كارثة سيول وأمطار جدة، التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة قتيل، واللجنة المشكلة للتحقيق والاستقصاء، تذكرنا بكارثة ليست بعيدة عنا، حصلت عندما كنت أخدم عضواً في مجلس منطقة مكة المكرمة عام 1423 أي قبل 7 أعوام، عندما اندلع حريق في مدرسة أم سلمة المتوسطة للبنات بمكة المكرمة، توفيت فيه 15 فتاة، فقامت ثائرة الرأي العام، ولم تهدأ، تم على إثرها إقالة آخر رئيس للرئاسة العامة للبنات، وتم دمج إدارة تعليم البنات بمكة المكرمة التي كان يرأسها مع وزارة التعليم العام، وأصبح للبنات نائبة بالمرتبة الممتازة، فالأزمات تولد منها قرارات صعبة وجذرية في الإصلاح، ويقول المفكر الأمريكي نابلون هيل (كل أزمة وكل مشكلة تحمل في طياتها بذوراً للإصلاح تساوي أو تفوق مقدار الألم الذي فيها).
لا يعني أن الأزمات السعودية ليس فيها من يتاجر بالعواطف الآنية، فيطلق الوعود التي تأتي وتختفي، مثل سحابة الصيف، فبعد الحريق زار المدرسة المنكوبة عدد من المسؤولين، وتشكلت أكثر من لجنة، وسمعنا أكثر من تصريح، بوعود معسولة، أنه سيتم التخلص من جميع المدارس المستأجرة في غضون 3 سنوات فقط، بالطبع اليوم مضى سبع سنوات على الحادثة، وما زالت نسبة المدارس المستأجرة، تراوح مكانها، لأكثر من النصف في أحسن الحالات.
الثورة التي حصلت في فورة أزمة حريق المدرسة المتوسطة، أبرزت الدور المؤثر للسلطة الرابعة، وهي الصحافة، بما لها من تأثير كبير في تشكيل الرأي العام، وانعكاسات ذلك على قرار المسؤول الأول، لذلك المطلوب اليوم توجيه البركان الصحفي حول فاجعة جدة، لخدمة القضية من وجهين، الأول الاستفادة من الأزمة لصنع قرارات إستراتيجية جذرية طموحة للإصلاح، والثاني تلافي سلبية تكرار الوعود المعسولة من قبل البعض.
ينبغي ألا ننسى في زحمة الأحداث ما تعرضت له جهة عزيزة علينا وعلى كل المجتمع، وهي جامعة الملك عبدالعزيز من أضرار فادحة، قدرت بحوالي 1,6 مليار ريال، وبدون شك يستطيع قادة الجامعة السير بها نحو بر الأمان، والخروج من الأزمة أقوى وأصلب مما سبق، ومع ذلك، يجب النهوض لنجدة الجامعة العريقة، أفرادا، وحكومة، وطلبة، ورجال أعمال، وتحديث أجهزتها المتضررة، فالجامعة قلب نابض بالحياة، والحركة ونشر الوعي والتعليم والفكر وتطوير القوى العاملة الوطنية، للوقوف معها في محنتها، وتعويضها لتنهض من كبوتها، بما يكفل عودة الحياة العلمية فيها إلى مجاريها، في أقرب فرصة، فالاستثمار في التعليم حياة لا تنقطع، وينبغي للجامعة أن تستفيد من المساعدات القادمة، لتحديث البنى التحتية فيها، بما يمنع تكرار هذه المأساة لا سمح الله مرة أخرى.
طُرحِت الأسبوع الماضي، الكثير من مقترحات الإصلاح، منها ما هو إغاثي عاجل، مثل لجنة تشكيل الاستقصاء والتحقيق، والتعويضات المالية، ومنها ما هو فني وبيئي، مثل إنشاء مجرى للسيول، وتحويل المساكن من بطون الأودية، وتجفيف بحيرة المسك، وما أريد أن أضيفه هنا، يدخل في جانب الحلول الإدارية: بحيث تُعطى المجالس البلدية سلطات رقابية أكبر على مسؤولي الأمانات، وكل المشاريع الإنمائية التي تدخل الأمانات طرفاً فيها، مثل تمديدات المياه والصرف الصحي والكهرباء، وتصاريح البناء، بحيث يمكننا من محاسبة ومتابعة الأداء عن طريق هذه المجالس، التي يجب أن يكون لكل منها، جهازه الإداري المتخصص، ومقار عمل تنفيذية، وأن تكون كل مشاريع الأمانات ووعودها الإصلاحية للمواطنين تحت رقابتها، تستطيع أن تجيز أو توقف عمل كل من لا يلتزم بالمعايير المهنية والجداول الزمنية للتنفيذ.
إعطاء صلاحيات واسعة للمجالس البلدية سوف يسعد كل الأطراف ذات العلاقة، لأن الإصلاح يأتي بالتشاور، وكسر احتكار السُلطة، ولكنه بالمقابل يتطلب أن يعدل نظام المجالس البلدية، بحيث توضح حدود هذه الصلاحيات الرقابية الجديدة، وعلى رأسها منع الجمع بين رئاسة المجلس وأمانة المدينة، لأنه ببساطة لا يمكن الجمع بين السُلطة التنفيذية والسُلطة الرقابية في شخصية واحدة.
- بقلم: مازن عبدالرزاق بليلة
- صحيفة الوطن السعودية