يُحدث الركود الاقتصادي تغييراً دائماً في بيئة وسائل الإعلام، مع بروز ضغط متزايد على الصحف والمجلات. فقد انخفض إجمالي إيرادات الإعلانات في العام 2008، فيما سجّلت الصحف، والمجلات الاستهلاكية، والمطبوعات المخصصة للمؤسسات انخفاضاً في الإعلانات المطبوعة أكثر بمرتين إلى ثلاث مرات.
وبحسب دراسة أعدّتها شركة بوز أند كومباني، فبفضل الخطوات الجريئة المتّخذة لتعزيز الابتكار وتفعيل إدارة أكثر جرأة للتكلفة على أساس إستراتيجيات نجاح جديدة، قد تستطيع المؤسسات الإعلامية أن تستعد لمستقبل أفضل.
هناك قوتين رئيستين تلغيان ربحية الإعلام المطبوع. الأولى هي التغيير المستمر في مجالات الإنفاق التي يركز عليها المسوّقون - بعيداً عن الإعلانات المدفوعة لصالح أولويات أخرى كالإعلانات من خارج الميزانية، ما سيمثل الكمية الرئيسة من الإنفاق التسويقي عند تعافي الاقتصاد. أمّا التوجّه الثاني الطويل المدى الذي يطيح بربحية المطبوعات، فهو ولادة وسائل الإعلام الرقمية.
أصبح على وسائل الإعلام المطبوعة أن تواجه اليوم مجموعة واسعة من المنافسين، بما في ذلك مواقع التشبيك الاجتماعي، والمذكرات على إنترنت (blog) ووسائل الإعلام الاجتماعية.
وبحسب غابرييل شاهين، شريك في بوز أند كومباني، "لم تكن الخطوات التي اتخذتها وسائل الإعلام المطبوعة لتوسيع حصتها من ميزانيات التسويق والنجاح في البيئة الرقمية الجديدة فعالة، كفرض التكلفة على محتواها الإلكتروني أو الانتقال كلياً إلى شبكة إنترنت من دون فرض تكلفة".
فتأمين المحتوى بشكل مجاني على شبكة إنترنت مع الاستمرار في بيع النسخة المطبوعة قد يكون أفضل طريقة متوفرة حالياً، غير أنها لا تساهم في تغيير التوجّه الحالي نحو الإيرادات والربحية المنخفضة.
أمل يلوح في الأفق
توجد طريقة متاحة أمام الوسائل الإعلامية المطبوعة كي تتأقلم مع نماذج الأعمال الخاصة بها للنجاح في البيئة الرقمية التسويقية الجديدة، وذلك من خلال أربع إستراتيجيات كحدّ أدنى:
1. تعميق العلاقات مع القراء حول مجالات الاهتمام المستهدفة.
2. التركيز على تدفق الإيرادات خارج إطار التسويق والتداول.
3. إعادة تصميم نموذج تقديم المحتوى (مع تركيز خاص على تخفيض التكاليف) والتشديد على "المضمون الربحي" لمادة تحريرية فريدة وتعكس الماركة.
4. ابتكار منتجات جديدة ونماذج تحديد الأسعار.
ويقول شاهين: "كلّنا ثقة بأن الشركات التي تنفذ هذه الاستراتيجيات الأربع قد تحقّق مستقبلاً زاهراً في حال استفادت إلى أقصى حدّ من هذه الفرص، مع الاستمرار في التركيز على مكامن القوة التقليدية لديها ".
1. تعميق العلاقات
أن المسوّقين الرائدين يعون قوة الإعلام الرقمي في إطلاق التواصل مع المستهلكين. وتنفق الشركات التي تقدم عروضاً تسويقية إلكترونية لسلع معينة كالمواقع الإلكترونية والتطبيقات الجوالة المزيد من المال على هذه العروض مقارنة مع إعلانات رقمية أخرى. وغالباً ما تُصمَّم هذه الوسائل الإلكترونية التسويقية لسلع معينة لجذب مستخدمين مسجَّلين: توسيع قاعدات البيانات الخاصة بالمسوقين وتمكينهم من استهداف أفضل للرسائل والعروض التسويقية.
وتتمتع وسائل الإعلام المطبوعة بعلاقة مميزة مع قرائها الذين يثقون بمحتوى المطبوعات ويقدّرون مصداقيتها. ويمكن للمواقع الإلكترونية ذات النوعية العالية أن تمكّن الوسائل الإعلامية المطبوعة من تطوير علاقة وثيقة مع قرائها: يصبح المستهلكون أكثر التزاماً ورغبةً في تسجيل وتبادل البيانات الشخصية لقاء عروض مخصّصة لهم.
ويعتبر شاهين أن "العروض المبنية على التسجيل تؤمن فرصاً لتعميق الالتزام مع المشتركين. فعلى هذه العلاقات المسجّلة والإيرادات بحسب اسم المشترك أن تكون بمثابة مقاييس رئيسة لتقييم أداء الموقع الإلكتروني". وعلى وسائل الإعلام أن توجّه المستهلكين من المحتوى العام لموضوع معيّن إلى محتوى مرتكز على المهمة من أجل تقييم قرارات الشراء لديهم، ما يخلق فرصة مربحة للأطراف الثلاثة: المؤسسات الإعلامية، وجمهورها، والمسوّقين.
ويكمن تحدي المؤسسات الإعلامية في كيفية زيادة عروض محتوى جديدة وموجّهة للمستهلكين، من دون أن تتخطّى التكاليف المضافة لخلق المحتوى والصعوبة التنفيذية الإيرادات التدرّجية التي يمكن تحقيقها. وقد حاولت بعض المؤسسات الإعلامية أن تعزّز قيمة الإعلانات الإلكترونية للماركة من خلال توجيهها نحو فئات هدف من الجمهور.
فيمكن للمحتوى الهدف المعني أن يستقطب ارتفاعاً بنسبة 20 إلى 30% على التسويق في مواقع عشوائية بالنسبة للموقع الإلكتروني للمؤسسة الإعلامية، وذلك بناء على خبرة بوز أند كومباني في مجال جهود فعالية مبيعات الإعلانات الرقمية.
غير أن شاهين يوضح أن "القليل من المؤسسات الإعلامية قادر على تقديم ما يكفي من المطبوعات الهدف، ولذلك، عليها اللجوء إلى برامج "القيمة المضافة" أكثر تكلفة وتعقيداً على مستوى التنفيذ، وذلك من أجل تنافس أفضل مع بوابات إلكترونية أخرى تقدّم خدماتها لجمهور أوسع وبتكلفة أقلّ".
2. التركيز على تدفقات جديدة للإيرادات
خلال السنوات المقبلة، ستنتج غالبية الإيرادات الرقمية في المؤسسات الإعلامية عن الإعلانات والرعاية. غير أن زيادة الإيرادات بحسب اسم المستخدم المسجل قد تضطلع بدور حيوي في إيجاد تدفقات للإيرادات وتحقيق نمو إجمالي للخل بشكل أسرع. ويمكن للمؤسسات الإعلامية أن تستمر في ملاحقة هذين المصدرَين للإيرادات في الساحة الرقمية مع الاعتراف بوجود حدود لحجم الجمهور الذي يمكنها استقطابه في حال فرضت تعريفة على المحتوى على المستهلكين.
وقد أفادت دراسة أجرتها بوز أند كومباني في العام 2008 بالتعاون مع American Business Media (ABM) وهي جمعية التعاملات التجارية لشركات الإعلام والمعلومات، بعنوان "خارطة طريق لنمو مربح في الإيرادات"، أن أعضاء ABM يتبعون مسارَي تحوّل قابلَين للاستمرار. يتمحور المسار الأول حول إعادة تصميم نموذج الطباعة على أساس مجموعة أوسع من الحلول والخدمات التسويقية، فيما يقوم المسار الثاني على تقديم محتوى نوعي للتعامل التجاري وتطبيقات تركّز على حاجات تدفق الأعمال لدى المتخصصين، وإمدادهم بأخبار ومعلومات متخصصة.
ويساهم توفير الحلول التسويقية في تمكين المؤسسات الإعلامية من التركيز على ميزانية تسويقية أوسع، مع الفوز بحصة أكبر من الميزانية الإعلامية المدفوعة. وتؤمن شبكات البحث والإعلانات المدفوعة طريقة فعالة على مستوى التكلفة بالنسبة للمسوّقين من أجل توجيه الجمهور نحو وسائلهم الإلكترونية التسويقية لسلع معينة. ويوفر بناء مجموعة أوسع من الحلول للمسوّقين فرصة للمؤسسات الإعلامية للتنافس أكثر بحسب قوانينها الخاصة مع شبكات البحوث والإعلانات. فيمكنها تعزيز علاقة أكثر التزاماً مع جمهورها، والحصول بالتالي على معلومات أعمق عن تصرف المستهلك، وتعزيز قدرتها على مستوى تطوير المحتوى الذي يصل إلى المستهلكين ويخدم مصالحهم. ويضيف شاهين: "ويتمتّع الناشرون أيضاً بفرصة لجذب إنفاق المسوّق من خلال الإعلانات المدفوعة في وسائل الإعلام لمساعدة المسوّقين على بناء ماركاتهم التجارية، ومن خلال الحلول التسويقية التي تساعد المسوّقين على بناء وسائل إلكترونية تسويقية لسلع معينة خاصة بهم".
ويمكن للمؤسسات الإعلامية الاستهلاكية أن تتبع مسارات تحوّل تركّز على تدفقات جديدة للإيرادات تنتج عن القراء بدل من أن تنتج عن المسوّقين. لكن هذا التحدي أكبر، فالقراء يدفعون لقاء المحتوى الذي يصعب إيجاده في مكان آخر، والذي يصعُب تقليده أو نسخه. وقد تخطّت بعض المطبوعات الاستهلاكية تردد المستهلكين من خلال تطوير مصداقيتها بواسطة بحوث فريدة لا يمكن إيجادها في مكان آخر على شبكة إنترنت. وقد تجد المؤسسات الإعلامية أيضاً طرقاً جديدة لتكوين ماركة خاصة بها كمراكز موجّهة بحسب المجتمع أو البيانات، وتفرض تكلفة لقاء فوائد إضافية توفر على الناس الوقت وتساهم في بناء شبكتهم وهويتهم الاجتماعية.
3. إعادة تصميم نموذج المحتوى
تحتاج وسائل الإعلام المطبوعة إلى تخفيض كبير لتكاليفها من خلال أعمال مستهدفة تغيّر نظرتها لتطوير المحتوى. فعليها أن تركّز الموارد على "مضمونها الربحي" وتعيد الانطلاق من هنا. تلك هي مجموعة المحتوى المطبوع والرقمي الذي يحرّك التزام الجمهور بميادين اهتمامات محدّدة. وحدها أصول المحتوى الخاصة تلك قادرة على تمكين المؤسسة الإعلامية من بناء "الحق بالربح"، والتنافس مع المسوّقين، والمحتوى الذي يعدّه المستخدمون، ومؤسسات إعلامية أخرى.
ويتطلّب تحديد المضمون الربحي التفكير في طبعات المنشورات وإلغاء الأقسام التي لا تستقطب الكثير من القراء ولا تساهم في تحقيق إيرادات إعلانية.
ويشمل ترشيد الجهود التركيز على مجموعة محدّدة من الصفحات الإلكترونية، ورصد مستمر وتقييم لميادين التركيز من أجل خدمة مربحة لمجالات الاهتمام المختارة. وعلى وسائل الإعلام المطبوعة أن تستكشف أيضاً طرقاً جديدة لمواءمة تكلفة المحتوى مع الإيرادات التي يتم تحقيقها انطلاقاً من هذا المحتوى.
ومن الضروري مواجهة بعض المجالات الدقيقة في عمليات الوسائل الإعلامية المطبوعة، لتأمين تقاسم أفضل للمحتوى بين مطبوعات شقيقة، ودمج غرف الأخبار والمحررين في المطبوعات، وإعداد قدرات تحريرية مركزيّة، أو خارجية، أو مُعهَّدة.
ويقول شاهين: "قد تحتاج بعض المؤسسات إلى النظر في إمكانية تغيير موقعها الجغرافي ذات التكلفة العالية في المدن الكبرى وإلغاء هياكل الإدارة الباهظة الثمن. وتُعتبَر المقاييس الجديدة لتحديد دخل الصحافيين دقيقة، خاصة فيما تكافح بعض الوسائل الإعلامية المطبوعة للاستمرار".
وأخيراً، على المحرّرين أن يستفيدوا من المحتوى الصادر عن المستخدم بدل أن يتجنّبوه.
4. ابتكار منتجات وطرق تحديد الأسعار جديدة
من الواضح أن هناك أعداد كبيرة من المستهلكين الذين يستخدمون هواتف ذكية أو أجهزة أخرى توفر نفاذاً إلى شبكة إنترنت، وهم يتوقعون طريقة تقديم جديدة وملائمة للمحتوى. وقد اعترفت وسائل الإعلام المطبوعة بهذا الواقع.
واليوم، يستمر هؤلاء المطورين باختبار أجهزة رقمية جديدة بالإضافة إلى عروض نوعية كالرسائل الإلكترونية وخدمات التنبيه والمحتوى القابل للتحميل. وسيتم تعزيز الابتكار من خلال فك الحزمة الإلكترونية للمحتوى وتقديم خدمة مميزة لمجالات الاهتمام المستهدفة. و
يوضح شاهين في هذا الإطار: "أن بناء مجالات الاهتمام هذه لا يعني تأمين المحتوى نفسه بأشكال جديدة فقط، بل استخدام تطبيقات إلكترونية وجوالة، وغيرها من الأجهزة الجديدة بهدف زيادة استعداد المستهلك لتسجيل نفسه أو لدفع تكلفة لقاء المحتوى". فوحدة المحتوى والتطبيقات هي في صلب الابتكار الرقمي.
ومن بين مجالات الابتكار هذه، اكتسب الفيديو الرقمي اهتماماً متزايداً - نتيجة تفضيل المعلِن للفيديو كجزء من الاستثمارات لبناء الماركة. ومن الواضح أن الفيديو الرقمي فعال على مستوى زيادة التزام الجمهور، كما أن المسوّقين يعتبرونه جزءاً رئيساً من جهودهم الإعلامية لتسويق السلع.
وفي الوقت عينه، تحتاج الوسائل الإعلامية المطبوعة إلى تحقيق توازن بين خطر انتقال الجمهور إلى خدمات ذات تكلفة منخفضة، مع تسجيل مستهلكين جدد أو زيادة عدد المستهلكين الحاليين.
وبحسب شاهين، "أن المعلومات المعمقة ذات الصلة باهتمامات الجمهور واستعداده للدفع، بالإضافة إلى تحليل دقيق لمزايا التكلفة هي خطوات ضرورية من أجل توجيه جهود الابتكار في المستقبل وتحقيق الفائدة الفضلى من عمليات المبادلة لتحديد الأسعار".
القيام بالخطوات الضرورية
أن الهدف من إستراتيجيات النجاح الأربع هو بناء علاقات أقوى مع الجمهور تتمحور حول مجالات اهتماماته. فمن خلال ابتكار جريء، يمكن للشركات الإعلامية أن تبني مجتمعات حول هذه المصالح، وتقدم المزيج الصائب من المحتوى والتطبيقات لتأمين مرافق فعلية للمستهلكين.
ويواجه المديرون التنفيذيون في المؤسسات الإعلامية التحديات نفسها التي تواجهها وكالات الإعلانات: فالبيئة الإعلانية والإعلامية المتطوّرة تشكّل ضغطاً على هذه المؤسسات من أجل الابتكار والتطوير، وألاّ واجهت خطر الاندثار. تتطلب الإستراتيجيات التي تؤدي إلى نجاح الوسائل الإعلامية قدرات جديدة. وبهدف اكتساب هذه القدرات وتحسينها، ستحتاج مؤسسات إعلامية عدة إلى عقد شراكات مع غيرها من المؤسسات.
لطالما كانت الفرص أمام الصحف والمجلات نادرة. وقد يؤدي الابتكار والإدارة الفعالة للتكلفة اليوم إلى مستقبل مشرق لوسائل الإعلام سيكون.
بقلم أريبيان بزنس-بوز أند كومباني في يوم الأربعاء, 18 نوفمبر 2009