امتدح رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي افتتحت الشهر الماضي كواحدة من أكثر جامعات العالم تطورا، بالرغم من الجدل الشرعي الذي أثارته بسماحها للاختلاط بين الجنسين في المملكة المحافظة.
وقال القرضاوي في حديث لصحيفة "الرياض" المحلية، إن الجامعة قادرة على تحفيز أبناء الأمة لمنافسة العالم الأول والثاني في مجال العلوم والتقنية الذي لاتزال أمتنا "عالة"على غيرها فيه، مشدداً على أن ذلك ليس بالمتعذّر ولا المتعسّر على أمتنا التي أسست حضارة قادت العالم لثمانية قرون متى ما هُيّئ لها السبيل وصدقت العزائم وأزيلت العوائق.
وتعد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية صرحا تعليميا هائلا بما تحتويه من مختبرات ومعامل ومكتبات صممت ونفذت على أحدث المستويات الهندسية في العالم، وتضم الجامعة أربعة مراكز بحوث علمية متخصصة تهتم بدراسة الاحتياجات الصناعية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتطوير الصناعات المستقبلية.
ويمنع الاختلاط في الجامعات السعودية بين الجنسين، وهو ما يتفق مع عادات وتقاليد المجتمع السعودي التي يشكل الإسلام الجانب الأكبر منها، لكن جامعة الملك عبد الله هي أول جامعة في المملكة تسمح بالاختلاط.
وعلق القرضاوي الذي يتمتع بشعبية واسعة بسبب مواقفه الواضحة من قضايا المسلمين لاسيما فلسطين والعراق، علق على ما يثار حول الاختلاط وما إلى ذلك داخل الجامعة، بالتأكيد على أنه لا يوجد حكم شرعي يقول حيثما وجدت المرأة يجب أن يختفي الرجل وحيثما وجد الرجل يجب أن تختفي المرأة.
وقال إن المشاركة واللقاء بين الرجل المسلم والمرأة المسلمة أمر مشروع متى ما روعي فيها الآداب والضوابط التي حرص عليها ديننا الحنيف، مؤكداً على أنه لا يوجد في تراثنا أو ثقافتنا الإسلامية شيء اسمه الاختلاط.
وأوضح في هذا الصدد أن الإسلام شرع لقاء الرجال بالنساء في مناسبات كثيرة منها في العبادة كصلاة الجماعة في المسجد حيث لم يشرع في الإسلام مسجد للنساء، وكان المسجد الإسلامي للرجال والنساء جميعاً وهذا منذ عهد النبوة حيث كانت النساء يصلين مع الرجال في مسجد واحد ولا يوجد بين صفوفهم أي فاصل.
وتابع "هنالك أيضاً اللقاء المشترك في الحج والعمرة برغم ماقد يكون فيهما من زحام، وأيضاً صلاة العيد التي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل منها مهرجاناً إسلامياً يشترك فيه الرجال بالنساء، وأيضاً اللقاءات المشتركة في دروس العلم حيث كانت النساء يشهدن الدروس النبوية في المسجد، ويسألن أحياناً فيما يخصهن من أسئلة ربما يعتبرها بعض الناس اليوم جريئة أو غير لائقة.
واستشهد القرضاوي بحديث لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت فيه "رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين"، مضيفاً أن الرجال كانوا يحضرون مع النساء في مناسبات اجتماعية شتى كما ثبت ذلك في السنة النبوية الصحيحة التي أحصى الباحث الإسلامي عبدالحليم أبو شقة الكثير منها في كتابه (تحرير المرأة في عصر الرسالة).
وتمنح الجامعة درجات علمية في الدراسات العليا فقط إذ ستكون خطة الأبحاث هي أساس البرامج التعليمية على مستوى درجتي الماجستير والدكتوراه في 11 مجالا دراسياً هي: الرياضيات التطبيقية وعلوم الحاسوب، والعلوم البيولوجية، والهندسة الكيميائية والبيولوجية، والعلوم الكيميائية، وعلوم الحاسوب، وعلوم وهندسة الأرض، والهندسة الكهربائية، والعلوم والهندسة البيئية، والعلوم والهندسة البحرية، وعلوم وهندسة المواد، والهندسة الميكانيكية.
وأشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في معرض تصريحه حول الجامعة الجديدة إلى أن تخصيص الجامعة للدراسات العليا يعني أن طلابها وطالباتها قد تجاوزوا مرحلة المراهقة وما بعدها ونضجوا من ناحية السن والمعرفة وغالبيتهم متزوجون ومتفوقون ويطمحون للحصول على الماجستير والدكتوراه ولا همّ لهم إلا المكتبة والكمبيوتر مايعني أنهم بعيدون عما يثار.
وكان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز أقال الشهر الماضي الشيخ سعد بن ناصر الشثري من منصبه كعضو في هيئة كبار العلماء بالمملكة، فيما ترددت أنباء عن أن الشثري هو من طلب الاستقالة بعد ظهوره في قناة "المجد" التلفزيونية، في حديث انتقد فيه السماح بالاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مثيراً عاصفة من الجدل في الأوساط الإعلامية السعودية.
وتعرض حديث الشثري لانتقاد إعلامي عنيف بدأه رئيس تحرير صحيفة "الوطن" السعودية الأكثر ليبرالية بين صحف المملكة جمال خاشقجي الذي انتقد كلام الشثري، متهماً قناة المجد التي استضافته بـ"فتح باب الفتنة والتشويش على الجامعة"، بعدها توالت المقالات الصحافية الناقدة للشثري في عدد كبير من الصحف السعودية والعربية، معتبرين أن القناة والشيخ الشثري تجاهلا الدور العلمي للجامعة وركزا على أمر آخر ليس ذا أهمية، "وهذا يقود للفتنة ضد الجامعة".
وأمام هذه الحملة العنيفة ضده، رد الشثري بالقول أن ما نُقل على لسانه حول الاختلاط تعرض للتحريف والتزوير، مؤكداً دعمه للجامعة، وتحدث في ردّ أرسله للصحف والمواقع الإلكترونية عن إيمانه "بعظم دور هذه الجامعة وعظم الأهداف التي أنشئت لأجلها".
وفي أحدث ردود الفعل في القضية، هاجم هاكرز "مخترقو مواقع إلكترونية" أمس السبت موقع صحيفة "الوطن" السعودية وأغلقوا الموقع دفاعا عن الشيخ الشثري، ووضعوا عبارة "لا إله إلا الله" فوق صورة للشثري، وكتبوا تحتها "مع مشايخنا يا معشر النشاز، سماحة الشيخ سعد بن ناصر الشثري".
وأكد القرضاوي في ختام تصريحه على ضرورة الحفاظ على الآداب والتقاليد الإسلامية داخل هذه الجامعة كالالتزام باللباس الشرعي وعدم التهاون في كشف الرأس أو الذراعين أو شيء من الساقين بالنسبة للمرأة، وأن تغطي جميع جسمها بملابس لاتشف ولاتصف ماعدا الوجه والكفين، ومن أرادت أن تغطي وجهها فذلك من حقها مع وجوب الامتناع عن التبرج بكل صوره داخل الجامعة، إلى جانب منع الخلوة بين الجنسين باستثناء الحديث بينهما علناً في القضايا العلمية أو الاجتماعية فلا حرج في ذلك كما كلّم سيدنا موسى الفتاتين في مدين وكلمتاه وكما كلّم سيدنا زكريا مريم كلما دخل عليها المحراب ولم يكن مَحْرَمَاً لها، كما دعا القرضاوي إلى منع التلاصق بين الطلاب والطالبات بمعنى إذا كانت هنالك محاضرة مشتركة يكون للبنين صفوفهم وللبنات صفوفهن مع التشديد في ذلك من البداية.
ويمثل مشروع الجامعة الذي أقيم في مركز ثول على ضفاف البحر الأحمر بالقرب من محافظة جدة بتكلفة عشرة مليار ريال وعهد بتنفيذه لشركة أرامكو السعودية على مساحة 36 مليون متر مربع وشاركت في وضع تصاميمه الهندسية مجموعة من الشركات المحلية والعالمية ، طرازاً متناسقاً بين العمارة التقليدية والتصميمات العصرية التي وضعت للمحافظة على كفاءة استخدام الطاقة والحد من الآثار البيئية الضارة.
وامتدح علماء دين سعوديون كثر مثل إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس والمشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" الشيخ سلمان العودة، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي افتتحت مؤخرا غربي المملكة، معتبرين أنها جاءت في حقبة سلاحها العلوم والمعارف، دون أن يتطرقوا لمسألة الاختلاط فيها والتي أثارت جدلا كونها أول جامعة سعودية تبيح الاختلاط بين الجنسين في المملكة المحافظة.
بقلم قحطان العبوش – أرابيان بزنس في يوم الأحد, 08 نوفمبر 2009
شي طيب
ردحذف