مواقع التعارف الإلكترونية بين التأييد والتحريم


large_71716_46693 لا تجد "هند" وهي شابّة سعوديّة طَموحة حرجًا في الحديث إلى وكالة أخبار المجتمع السعودي عن إحدى حكاياتها مع عروض العلاقات الجنسيّة المحرّمة التي تلقّتها عبر موقع من مواقع الزواج حيث تقول: "قمت بالاتّصال برقم جوّال صاحب العرض لشتمه وتأديبه - حسب تعبيرها - لكنّه طلب منّي أوّلاً سماعه ثمّ قول ما أشاء. ثمّ شرح لي أنّه كان يختبر جديّتي قبل التقدّم إليّ بعرض زواج حقيقي! في النهاية رفضتُ طلبه لفارق السنّ على الرّغم من أنّنا بقينا صديقين كما أنّه خدمني في بعض الأمور من خلال خبرته الكبيرة، ولم أقطع علاقتي به".

"هند" هي نموذج لعدد كبير من الفتيات المستخدمات لمواقع التعارف الإلكترونيّة المنتشرة على الشبكة واللــــواتي يصادفن الكثير من المواقف، أكثرها يتعرّضن لها بسبب إفصاحهنّ عن معلومات شخصيّة مهمّة عن حسن نية، أو لهدف معيّن، لكن طبعًا لا يأتي الردّ في غالبيّته بما يناسب. الفتيات السعوديّات على وجه الخصوص لا يختلفن كثيرًا في تعاملهنّ مع هذه المواقع عن غيرهنّ من شقيقاتهنّ في العالم العربي، بل إنّ أكثرهنّ يجدن في مواقع التعارف مجالاً لتخطّي الحرج وقيود العادات والتقاليد والرغبة في التعرّف إلى الآخر عن كثب، وهي أكثر الأسباب التي يقلنها عند سؤالهن عن ذلك.

- أشهر المواقع:

  428p يعتبر موقع  "فايس بوك" من أشهر المواقع منذ إطلاقه عام 2004، حيث شكّل بيئة تعارف اجتماعيّة متطوّرة خصوصًا في بناء العلاقات والصداقات والتعرّف إلى الآخر. هذا الموقع الذي أصبح هدفًا لأكثر من 23 مليون شخص من الجنسين، اعتُبر وسيلة تواصل ممتازة بين فئة الشباب على وجه الخصوص، حيث وجدوا فيه فرصة للاقتراب من الآخر وتقديم الذات بطرق عديدة، وأصبح متصفّح هذا الموقع والمشترك فيه يلمح أشهر الشخصيات العالمية. قيمة الموقع  نفسه بنحو 15 مليار دولار. أمّا في السعودية فقط فإنّ عدد المشتركين في "فايس بوك" يتجاوز الـ231 ألف مشترك، منهم أكثر من 19 ألفًا تحت سنّ الثلاثين. وتبلغ نسبة المشتركين من الذكور 62 في المئة تقريبًا، ومن الإناث 38 في المئة حسب إحصائية نشرها الموقع نفسه وأكّد فيها أنّ مشاركة السعوديّين توسّعت بعد إطلاق النسخة العربيّة.

- لماذا الإقبال على هذه المواقع؟

   من المؤكّد أنّ "فايس بوك" ونظراءه مثل "تويتر" وغير ذلك من المواقع المشابهة وفّرت بيئة خصوصيّة جيّدة للمشتركين فيها مع منحهم التحكّم الكامل في عرض ما يريدون إتاحته للزوّار وكذلك منحهم الأمان الإلكتروني والمحافظة على السريّة، لذا جاء الإقبال الكبير على هذه المواقع لأسباب متنوّعة تختلف طبعًا من مشترك لآخر. ففي تقرير لصحيفة "الرياض" السعودية،  تأكيد من ألسنة الشرائح المشاركة على أنّ من أهمّ الأسباب اعتبار البعض - من الجنسين طبعًا- الـ"فايس بوك" وغيره أمرًا شخصيًّا للغاية يتيح لهم ولهنّ حريّة التعبير والنشر والتعرّف على الآخر عن كثب، الأمر الذي جعلهم يقضون أوقاتًا طويلة في البحث والتعارف والمنافسة بين المجموعات. تقول منى ( 19 عامًا): "لديّ على موقع الفايس بوك صفحة خاصّة أعتبرها شخصيًّا منزلي الآخر الذي أرتبط فيه مع الناس وأقضي فيه ساعات طويلة في البحث والتعارف والمنافسة بين المجموعات، ولديّ أيضًا مجموعة خاصّة ننشر فيها آراءنا تجاه مشكلات نعانيها نحن الفتيات، وأصبحت أنا وزميلاتي لا نخجل من نشر صور خاصّة بنا عن حياتنا كصور غرفتي وحديقتي والحفلات التي نقيمها مع عائلتي ورفيقاتي والموديلات الحديثة ولا أجد الحرج في ذلك".
من المؤكّد أكثر أنّ هناك من وجد فرصة لبناء علاقات شخصيّة وإنسانية والتواصل عن بعد بطريقة آمنة وسهلة، وإن الكثير من الشباب والشابات لم يتردّدوا في  إتاحة الفرصة للآخرين للإطلاع على معلومات بعضها خاص جدًّا مثل تفاصيل من حياتهم "الخاصّة " مع إضافة الصور وبعض مقاطع الفيديو.
- التعارف بهدف الزواج وبناء العلاقات الجِديّة:

من ناحية أخرى، تبدو أكثر جديّة وجرأة، تأتي مواقع التعارف بهدف الزواج - قرابة الـ100 موقع على الأقل - لتستقبل الكثير من الراغبين من الجنسين الذين يهدفون إلى اختيار الشريك الآخر. وعلى الرّغم من تحقّق نسبة لا بأس بها من الزّواج على الإنترنت، إلا أنّ الأمر في هذا المنحى لم يخلُ - وهو أمر متوقّع - من سلبيّات تتعرّض لها المشاركات في هذه المواقع على وجه الخصوص مثل الدعوات لإقامة علاقات غير شرعية والإغراء بالمال والتعرّض للنّصب والاحتيال وكذلك التّشهير والابتزاز. وقد سبق للكثير ممّن شاركن في هذه المواقع أن روَين عدّة حكايات لوسائل إعلام مختلفة عن تعرضهنّ للكثير من العروض تدعوهنّ إلى المحرّمات.
تقول هدى: "هذه العروض تواجهني بكثرة، لكنّ التجاهل سلاح فعّال في مواجهتها وما زال لديّ أمل كبير في الحصول على الزّوج المناسب من خلال هذه المواقع التي أعتبرها مناسبة جدًّا. فأنا من عائلة محافظة، وفرص الزّواج في عائلتنا ضئيلة، وقد تجاوزت الثلاثين ولم يعد لديّ وقت لانتظار عريس يكتشفني وأنا محاصرة بين أربعة جدران في منزل أهلي، فكيف يمكنني أن أجد زوجًا بغير هذه الطريقة؟ إحدى صديقاتي تزوّجت العام الماضي بالطريقة نفسها والآن هي تنعم بحياة سعيدة".
فيما تقول إحداهنّ: "عرض عليّ أحدهم مبلغ 5 آلاف ريال مقابل كلّ ساعة أقضيها معه، وحين استدرجته بالكلام موهمة إيّاه بأنّني موافقة على العرض إكتشفت أنّه أربعيني ومتزوّج وصاحب وظيفة مرموقة، لكنّه اعتاد على العلاقات المحرّمة، وهو مسجّل في معظم مواقع الزواج، لكنّني استطعت التهرّب منه بعد فترة من المحادثات عبر الإنترنت من دون أن ينال مراده. صدّقوني، من المستحيل أن تتزوّج بنات العائلات المحترمة بهذه الطريقة".
تقول إعلاميّة معروفة لـ"إيلاف" حول هذا الموضوع: "أكثر الباحثات عن الزواج بشكل جدّي عبر هذه المواقع هنّ شابات تخطّين الثلاثين وأصبحن مهدّدات بالعنوسة، فأصبحن يعرضن أنفسهنّ بطريقة أو بأخرى، ولا يمكن لنا لومهنّ حيث أنّ قطار الحياة يسير سريعًا. هنّ يواجهن صعوبات تعيق الحصول على حياة حقيقية أبرزها عضل البنات وهو منتشر لدينا، وكذلك غلاء المهور وعدّة أسباب أخرى. تذكّروا أنّ في السعودية ما يزيد على المليوني عانس إضافةً إلى ارتفاع مؤشرات الطلاق بصورة مخيفة جدًّا، فتلجأ المطلّقة أيضًا إلى هذه المواقع للبحث عن فرصة جديدة في حياة قاسية من دون التعرّض للحرج".

- محاذير عرض المعلومات على مواقع التعارف:

لا توجد أيّ حماية على المعلومات المعروضة عبر هذه المواقع. يقول أحد الخبراء التقنيين: "إنّ هذه المواقع يمكن اختراقها بسهولة، لذا يجب على من يُدخل معلوماته أن يدخلها بحذر لأنّ التقنيّة سلاح ذو حدّين، حيث يمكن الاستفادة منها بشكل إيجابي في التّعارف وتبادل الأفكار والمعلومات، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أنّ أيّ معلومات يتمّ وضعها على الشبكة يمكن أن يراها الناس في أي مكان في العالم ويمكن استخدامها بطريقة مسيئة".
كانت "العربية نت" نقلت في وقت سابق عن عدد من الباحثين قولهم: "هناك صفحات بروفايل عبر الموقع لفتيات سعوديّات يعرضن صورًا فاضحة إمّا لهنّ أو مختارة، ويمارسن سلوكيّات سيئة جدًّا بعدما تتطوّر علاقاتهنّ عبر تلك الصفحات إلى اتّصالات عبر كاميرات الويب أو المحادثات الفورية أو عبر الجوّال، وهناك صفحات خاصّة بالعلاقات الجنسيّة الشاذّة". 
الجانب الآخر، كما يرى بعض الباحثين الاجتماعيين، هو أنّ هذه المواقع قد تؤدّي إلى ما يعرف بإدمان الإنترنت والعيش في عالم خيالي سلبي، إضافة إلى اضمحلال الخجل والخوف لدى الكثيرين من مستخدمي ومستخدمات هذه المواقع. ومعظم النصائح التي يوجّهها هؤلاء الخبراء في هذا المجال لا تتعدّى النّصح بحضور دورات تدريبية ومحاضرات للأسرة وللأبناء لاستيعاب هذه التجربة ومعرفة آلية الاستخدام الأمثل لها وتهيئة المجتمع لاستقبالها".

- بين مطالبات الحجب والمدافعة:

كان الشيخ الداعية علي المالكي من أوائل من طالبوا بحجب مواقع التعارف وخصوصًا موقع "فايس بوك" حيث قال: "الفايس بوك وسيلة من وسائل التغريب لإفساد شباب الأمّة، ومن باب الشهوات وليس الشبهات، لأنّ الشبهات هناك من يستطيع أن يردّ عليها من العلماء والمشايخ ويردّون على أصحابها، كما أنّ الفتاة  أو الشاب ينفقان على الجوّال والإنترنت أكثر ممّا ينفقانه على مأكلهما أو مشربهما". فيما قال الشيخ عبد المحسن العبيكان عن مواقع الزواج على الإنترنت: "إذا كان الهدف منها العمل كوسيط للتّوفيق بين طلبات الراغبين في الزواج من الشباب والشابات فهذا يعتبر جائزًا شرعًا على أن يتمّ عقد الزواج على يد المأذون أو القاضي وبوجود الشهود وأولياء الأمور، كما يجوز أن تكون هناك محادثة بين الطرفين عبر غرف الدردشة ومن دون النّظر إلى ما إذا كانت بغرض الزواج لكن بشرط ألاّ يكون في الكلام استمتاع أو شهوة أو خضوع لقول (( ولا تخضعنّ بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا))". حول الموضوع نفسه تقول الصحفية هداية درويش: "الفايس بوك بات ظاهرة إعلامية على شبكة الإنترنت، لكنّ قرار حظره لا يعني إزالة هذا الخطر عن فتياتنا، فسرعان ما نقرأ عن مواقع مشابهة. الجميع في المملكة يعتزّ بدينه الذي هو عصمة أمره، لكن لا يعني ذلك أن ننظر إلى الفتاة التي تستخدم الإنترنت بنظرة قاصرة، فليست كلّ البنات سواسية، ولسن كلّهنّ منحرفات".

- جوانب إيجابيّة جدًّا:

   الكثيرون من المدافعين عن هذه المواقع يرَون أنّ هناك إيجابيات كثيرة للاستفادة منها مثل التواصل مع أقاربهم في بلاد أخرى بصورة مجانيّة، وكذلك النشر الدعوي مثل تنظيم الحملات التعريفية بالإسلام وعمل الحلقات والمجموعات للدّفاع عنه حيث توفّر هذه المواقع بيئة رائعة تصل إلى ملايين الناس من دون جهد  يذكر. الكثير من تلك الحملات كان جادًّا ورصينًا وبعضها رسائل احتجاج ضاحكة لكنّها تخفي وراءها رسالة واضحة، ومن أبرز ما نُظّم  نذكر حملة "حجابك عفافك" و حملة "صلاتي نجاتي" و"خلّوها تصدي" و"خلوها تعنس" و"حملة تأنيث محال الملابس النسائيّة" التي كان الهدف منها مقاطعة محال بيع ثياب النساء الداخلية التي يعمل فيها الرجال، حيث تجاوز عدد المنتسبات للحملة الـ1500 سيدة وشابة.

  • صحيفة إيلاف الإلكترونية ـ محمد عطيف من الرياض

إرسال تعليق

أحدث أقدم