في معنى: الظلمات الثلاث


بسم الله الرحمن الرحيم
معنى الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق

مقدمة
       لقد ورد معنى  الظلمات في جميع الآيات في القرآن  بالمعنى المعنوي أي بمعنى الجهل والضلال ما عدا آيتين فقط قد جاء معنى الظلمات فيهما مجملاً. الأولى:{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ}"1" الأنعام   والثانية:{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}"6" الزمر. حيث فسر العلماء  الظلمات في الآية 1 الأنعام بأنها ظلمات حسية  أي بمعناها الظاهر المعروف وهو العتمة أي ضد النور. ولكن الشعراوي وضع احتمال أن يكون هنالك معنىً معنوي للظلمات بجانب المعنى الحسي.
أما الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق في بطون أمهاتهم (6 الزمر) فقد اتفق جميع العلماء والباحثين على إنها ثلاثة أماكن مظلمة أي إنهم فسروها بمعناها الظاهر الحسي فقط. ولكنهم اختلفوا في تحديد الأماكن الثلاثة المظلمة التي يتم فيهن خلق الجنين في بطن أمه.  حيث حدد السلف الصالح من المفسرين الظلمات الثلاث بأنهن ظلمة البطن وظلمة المشيمة وظلمة الرحم. وحديثاً قال آخرون إنها ظلمة البطن وظلمة قناة فالوب وظلمة الرحم ، نسبة لعدم وجود ضوء داخل تلك الأماكن الثلاثة.
     لقد خطر إلى ذهني السؤال التالي: لماذا لم يكن هنالك احتمال لوجود معنى معنوي للظلمات الثلاث (6 الزمر) بجانب الحسي كما جاء في الآية 1 الأنعام ؟ ولهذا قررت حصر جميع الآيات التي وردت فيها كلمة الظلمات للتدبر فيها من أجل معرفة إن كان للظلمات الثلاث صلة بجميع الظلمات الأخر في القرآن أم لا توجد صلة. فإذا بي تستوقفني ثلاث آيات يتحدثن عن خروج ثلاث فئات مختلفة من الظلمات إلى النور هي: فئة "الناس" لما ورد في الآية:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإذن رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ  الْحَمِيدِ}"1" إبراهيم. وفئة "الذين آمنوا" لقوله تعالى:{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}                                                      "257" البقرة وفئة "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" بناءً على الآية{رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} "11"الطلاق
     فإذا تمعنا في هذه الآيات الثلاث نجد فيهن إشارة واضحة إلى المعنى المعنوي الذي ذهب إليه العلماء وهو: إن الله يخرج الفئات الثلاث من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى. وقد كان الدليل على هذا المعنى في الآية 1 إبراهيم هو: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الكتاب الذي أنزل إليه هو الذي سيخرج الناس من الظلمات والرسول صلى الله عليه وسلم والكتاب نورهما معنوي. وكذلك الآية 257 التي ورد فيها أن ولاية الله هي النور الذي سيخرج  الذين آمنوا من الظلمات. وولاية الله للمؤمنين لم تكن نوراً حسياً بل هي نور معنوي. وفي الآية 11 الطلاق كان الرسول وآيات الله هم الذين سيخرجون الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات. وبالتالي تكون الظلمات هي ظلمات معنوية لأنها  تُقْشع بنور معنوي. فخطرت إلى ذهني أسئلة كثيره أحسب أن الاجابات عنها من القرآن والأحاديث ستؤدي لمعرفة المعنى المراد من الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق في بطون أمهاتهم.
أولاً: الأسئلة
-      ما هي الظلمات التي تخرج منها كل فئة من الفئات الثلاث (الناس)، (الذين آمنوا) و(الذين آمنوا وعملوا الصالحات) وهل هي ظلمات مختلفه فيكون عدد الظلمات ثلاث؟ ما هي كيفية خروج كل فئة من ظلماتها؟
-      ما معنى الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق في بطون أمهاتهم؟ وهل هنالك صلة بينها وبين ظلمات الفئات
الثلاث المعنوية؟
-      ما هو النور الذي يخرج الفئات الثلاث من ظلماتها؟
ثانياً:  إجابات الأسئلة                  
السؤال الأول:  الظلمات التي تَخرُج منها كل فئة وطريقة الخروج
1-   الفئة الأولى (الناس)
1-1  الظلمات
        توضح الآيتان التاليتان أن الكتاب الذي أنزل على سيدنا محمد هدفه تعليم الناس جميعاً صراط العزيز الحميد الذي كانوا يجهلونه من قبل. والآيتان هما:{الَر، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الْنَاسَ مِنْ الْظُلُمَاتِ إِلَى الْنُورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
وبما أن العلم الذي سيتعلمه الناس هو النور الذي سيجده الناس من تنزيل الكتاب، فهذا يعني أنهم كانوا في جهل عنه لأنها علوم غيبية في السماء لا يستطيع الناس العلم بها لعدم مقدرتهم على رؤيتها. ولهذا أنزل الله لنا بديل لأبصارنا للعلم بها وهو كتابه المنير لقوله تعالى: }ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }{ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ{قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ{
                                                                                                                                                   102-104 الأنعام
1-2  كيفية تخريج الناس من ظلماتهم
      لقد انتابني إلهام من الآيتين 1و2 إبراهيم بأن الله سبحانه وتعالى سيدخل جميع الناس في مدرسة يمكن تسميتها بمدرسة الإسلام أي التوحيد لتلقي علوم الوحدانية والتعرف على خالقهم. وسيكون صراط العزيز الحميد هو المنهج والمقرر الذي يوجد في الكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم والمربي الذي سيخرج الناس من ظلماتهم أي جهلهم إلى نور العلم. وبالتالي أحسب أن طريقة الخروج من الظلمات ستشبه طريقة التخرج من دور العلم ولله المثل الأعلى.إن أول ما بدأ به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو  اخبار الناس جميعاً بوجود إله واحد أحد لا إله غيره. فانقسم الناس إلى فريقين: فريق الذين كذبوا الخبر ولم يخافوا من وعيد الله وعذابه الشديد،  وفريق الذين أعلنوا إيمانهم به.  فأنزل الله في الذين كذبوا برسالته قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}                                39 الأنعام
وقوله أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}{خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}                                                                                            6-7  البقرة
فيستفاد من هاتين الآيتين أن الناس لم يخرجوا جميعاً من ظلماتهم وأن الذين كذبوا بوجود الإله الواحد الأحد هم الذين لم يستفيدوا من سمعهم وأبصارهم ولهذا كانوا كالبكم والصم فظلوا في جهلهم لم يخرجوا منه. ولما كان الله يعلم مسبقاً أن من بين الذين أعلنوا إيمانهم كاذبين منافقين لتوعد إبليس لربه بأن يأخذ من عباده أي الذين يعلنون توحيدهم له نصيباً مفروضاً، أنزل الله قوله تعالى: {أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ }                                                                                              2-3 العنكبوت
الذي يوضح أنه سيمتحن الذين يعلنون إيمانهم. فمن ينجح في الإمتحان يتخرج من جهله كما يتخرج الطالب بعد نجاحه في
امتحان العلوم التي يتعلمها.  وتفسير هاتين الآيتين يؤكد ذلك وهو:( أظَنَّ الناس إذ قالوا: آمنا, أن الله يتركهم بلا ابتلاء ولا اختبار؟ ولقد فتنَّا الذين من قبلهم من الأمم واختبرناهم, ممن أرسلنا إليهم رسلنا, فليعلمنَّ الله علمًا ظاهرًا للخلق صدق الصادقين
في إيمانهم، وكذب الكاذبين؛ ليميز كلَّ فريق من الآخر.) فما هي الفتنة التي توضح صدق الصادقين وكذب الكاذبين؟
  لقد كانت الفتنة هي التكليف بالصلاة والزكاة لقوله تعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ}                                                                    31 إبراهيم
 فجاءت نتيجة الإمتحان كالآتي: انقسم الذين أعلنوا إيمانهم إلى فريقين: فريق صلى وزكى أمواله مؤكدين بذلك صدق إيمانهم، وهم الذين أنزل الله فيهم قوله تعالى: {ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ  نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ}                                                        286 البقرة
فتخرج هذا الفريق من ظلمته لعلمه بوحدانية الله.  وانضم فريق المنافقين الذين سقطوا في الفتنة إلى فريق الكفار نتيجة صلاتهم خلف رسول الله رئاء الناس وعدم إنفاق أموالهم. وقد أنزل الله في هذا الفريق الآية:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}{مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }                                                                                                       142 النساء
كما أنزل الله فيهم قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}                                                                                                       47 يــس
لقد تمت تصفية المؤمنين حقاً بوحدانية الله وتمييزهم من المنافقين الذين اتبعوا شياطينهم بعد أن أعلنوا إيمانهم بالصلاة والزكاة. لهذا نجد أن الذين خرجوا من ظلمات وحدانية الله نتيجة علمهم بها يخاطبهم الله في القرآن (بالذين آمنوا )
2- ظلمات الفئة الثانية (الذين آمنوا) وكيفية خروجهم منها
2-1 الظلمات
       إن ظلمات الفئة الثانية "الذين آمنوا" هي العلوم التي محورها ما جاء في  الآيتين الآتيتين: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ}                                                                                    1-2  الحج
و{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}                       187 الأعراف
فظلمات الفئة الثانية هي الجهل بعلوم اليوم الآخر أي علوم الساعة.  فأعلن الله إنه سيتولى أمر هذه الفئة  ويخرجهم من جهلهم بعلوم المرحلة الجديدة لقوله تعالى:{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}                                                  257 البقرة
    ومن أهم علوم اليوم الآخر هو: أن الله وحده الذي يعلم توقيت الساعة. ومن أخبار الساعة أيضاً أن الله هو الذي سيبعث
جميع الخلق من قبورهم ليحاسبهم على أعمالهم. كما يتعلمون ما سيحدث وقتها للأرض وللسماء وللجبال وللبحار ولكل صغيرة وكبيرة في هذا الكون . بالإضافة إلى إخبارهم بالجنة وما فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وبالنار وما فيها من العذاب ما لا يحتمله ولا يتخيله بشر. وأن المؤمنين المطيعين هم أصحاب الجنة والكافرين العاصين هم أصحاب النار.
2-2  طريقة الخروج من الظلمات
وبعد أن علم "الذين آمنوا "بتفاصيل الساعة واليوم الآخر انقسموا إلى فريقين: فريق آمن بها وفريق كذب بمقدرة الله على بعثهم من جديد بعد أن يكونون عظاماً نخرة. فانضم الذين كفروا بالساعة إلى فريق الكفار. ولكن الله العالم بطبيعة خلقه يعلم أيضاً أن من بين الذين أعلنوا إيمانهم بالساعة منافقين قد اتبعوا شياطينهم. لهذا أراد الله فتنة الذين أعلنوا إيمانهم ليميز الذين صدقوا بالساعة يقيناً من الذين لم يصدقوا بها.  فانزل الله فتنته  التي عن طريقها يخرج المؤمنين حقاً من (الجهل بعلوم الساعة) أي الامتحان هو تنزيل كل الأحكام والتشريعات (الأعمال الصالحة) لما أوضحته الآية التالية:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَل عمَلًا صَالِحًا وَلَايُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}                                                110 الكهف
أما الآيتان:{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}{أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}                                                                                               7-8 يونس
فقد أوضحتا مصير الذين لم يخرجوا من ظلمتهم لأنهم كانوا غافلين عن آيات الله فهم لم يؤمنوا بيوم البعث وبالتالي عملوا للدنيا ولم يعملوا بالأعمال الصالحات للآخرة.
إذاً كانت الفتنة في هذه المرحلة أي (الامتحان) التي أنزلها الله لخلقه هي العمل بكل الأوامر والنواهي والتشريعات التي نزلت في القرآن كالصوم لقوله تعالى:{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}   183 البقرة                                                                                           
فتضمنت علوم المرحلة الثانية كل التفاصيل التي تخص الصيام. ومن الفتنة أيضاً تكاليف الحج لمن استطاع إليه سبيله وتوضيح كل واجباته وتفاصيله. وكمثال لذلك قوله تعالى:{وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}                     189 البقرة   
ومن علوم هذه المرحلة أيضاً تفاصيل تبادل الحقوق والواجباب بين الله وخلقه وبين الخلق ورسلهم وبين أعضاء الأسرة الواحدة وبين كل أفراد المحتمع. فاشتملت العلوم على كل التشريعات والأوامر والنواهي بجانب الصلاة والزكاة. فالذين نجحوا في المرحلة الأولى والثانية هم الصالحون الذين عملوا بالتكاليف السماوية جميعها واتبعوا رسولهم، مؤكدين بذلك أنهم قد استخدموا سمعهم وأبصارهم واستفادوا منهم.. كما انقسم  فريق الكفار والمنافقين إلى قسمين: فريق عاند وواصل كفره ونفاقه وفريق تاب وأصلح وصدق بالله وبالساعة لأنه خاف من العذاب وابتغى الجنة فعمل بالصالحات لقوله تعالى:{إنَّ المُنَافَقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً}{إلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وأَصْلَحُواْ واعْتَصَمُواْ بِالله وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرَاً عَظِيمَاً}
                                                                                                     145-146النساء                                                                                                                                     ولا يفوتنا أن نذكر أن فريق الصالحين يضم فريق من أهل الكتاب لقوله تعالى:{ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ}
                                                                                                          199آل عمران
3- ظلمات الفئة الثالثة وكيفية خروجهم منها
3-1 الظلمات                                                                                  
      عليه سينتقل الصالحون (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) إلى المرحلة الثالثة لتلقي العلوم التي تغيب عنهم في الأرض. وهي علوم الأقدار خيرها وشرها لقوله تعالى: { رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا}
                                                                                                               11 الطلاق                                                                                                       
   تنقسم علوم الأقدار خيرها وشرها إلى قسمين: قسم الأقدار العامة خيرها وشرها وقسم الأقدار الخاصة خيرها وشرها لقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}  فصلت 53
فقوله تعالى سنريهم يشير إلى المستقبل الذي يغيب عنهم ليؤكد حقيقة ملكيته للأقدار. والآيات التالية مثالاً للأقدار العامة:{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}
{وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ  
                                                                                                  139-142  آل عمران                                                                                                              
ومن أقدار الشر العامة أيضاً الزلازل والفيضانات والرياح الشديدة والحرائق والحاكم الجائر وأبناء السؤء وبنات السوء. كل هذه الأشياء تتسبب في أضرار البلاد عامةً. أما أقدار الخير العامة فمنها الأمطار التي تخضر بها البلاد وتكثر بها خيراتها ومنها صلاح الأبناء والبنات وأهمها الحاكم الذي يرعى الخلق ويخاف الله فيهم. فكل هذه الأقدار تتسبب في خير البلاد عامةً. أما الأقدار الخاصة فتوضحها الآية 34 لقمان والآيتان 49-50 الشورى وهي: {إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ}                  34 لقمان
حيث أوضحت الآية 34 مفاتيح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله ومن بينها رزق الإنسان فلا يعلم ما سيكسبه في غده. فربما لا يكسب شيئاً في الغد وربما يكسب الكثير. فعليه بالرضاء في الحالتين. وأيضاً لا يعلم المكان الذي يموت فيه كما توضح الآيتين 49-50 الشورى أن رزق الأبناء والبنات ونصيب كل امرء منهم من الله. فمن الناس من يرزق بنات فقط ومنهم من يرزق أبناء فقط ومنهم من يرزق النوعان أبناء وبنات ومنهم من لم يرزق لا بنات ولا أبناء. أي يجعله الله عقيماً. فمن يرضى بقسمته ويصبر عليها شكراً وحمداً لله يجد من الله الجزاء العظيم. ومن لم يصبر ويرضى بقسمته يكون من الخاسرين لعدم يقينه بركن العقيدة الثالث وهو ملكية الله للأقدار خيرها وشرها.
3-2 طريقة الخروج من الظلمات
وبعد أن أوضح الله في كتابه الأقدار خيرها وشرها أنزل الفتنة التي تخرج الناجح فيها من الجهل بغيب الأرض وهي الرضاء بما قدره الله وحمده عليه صبراً لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين}{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
                                                                                                       153-157 البقرة
فمن يمسسه خير ويعلم أنه من الله ولا مخلوق غيره يستطع أن ينزعه منه، ثم لا يفرح بذلك الخير فقد شكر الله على ذلك الخير بصبره عليه وعدم الطغيان فيه. ومن تمسسه ضراء فيعلم أنها ابتلاء من الله ولا يستطع أي مخلوق غيره أن يكشفها عنه، ثم لا يأسو عليها ولا يتضجر منها صبراً فقد شكر الله. إذاً الصبر هو الاستمساك بالعروة الوثقى مع شكر الله وحمده في السراء والضراء.
          ولما كان الإيمان الخاص بأركان الإسلام الثلاثة  والعمل المستمر بالأعمال الصالحات هو صبرٌ مستمر على طاعة الله وصمودٌ في وجه الشيطان، يصير الصبر هو عين الفلاح والصلاح لصاحبه في الآخرة، لأنه جواز المرور للجنة بغير حساب ولاعقاب والاقامة الدائمة فيها. وآيات سورة العصر التالية تؤكد كل ما توصل إليه البحث وهي:{وَالْعَصْرِ}{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا  بِالصَّبْرِ}                                   1-3 العصر                  
فالذين آمنوا ثم عملوا الصالحات ثم تواصوا فيما بينهم بالحق والصبر هم الفئة التي استثناها الله من الخسر بدخولهم الجنة بغير عقاب
ولا حساب. وهم أيضاً الذين وصفهم الله في الآية التالية بأنهم العلماء الذين يخشون الله لأن إيمانهم بأركان وحدانية الله قد كان
موثقاً بالأعمال الصالحات ومبنياً على علم لا يشوبه شك ولا جهل في أي نقطة من نقاطه. والآية هي: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}                                  28 فاطر
وهم أيضاً الراسخون في العلم أي الثابتون على علمهم اليقين بوحدانية الله فظلوا طائعين الله وحده لقوله تعالى: {وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ}وهم الأمة التي خاطبها الله بقوله:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) فالأمة الوسطى هي الأمة المعتدلة المستقيمة بإيمانها بوحدانية الله وبأن محمداً عبده ورسوله وطاعتهما. وبعد أن توصلنا لطريقة تخريج كل فئة من الظلمات لا بد من معرفة النور الذي يخرج الفئات الثلاث من ظلماتها.
السؤال الثاني:  ما هي الظلمات الثلاث التي يخلق فيها الخلق           
        لقد اتضح أن الظلمات الثلاث التي يخرج منها ثلاث فئات مختلفة هي الجهل بأركان الإيمان الثلاثة: الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته، والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالأقدار خيرها وشرها.  فهل الظلمات التي خلق فيها الخلق هي نفس الظلمات التي يخرج منها الخلق مما يجعلها ظلمات معنوية أم لا؟ إن الاجابة عن هذا السؤال تقتضي معرفة معنى الظلمات الثلاث من بين آيات القرآن والأحاديث بناءً على ما جاء في مقدمة تفسير ابن كثير وهو : (إن أصح الطرق لتفسير القرآن هي أن يفسر القرآن بالقرآن. فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر. فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة. فإنها شارحة للقرآن وموضحة له).
إن قول ابن كثير هذا قد  أظهر أهمية حصر وتحليل الآيات والأحاديث التي تحتوي على مصطلح أو أكثر من مصطلحات الآية 6 الزمر ثم تحليلها للوصول لمعنى الظلمات التي في البطون. والمصطلحات هي: الخلق أو النشأ، بطون الأمهات، الجهل أو العلم.
      عليه تم حصر بعض الآيات  منها الآية 78 النحل التي تتحدث عن خروج الخلق من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئاً وهي:{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}               78 النحل
والآية 32 النجم التي تتحدث عن علم الله بخلقه فهو يعلم بمن اتقى من الخلق منذ نشأتهم وإذ هم أجنة في بطون أمهاتهم والآية هي:{ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ  أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ}                                                              32 النجم
أولاً:  تحليل الآية 78 النحل
      لقد احتوت الآية 78 على مصطلح بطون الأمهات والخروج منهن بدون علم أي بجهل مما يشير إلى صلتها الوثيقة بالآية 6 الزمر. وقد جاء تفسير هذه الآية كالآتي1:( وقوله تعالى: "والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا" ذكر أن من نعمه أن أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا لاعلم لكم بشيء. وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم. الثاني: لا تعلمون شيئا مما قضى عليكم من السعادة والشقاء. الثالث: لا تعلمون شيئا من منافعكم. ثم قال: "وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة"أي التي تعلمون بها وتدركون؛ لأن الله جعل ذلك لعباده قبل إخراجهم من البطون وإنما أعطاهم ذلك بعدما أخرجهم؛ أي وجعل لكم السمع لتسمعوا به الأمر والنهي، والأبصار لتبصروا بها آثار صنعه، والأفئدة لتصلوا بها إلى معرفته).  كما جاء معناهما  كالآتي: (ولله سبحانه وتعالى عِلْمُ ما غاب في السموات والأرض, وما شأن القيامة في سرعة مجيئها إلا كنظرة سريعة بالبصر, بل هو أسرع من ذلك. إن الله على كل شيء قدير...والله سبحانه وتعالى أخرجكم مِن بطون أمهاتكم بعد مدة الحمل, لا تدركون شيئًا مما حولكم, وجعل لكم وسائل الإدراك من السمع والبصر والقلوب; لعلكم تشكرون لله تعالى على تلك النعم, وتفردونه عز وجل بالعبادة). ففي التفسير الأول توضيح للجهل الذي يخرج به الخلق من بطون أمهاتهم بثلاثة احتمالات وهي: إما الجهل بالميثاق الذي واثقهم به الله وإما الجهل بما حولهم وإما الجهل بما ينفعهم.) والتفسير الثاني اتفق مع التفسير الأول في الاحتمال الثاني وهو الجهل بما حولهم.
      ولكننا إذا تدبرنا الآية 78 نجدها مبتدئة بالواو (والله يخرجكم). فإذا كانت الواو التي في بداية الآية "78" هي واو عطف
 فهذا يعني أن ما ورد في الآية 78 معطوف على ما ورد في الآية التي سبقتها وهي: :{وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}                                                77 لنحل
مما يشير إلى أن جهل الخلق الذي يخرجون به من بطون أمهاتهم هو جهلهم بالغيوب الثلاثة. وإذا كانت الواو في وسط الآية (وجعل لكم) واو عطف أيضاً، يكون معنى آيتي النحل "77و78" كالآتي: (لله وحده ما غاب عن الخلق من علوم السماوات والأرض والساعة وهو القدير على كل شي. وقد خلق الله جميع الخلق في جهل بهذه الغيوب الثلاثة وهم في بطون أمهاتهم خلقاً من بعد خلق، ولهذا يخرجون من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئاً عنها. ولكن الله جعل لهم جميع الوسائل التي يعلمون بها تلك الغيوب وعلومها، لعلهم يشكرونه بالايمان به غيبيا)
والتحقق من صحة ما توصل إليه البحث في معنى الآيتين 77 و78 النحل يتطلب توضيح دور الوسائل في العلم بالأشياء عامة ودورها في العلم بالغيوب الثلاثة خاصة من آيات القرآن.
1-  دور السمع والبصر والأفئدة في العلم بالأشياء بصورة عامة
      إن توضيح دور وسائل الإدراك يتطلب أولاً معرفة الفرق بين المعنى الحسي والمعنوي للظلمات والنور والصلة بينهما. فالظلمات الحسية هي الظلمات التي تخفي الأشياء التي تقع في مدى الأبصار فيتعذر العلم بها عن طريق الرؤية حتى ولو كان النظر سليماً لا نقص فيه. ولهذا يرمز للظلمة الحسية بالجهل بالأشياء التي تقع في نطاق الرؤية بالبصر. والنور الحسي هو الضياء الذي يظهر الأشياء فيتسبب في العلم بها لأنه يقشع الظلمة الحسية. فهو إذاً رمزٌ للعلم بالأشياء الواقعه في نطاق الرؤية بالبصر. أما الظلمة المعنوية فهي الظلمة التي تحجب العلم بالأشياء الغيبية أي بالأشياء التي تغيب عن العين لوقوعها في مدىً أبعد من نطاق أبصار الخلق المحدود. فلا مجال للإنسان أن يراها حتى ولو كان النور الحسي متوفراً والبصر سليماً. أي أن الظلمات المعنوية هي رمز للجهل بما يغيب عن الأبصار لوقوعها في مدىً أبعد من نطاق الرؤية بالبصر. والنور المعنوي هو العلم الذي يخبر عن الأشياء الغيبية التي يتعذر العلم بها عن طريق البصر. فالعلاقة إذاً بين الظلمات الحسية والمعنوية هي: أن كلاً منهما رمزٌ للجهل بالأشياء والعلاقة بين النور الحسي والمعنوي هي: أن كلاً منهما رمزٌ للعلم بالأشياء.
        فالبصر هو الوسيلة الأولى للعلم بالأشياء التي يمكن رؤيتها. والسمع هو الوسيلة الأولى للعلم بالغيوب أي العلم بالأشياء التي لا يمكن رؤيتها. فيتم العلم بها عن طريق سماع الأخبار عنها.  وبما إن غيب السماوات والأرض والساعة لا مجال لأحد أن يعلم  بها إلا عن طريق الأخبار فهي تحتاج للسمع أولاً  ولهذا تقدم السمع على الأبصار والأفئدة في ذكر هم في الآية 78 النحل. أما دور الأفئدة فهو مرتبط بكل من السمع والبصر. بمعنى أن الأفئدة لا تعمل بدونهما.  وتوضيح أهمية الأفئدة للعلم بالأشياء و كيفية ارتباطها بالسمع أو البصر يحتاج إلى ضرب بعض الأمثال من واقع الحياة لتقريب الفهم. ففي حالة العلم بالبصر نلاحظ أن الإنسان في بعض الأحيان لم يتذكر الأشياء بالرغم من رؤيتها، لعدم الاهتمام بها والتركيز فيها. فمثلاً إذا قابل أحمد العالم علي لأول مرة وتحدث معه دون أن يركز في طريقة كلامه أو شكله أو في لبسه لعدم إهتمامه به وقد كان علي عالماً من كبار العلماء. فيعتبر أحمد قد علم بعلي لأنه رآه بالفعل ولكن علمه هذا لم يكن ذو فائدة له. فيسمى علم أحمد لعلي في هذه الحالة  "علم عين فقط." أما إن كان أحمد قد ركز في طريقة علي في الكلام مثلاً بعقله وتفاعل معه بقله إما إعجاباً أو كرهاً، سيظل علي عالقاً بعقله وقلبه.  فإما أن يتمنى ملاقاته مرة أخرى للاستفادة منه  وإما لتفادي لقائه. فيسمى العلم بهذه الطريقة "علم العين اليقين " وهو العلم الذي يجني صاحبه الفائدة من ورائه. وأهمية الأفئدة للعلم بالسمع لا تختلف عن أهميتها للعلم بالبصر. فمثلاً إذا سمع إنسان بأن حيواناً مفترساً قد ظهر في مكان ما بالقرب من منطقة سكنه وهو خبر حقيقي موثقاً بالدلائل والبراهين. فإما أن يعقل الإنسان ذلك الخبر ويصدقه ويتفاعل معه بالقلب خوفاً فيأخذ حذره من الذهاب لتلك المنطقة، وإما أن يكذبه وكأنه لم يسمعه. فالذي صدَّق الخبر سيأمن شر الحيوان. أما من صدَّ عن الحقيقة ولم يصدقها فلن يحتاط وسيذهب إلى تلك المنطقة غير مكترس فتواجهه الحقيقة ويقع في التهلكة. فكل منهما قد علم الحقيقة لأنه سمع بها. ولكن علم من لم يصدِّق بها ووقع في التهلكة يسمى
"علم سمع فقط" وهو علم لا فائدة منه.  أما علم من صدَّق بما سمعه كأنه يرى ما أخبر به أمامه وتفاعل معه يكون  قد علم بذلك الخبر"علم اليقين " وهو علم ذو فائده لأن صاحبه استفاد منه. هذه المعاني توضحها الآيات التالية:{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ }{ حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ }{كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }{ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ }{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ}{ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ}{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ }{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ }                                                                      1-8 التكاثر
حيث أن  معناها هو : (لو أنكم أيها الذين ألهاهم التكاثر من متاع الدنيا صدقتم ما سمعتم به من علوم الساعة وحساب اليوم الآخر، وعلمتم بها (علم اليقين) بأنكم سترون الجحيم ثم أنكم سترونها حقيقة ماثلة أمام أعينكم (أي عين اليقين) ثم تفاعلتم مع ذلك الخبر بقلوبكم وخفتم من العذاب وخفتم من أنكم ستسألون عن النعيم لاجتنبتم الوقوع في الجحيم في الآخرة.) والله أعلم.
2-  علاقة وسائل الإدراك بالغيوب من القرآن
      إن العلاقة بين أدوات العلم أي وسائل الادراك والغيوب الثلاثة قد أوضحتها كثير من الآيات وهي: الآية:{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}                                                                                       25 الأنعام
تخبر أن من بين الناس من يستمع إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله جعل على قلوبهم غشاوة فلم يفقهوا قوله. فهم إذاً قد أُخبروا وعلموا بالهدى ولكنه علم سمع فقط. حيث جاء معنى الآية موضحاً صلة السمع والبصر بالإيمان بوحدانية الله أي بغيب السماء وهو1: (يجيئون ليستمعوا قراءتك, ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله {جعل على قلوبهم أكنة} أي أغطية, لئلا يفقهوا القرآن {وفي آذانهم وقراً} أي صمماً عن السماع النافع لهم, كما قال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} الآية, وقوله {وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها} أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين, لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف, كقوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم} الآية ) وتعتبر الآية التالية من أكثر الآيات توضيحاً لعلاقة أدوات العلم بالغيوب وهي:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا  أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون}     26  الأحقاف
فقد جاء تفسير هذه الآية كالآتي:( ولقد يسَّرنا لعاد أسباب التمكين في الدنيا على نحوٍ لم نمكنكم فيه معشر كفار قريش, وجعلنا لهم سمعًا يسمعون به, وأبصارًا يبصرون بها, وأفئدة يعقلون بها, فاستعملوها فيما يسخط الله عليهم, فلم تغن عنهم شيئًا إذ كانوا يكذِّبون بحجج الله, ونزل بهم من العذاب ما سخروا به واستعجلوه. وهذا وعيد من الله جل شأنه, وتحذير للكافرين.)
أما الآية:{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}                           198 الأعراف  
فتؤكد أن العلم بالبصر فقط لا يجدي والعلم بالسمع فقط لا يجدي. وإنما الذي يجدي هو العلم اليقين عن طريق السمع الذي يصطحبه التأييد بالعقل والتفاعل بالقلب، والعين اليقين عن طريق البصر الذي يصحبه التفكر بالعقل والتفاعل معه بالقلب. فالمشركون كالأصنام ينظرون إلى الرسول ولكن أعينهم كأعين الأصنام لا ترى.  وكذلك تفسير الآية:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ                                                                                                                    179 الأعراف
وتفسير قوله تعالى:  يؤكد أن وسائل العلم والإدراك "السمع والبصر والأفئدة" قد جعلها الله سبباً للعلم بأركان العقيدة الثلاثة (الغيوب الثلاثة) وهو: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} يعني أنهم لم ينتفعوا بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية, كما قال تعالى: {وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله} الآية. وقال تعالى:{صم بكم عمي فهم لا يرجعون} هذا في حق المنافقين. وقال في حق الكافرين {صم بكم عمي فهم لا يعقلون} ولم يكونوا صماً ولا بكماً ولا عمياً إلا عن الهدى, كما قال تعالى: {ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} وبالتمعن في الآية التالية: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}                         46 الحج
نجد بها استنكاراً من الله على الكفار؛ كيف لا تكون لهم قلوب يعقلون بها.  فأوضحت الآية أن البصر وحده لا تتم به الرؤيه المجديه وإنما القلوب هي التي تؤدي للرؤية النافعة. وبالتالي تصير القلوب هي التي تعمى وليس الأبصار! وقد جاء في معنى الآية ما يعضد ذلك: (قال قتادة: البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب. وقال مجاهد: لكل عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا.) وكذلك الآية: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا}                                                                                              101 الكهف
التي كان معناها كالآتي3: (أي هم بمنزلة من عينه مغطاة فلا ينظر إلى دلائل الله تعالى.  "وكانوا لا يستطيعون سمعا" فالأعين التي لم تر الدلائل عين اليقين تصير كأنها مغطاة بالرغم من أنها في الحقيقة قد رأت. وكانت نتيجة ذلك هي أن بصرها ليس له نفع لعدم التفكر فيما رأته بالعقل والتفاعل معه بالقلب قبولاً وتصديقاً.ولذلك لن تذكر الله. والذكر هو الذي يؤكد ويثني التصديق بوحدانية الله. والدليل على كل ما أوردناه من معاني هو معنى آيتي سورة يونس التاليتين: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ}{وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ}                     42-43 يونس
حيث تؤكد هاتان الآيتان سلامة بصر الكفار" وسلامة سمعهم لقوله "وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ "وقوله " َمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ". ولكن نتيجة لعدم الاستماع للرسول عليه السلام وعدم النظر إليه بتعقل، وصفهم الله بأنهم صم وعمي. إذاً سلامة السمع والبصر لا تتأتى إلا عن طريق الأفئدة التي تؤدي للعلم اليقين وعلم العين اليقين.
     لقد اتضح من كل الآيات المذكورة أن العلاقة بين أدوات العلم الثلاث والعلم بالغيوب الثلاثة علاقة قوية جداً وهي: أن من يستمع لكلام الله ويصدقه ويتفاعل معه بقلبه طمعاً في رحمة الله ورضوانه وخوفاً من غضبه وعذابه فسوف يعمل لاكتساب حب المولى عز وجل ورضوانه ويتجنب الوقوع في التهلكة وهي غضب الله ونيرانه. أما الذين يسمعون كلام الله ولم يصدقوه فمصيرهم الوقوع في التهلكة وهي العذاب بنار جهنم.
      وبما أن الله قد خلق الخلق لعبادته فقط لقوله تعالى: } وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ{  (الذاريات: 56) وأن القرآن كله قد أنزل لتوضيح العبادة المكونة من الغيوب الثلاثة وما يترتب عليها فقط فإن خلق الخلق في جهل بعلوم الغيوب الثلاثة هو المقصود بخلق الخلق في ظلمات ثلاث أي في جهل بتلك الغيوب الثلاثة. ولهذا جعل الله للخلق وسائل الإدراك ليعلموا بها بعد الخروج من بطون أمهاتهم.
ثانياً: تحليل الآية 32 النجم
      أما الآية 32 النجم فقد جاء معنى قوله تعالى ({ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } كالآتي1أي: هو بصير بكم، عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي ستصدر عنكم، وتقع منكم حين أنشأ أباكم من الأرض، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر، ثم قسمهم فريقين: فريقاً للجنة، وفريقاً للسعير. وكذا قوله: { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ } قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله، وعمله وشقي أم سعيد)  إن هذا المعنى يوضح أن الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن الخلق في بطون أمهاتهم يتحدث عن موقف تقواهم وعلمهم بوحدانيته لقوله تعالى:{ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي: تمدحوها وتشكروها، وتَمُنو عليه بأعمالكم { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي هو أعلم من منكم اتقى الله ومن منكم لم يتق. وفي هذه الآية إشارة إلى أن الله عندما خلق الخلق في ظهر أبينا آدم قد أوضح لهم علوم وحدانيته وأمرهم بعبادته ثم امتحنهم فعلم الذين اتقوا والذين لم يتقوا. ثم امتحنهم مرة أخرى وهم في بطون أمهاتهم وكانت النتيجة واحدة فعلم بالمتقين عندما خلقهم (أنشأهم) من تراب وعلم بهم مرة أخرى وهم مخلوقين من علق في بطون أمهاتهم. وتوكيداً لهذا المعنى الحديث التالي: عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم رش عليهم من نوره، فمن أصاب ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل". فالظلمة التي خلق الله فيها خلقه هي ظلمة معنوية وتعني الجهل لأن النور الذي رشه الله على خلقه هو نور معنوي أي أنه العلم. كما أن نتيجة رش النور النهائية هي إما الهدى أو الضلال . والفرق بين الحديث والآية 6 الزمر هو إن الآية بها توضيح أكثر من الحديث بخصوص الظلمه لأنها أوضحت عدد الأشياء التي خلق الله الخلق في جهل بها. أما ما ورد في الحديث بخصوص الظلمه فقد كان مجملاً  ومختصراً حيث أوضح أن الخلق يخلقون في جهل فقط. و ولكن جاء في الحديث ما يوضح طبيعة الظلمه في حين أن الآية كانت مجملة المعنى في توضيح ذلك. وإذا تدبرنا الآية 32 والحديث معاً نجد في الحديث توضيح لمعنى الآية لأن الحديث قد أوضح أن الله قد رش علمه على الخلق وهم أجنة في بطون أمهاتهم بعد أن خلقهم في جهل به. والله أعلم من قبل ومن بعد.  ومن هنا يجب علينا توضيح الكيفية التي يخلق بها الخلق في ظلمات  أي في جهل وهم في بطون أمهاتهم.
إذاً نصل وبدون أدنى شك إلى أن الظلمات التي يخلق فيها الخلق في بطون أمهاتهم هي ظلمات معنوية بجانب الظلمات الحسية.
ومن ثم يتم توضيح كيفية خلق الخلق في جهل بالغيوب في بطون أمهاتهم.
السؤال الثالث: كيفية خلق الخلق في ظلمات في بطون الأمهات
      إن خلق الخلق في جهل في بطون أمهاتهم أمر يدعو للتعجب والحيرة.ولكن عندما نتدبر الآية 78 النحل نجد أن الله قد جعل للناس وسائل الادراك لأن العلم لم ولن يتأتى للخلق إلا بها. بذا نستنبط أن خلق الخلق في جهل له صلة بخلق وسائل العلم الثلاث. فانتابني إلهام بأن الله في مرحلة من مراحل الخلق مثلاً خلق للخلق بصرهم محدوداً أي لا يمكنهم رؤية الأشياء التي تقع أبعد من ذلك المدى الذي خلقه لهم. ونطاق بصرهم وهم في بطون أمهاتهم هو حدود بطون أمهاتهم ولهذالم يتمكنوا من رؤية الله وملائكته وجنته وناره وكل ما في السماء. أي أنهم في مرحلة خلق الأبصار كانوا جاهلين بعلوم السماء (أي في ظلمات السماء).  فلو خلق الله لهم بصرهم مطلقاً لرأوا ما في السماء ولعلموا علم العين اليقين بوحدانية الله وكل علومها. وفي مرحلة خلق أخرى خلق الله للخلق سمعهم محدوداً. ولهذا لم يتمكنوا من سماع ما يدور في السماء ولا حتى ما يدور من حولهم خارج البطون.  فكانوا في هذه المرحلة جاهلين بكل السماء وبكل علوم الساعة وبكل علوم الأرض. وفي مرحلة ثالثة خلق الله للخلق عقولهم محدودة لا تعمل إلا بعد علم العين أو علم السمع فكان الخلق في تلك المرحلة جاهلين أيضاً بعلوم السماء والأرض والساعة. وفي مرحلة أخرى خلق الله للخلق قلوبهم معطلة لتعطيل وسلتي البصر والسمع. فربما كان خلق العقل أولا ً والقلب ثانياً وربما كان الخلق الأول هو خلق السمع. ولكن المهم في الأمر هو : إن أدوات العلم قد خلقت خلقاً بعد خلق محدودات مما جعل الطفل في بطن أمه لا يعلم شيئاً. وبعد خروجه ييعلم بكل هذه العلوم عن طريق سماعه أخبارها واستخدام وسائل الادراك. فيستمع لما أنزله الله من القرآن ويبصر أدلة الوحدانية والله أعلم.
السؤال الرابع:   النور الذي تخرج به الفئات الثلاث من الظلمات الثلاث 
    إن هذا المبحث يعطي فكرة عن آراء العلماء في معنى الآية 35 النور التي ضرب فيها الله مثلاً لنوره المعنوي الذي يخرج به الفئات الثلاث من ظلماتهابنوره الحسي ثم يتم فيه حصر الآيات ذات الصلة وتحليلها لاستنتاج النور المعنوي المقصود من القرآن. والآية هي:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّه الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}                                                                             35 النور
     لقد جاءت آراء العلماء متباينة في معنى هذه الآية كما يلي: قال ابن عباس "الله نور السماوات والأرض" يقول:هادي أهل السموات والأرض. وقال أبي ابن كعب : هو المؤمن الذي جعل الله الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال: "الله نور السماوات والأرض" فبدأ بنور نفسه. وشبه ابن مسعود قلب المؤمن في صفائه في نفسه بالقنديل من الزجاج الشفاف الجوهري وما يستهديه من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف. وعرَّف ابن عباس ومجاهد المشكاة بأنه هو موضع الفتيلة من القنديل.. ولهذا قال بعده "فيها مصباح" وهو الزبالة أي الفتيلة التي تضيء. وقال مجاهد: هي الكوة بلغة الحبشة. قال أبي ابن كعب: المصباح النور وهو القرآن والإيمان الذي في صدره. وقال السدي هو السراج "المصباح في زجاجة". أما معنى "يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية" فقد جاء فيها  ما يلي: "أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره، فيجيء زيتها صافياً "وقال الحسن البصري: لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية. ولكنه مثل ضربه الله لنوره". وقال ابن عباس في قوله تعالى: "نور على نور" يعني بذلك إيمان العبد وعمله. وقال الأحبار في قوله تعالى (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) قال: يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبي، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء. فمن تفسير العلماء لمفردات الآية يتبين أن النور الحسي يتكون من مصباح أي فتيلة مشبعة بزيت الزيتون ولما مستها النار كونت شعلة في رأسها. فصارت الفتيلة مضيئة (مصباحاً). وقد وضع هذا المصباح داخل زجاجة نقية وهي مضيئة بدورها كأنها كوكب دري ليتسع نطاق ضوئه ولتحفظه الزجاجة من أن تعبث به الرياح فينطفىء. فصارت الزجاجة النقية المضيئة وبداخلها الفتيلة المضيئة نور على نور. أي صارت سراجاً منيراً. ثم وضع السراج المنير في كوة في مبنى ليضيء الكوة أولاً ثم يتوزع نوره ليضيء كل المناطق التي حول الكوة.
        وإذا تفكرنا في آيات الله وفصلناها نجد أن الله قد وصف الكتاب بأنه نور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا}                                                                             174 النساء
إذاً يكون الكتاب بمثابة المصباح أي الفتيلة المضيئة. وعند التفكر أيضاً في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}                                                           192-194 الشعراء
وقوله أيضاً: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}97 البقرة                                                                                                 
نجد أن المصباح قد أنزل على قلب الرسول مما يشير إلى أن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم الطاهر النقي الذي غسلته الملائكة وملأته نوراً قد شبه بالزجاجة التي كأنها كوكب دري. فصار الكتاب (المصباح المضيء) على قلب الرسول المضيء وصار الرسول سراجاً منيراً والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بإذنه وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}
                                                                                                        45-46 الأحزاب
كما صار قلب الرسول صلى الله عليه وسلم حافظاً لكتاب الله من عبث إبليس وجنوده كما تحفظ الزجاجة ضوء المصباح من الرياح. ونور الكتاب وهو على قلب الرسول المليء بالنور كان نوراً على نور يهدي الله إليه من يشاء من خلقه والله أعلم.
وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة عندما أنزل عليه الكتاب شبهت مكة بالمشكاة أي بالكوة والآيتان التاليتان دليل على ذلك وهما: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا َمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}                                                                                                   59 القصص        
و{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} 
                                                                                                             7  الشورى                                                                                                         
فالآيتان تؤضحان أن الله  أراد أن يضع نور (كتابه) في مكة ليهدي أهلها أولاً ثم ينتشر الهدى ليهدي قرى الجزيرة العربية من حولها  تماما كما يضيء المصباح الكوة أولاً ثم ينتشر ضوؤه ليضيء المنطقة من حولها. . فشبهت الجزيرة العربية بالمبنى الذي فيه كوة وشبهت مكة بالمشكاة أي بالكوة التي في المبنى. وقد كان رسوله صلوات الله عليه وسلامه وفي قلبه الكتاب موجود في مكة  (المشكاة) سراجاً منيراً يهدي بهداه جميع الخلق
ما يستفاد من البحث:   
  -   دقة القرآن في التعبير  حيث جاءت كلمة الظلمات في الآية 6 الزمر بمعنى "الجهل" والعتمة فقط لأن الخلق وهم في بطون أمهاتهم لم يتم إخبارهم بعد. أما في آيات القرآن الأخر فمعنى الظلمات هو "الجهل والضلال والكفر" ولا تعني العتمة لأن الآيات تتحدث عمن خرجوا من ظلمات البطون الحسية إلى الضوء وقد أخبرتهم رسلهم بالعلوم ولكنهم ضلوا وكفروا لصدهم عنها وعدم استفادتهم منها فظلوا في جهلهم يقبعون. وفي الآية 1 الأنعام كانت الظلمات تحمل كل المعاني أي الجهل والضلال والكفر  والعتمة لذكرهن بصورة مجملة. ومعنى كلمة النور فيها هو العلم والهدى والإيمان والضياء.  
-   إن كلمة النور التي لم تذكر ولم يشار إليها من قريب أو بعيد في الآية 6 الزمر كانت من أساسيات الآية لأن خروج كل فئة من ظلماتها لا يتم إلا عن طريق النور وأن الخروج من الظلمات كان إلى النور أيضاً.
-  إن السمع قد تقدم على البصر في القرآن لأنه الأداة الأولى التي يعلم بها المرء علوم القرآن لأنها علوم غيبية أي غائبة عن بصره  -  البصر هو الأداة الثانية للعلم بعلوم القرآن لأن الله جعلها ترى الأدلة التي تؤكد وحدانيته بعد أن يسمع الناس بها.فهي إذاً  أداة رؤية الدلائل على صدق ما تم إخباره من علوم الغيب.
- لا تعمل الأفئدة إلا مع السمع أو البصر.
-   إن الذين استثناهم الله من الخسر في سورة العصر هم الذين تمت تصفيتهم وخرجوا من مدرسة الإسلام ظافرين بالنجاح في كل الإمتحانات. وهم الأمة الوسطى المعتدلة الملتزمة بالاستقامة بكل أحكام الله، هم أيضاً "الراسخون في العلم" وهم عباد الله المخلصين الذين ليس لإبليس عليهم سلطان وهم العلماء الذين يخشون الله وهم الفئة التي ستدخل الجنة بغير عقاب ولا حساب والله أعلم.
-  لا يكون كل من تعلم القرآن وعلومه بعالم إلا إذا عمل بكل التكاليف فرائضها وسننها توكيداً لإيمانه اليقين.
- نور السماوات والأرض هو هدى  الله الذي أنزله في كتب ليهدي به الخلق ووضعه على قلوب رسله الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام. والآيتان 1 ابراهيم و11 الطلاق أوضحتا أن الرسول والكتاب المنزل إليه هما اللذان سيخرجان الناس من ظلماتهم
-  لكل آية ظهر وبطن. فالظهر هو معناها الذي يتبادر للذهن من أول مرة والبطن هو المعنى الخفي الذي يحتاج للاستنباط.
-  استنتاج معاني الآيات الباطنة يؤدي لمعرفة معاني آيات أخر لأن الآيات كلها متشابهة في معناها ومرتبطة ببعضها ارتباطاً قوياً
-  استراتيجية الخالق في هدى خلقه هي تنزيل هداه على مراحل. وفي كل مرحلة تتم تصفية المؤمن المتيقن من الكافر المنافق الذي لم يؤمن يقيناً من أجل تحقيق أهداف الرسالة وهي عبادة الله واجتناب الطاغوت ثم تصفية الذين اجتنبوا الطاغوت وعبدوا الله والله أعلم .
    
  • البتول أحمد

أحدث أقدم