لغيره , و ثقافة احترام العمل غير ثقافة احترام السن او المال او النسب او الإنتماء الفئوي. و لكن "الثقافة" عندنا مصطلح اختزل معناه مرتبط بالتحصيل المعرفي المجرد وليس التطبيق في الحياة والتعامل بين الأفراد؛ بينما الحقيقة ان الثقافة ليست حمل شهادة تخصصية ولا قراءة مئات الكتب ولا تقديم برنامج تلفزيوني و لا نشر بضع مقالات او عشرات او حتى مئات منها في الوسائل الإعلامية. الثقافة هي اسلوب حياة مجتمعية تقوم على المعرفة و يسودها احترام من تتحاور معه.
في مؤتمر الأدباء سعدت بان اجدهم و اجدهن يصغون الى الكلمات المعدة بتركيز و يقدمون مداخلاتهم و اسئلتهم في ما يتعلق بذلك و حتى لو اختلفوا مع ما سمعوا لم تعل نبرة النقاش الا في احتجاج البعض المحب لإستعراضية الذاتية أو على قصر الوقت المسموح به للمداخلة .
في لقاء الحوار الفكري الذي حضره اثنان وستون من رموز الثقافة بكل تياراتها الراهنة ألمني ان ما كان غائبا في تصرفات بعض الحضور كان ثقافة الحوار. وربما لم تفاجئني الخطابية المنبرية والنبرة العالية الإقصائية والفوقية لدى البعض بقدر ما فاجأني لدى البعض انعدام التطبيق لأدبيات الحوار , حين بمجرد ما انتهى من القاء مداخلات مطولة بصورة كلمات معدة مسبقا تقدم مرئيات حددتها التيارات الأيديولوجية انصرف – أو بالأحرى انصرفت - الى حوارات جانبية مع من ابتلاه الحظ وابجدية الإسم بالجلوس بجانبه يمينا أو يسارا. وبالتالي حرم الآخرين من سماع المتكلم التالي بوضوح. وفي ذلك حكم ضمني مسبق ان رأي المتكلم الأخر لا يحمل نفس الوزن ولا يستحق ان يحترم بالإصغاء له.
. وحين يكون الهدف من عقد المؤتمرات الفكرية هو نشر "ثقافة" الحوار فإننا لا نتكلم عن الدرجات العلمية للمشاركين و لا عن مراكزهم الرسمية و لا حتى عن قرب او بعد طروحاتهم من الصحة العلمية : بل عن تعويدهم اسلوب الحوار الحضاري حيث يقدم كل مشارك رأيه بهدوء ورزانة بعيدا عن الخطابية والإستعراضية .. ويتوقع منه أيضا ان يستمع مصغيا بهدوء وتركيز لأراء الأخرين فللربما تعلم منهم شيئا.
حين نصل الى هذا المستوى الحضاري - و قد وصله بعض الحاضرين بتميز - نكون قد وصلنا الى استيعاب معنى ثقافة العمل البناء كفريق من القادرين على استشراف المستقبل .

د. ثريا العريض

4 تعليقات

  1. الفريدة من نوعها ـ الرياض10 يناير, 2010 20:16

    ويبقى السؤال :
    ماهو الهدف من المؤتمرات ؟؟؟

    ردحذف
  2. صاحب مبدأ10 يناير, 2010 20:20

    شكراً جزيلاً ... مقال هام في مرحلة هامة

    ردحذف
  3. ربيعة شاكر - المبرز10 يناير, 2010 20:28

    مصطلح هلامي والمثقفين هل هلاميون؟؟؟؟

    ردحذف
  4. محايد إيجابي12 يناير, 2010 01:02

    تحياتي للأستاذة الكاتبة

    ردحذف
أحدث أقدم