” أحمد إبراهيم ” يبرز أروع كتاباته : ميقاتِي ميقاتُكِ يا لبنان


المسافةً بين حرفى “ألِف” الإنسان و”باءَ” بيروت لم تعُد كما هى بين “ألِف وباء الجار والدار”، بعد أن دخل على الخط حرفَ “الميم” بدءاً بميم “مرفأ” بالتفجيرات، وصولاً على ميم “ميقاتي” بالطّموحات.. طبعاً – ودون توقّفٍ على ميم مازوت ومولّدات الكهرباء!

ميقاتِي وميقاتُك!

“الميقات” مفهومه العام، هو ظرفُ مكانٍ لمواقعَ يرتادوها الحُجّاج والمُعتَمِرون، يخرجون منها مُحرِمين مُلَبّين إلى البيت القصيد “بيت الله الحرام”

ميقاتُ اللبنانيين المرجوّ هذا العام، إن خرجوا منه مُحرِمين ملَبّين للبيت اللبناني الموحّد، بعد 13 شهراً بلا إحرام ولا تلبية، فلا مواقيت ولابيت منذ عصرِ (الثلاثاء 4 أغسطس 2020) .. المشتَهر عصرَ “هيروشيما لبنانية” المولودِ عصرَ يومذاك قيصيرياً على العنبر رقم12 في مرفأ بيروت.!

الشعب اللبناني، هذا الشعب المطحون بالحروب الأهلية والطّائفية والحِزبية منذ خمسة عقود .. شعب الكرم والجود والابتسامة على الشّفاه في أضواء القنابل والمتفجّرات، شعبَ الكفاح والنّجاح دون اللّقاح!

وبيروت، عروسةَ العواصم العربية يوماً، بيروتُ سويسرا وباريس العربِ يوماً، بيروتُ قلعة الثقافة والحضارة والفن، ودُور العِلم والنّشر إلى اليوم.. بيروتُ بوّابة الجامعات المفتوحة دائماً لمن أراد الدّرجات العلمية، وهو في صومعته وكنيسته، في مسجده ومحرابه، أو حتى في مصنعه ومزرعته!

– أولى بهذه العاصمة أن تُستضافَ اليوم من العواصم العربية كلِّها شرقاً وغرباً، ومن الخليج إلى المحيط

اليومَ يُرى نعم، وبعد غفوةِ عامٍ من فاجعة الرّصيف- يُرى على الرّصيف الموازي انتعاشاً.. ظِلّان يمشيان معاً بهدوءٍ وحذِر نحو السرداب المستهدف، وخلفهما شبحٌ يراهما ولايرونه، شبحٌ وَشى لكل الشعب اللبناني، فرآه الشعب كلُّه بكلِّ أحزابه وطوائفه وتكتّلاته!

هذا الشّبح، ليس وزيراً يتزاحم خلفه موظفو وزراته، ولا رئيس دولة تُحوّطه الكاميرات.. هذا الشبح إنما هو روح الشعب اللبناني شيبةً وشباباً، رُضّعاً وكهولاً.. أيضا هو روح الطّفل اللبناني بحقيبته المدرسية مرميّةً على الأرض جنبَه في السرداب المُظلم، لا ماء له ولا غذاء ولا كهرباء إلى غرفة نومه من الداخل، ولا حافلات وناقلات إلى مدرسته بالخارج!

مثل لبناني دارج: “شيء لا يصل وجهك، يقوي ظهرك” ومثل مصري دارج: “طعنةً في الظهر لم تسقطك أرضًا، تدفعك للأمام”.. هذان اللذان دخلا السرداب معًا هما (عون وميقاتي) وثالث ينتظرهما من الداخل، هو الآخر لم يعد مجهولًا!

ترى هل عرفتموه؟!

إنه القهقرى المرجو المأمول: (صندوق النقد الدولي) يقال عنه سترة النجاة للغرقى.. المطافئ للحرقى..

والإسعافات الأولية للجرحى!

وليس كلما يقال يعتقد به!

خاصةً ممن يرى الخيرات في جوف الأرض لا في عنق السماء، في أكتاف اللبنانيين لا في خزانات البنوك.. الخبز يخبزه الخباز اللبناني لا البنوك الدولية، القمح يزرعه الفلاح اللبناني لا الصناديق السيادية الدولية، القطن تنتجه الأراضي اللبنانية، وتعالجه أياديها بالغزل والنسيج جنبًا إلى جنب، أيادي النازحين السوريين إلى لبنان يقدر عددهم 1.5 مليون لتلبية سوق العمل بأجورٍ زهيدة!

الإحصائيات الرسمية للمفوضية تقول إن 20% فقط من النازحين السوريين بأوراق نظامية، وأن 73% من ولاداتهم غير مسجلة.. فلنحصها تلك الإحصائية بطريقة إيجابية، إحصائية اليد العاملة المنتجة المتاحة من السوريين جنبًا إلى جنب اللبنانيين، إنها قيمة مضافة للناتج القومي اللبناني: (1.5 مليون ضيوف مطيعون في البيت اللبناني المضياف)!

سكان لبنان حسب بيان الأمم المتحدة الوشيك على 7 ملايين نسمة، بما يقارب 10% من إجمالي سكان العالم، ما يجعل لبنان بالمرتبة 109 من المكانة العالمية، فلا عجب ولا غرابة ولا صعوبة في ضم 1.5 مليون سوري إلى 7 ملايين لبناني، بما يزيد الطاقة الإنتاجية، تفتخر كل من (بيروت ودمشق) بأن اليد العاملة المنتجة في لبنان، متكاتفة بعرق الجبين من الجانبين وبالولاء للجانبين.

ألف عافية على مائدة لبنانية إن افترشت خارج ذلك السرداب، والدعوة عامة للكتل السياسية بلا استثناء، ولكل الطوائف والأحزاب على طاولةٍ لا يوجد عليها غير الرغيف اللبناني، والأرز اللبناني، والتين والزيتون اللبناني!

المراقبون!

لا تندهشوا من تلك الطاولة المفتقدة عليها تلك (المحارم الورقية الناعمة) المعهودة مستبدلةً بمنشفة قطنية صنعتها الأيادي اللبنانية الخشنة في المصانع، وستغسلها أياديها الناعمة في المطابخ، وتنشفها شمسها الدافئة على كورنيش بيروت للطاولات القادمة.

نعم لا دهشة ولا غرابة بتلك المحارم الورقية الحريرية الناعمة المعطرة (الدخيلة) غيابها عن تلك الطاولة.. كان من المفترض حضورها بتمويلٍ من البنوك الأجنبية!

 أحمد ابراهيم 

كاتب إماراتي

موقع الأستاذ/ أحمد ابراهيم

إرسال تعليق

أحدث أقدم