حوار صحفي مع الكاتبة والروائية خالدة غوشة حاورها الرسام المغربي داني زهير
الكاتبة والروائية خالدة غوشة فلسطين ابنة القدس الشريف ترعرعت حلى حب ترابها وهوائها، وبإيمانها القوي بان الكتابة خير وسيلة لتعبير عن الذات، فعند غضبها تمسك حبرها الاحمر الذي يسيل كالدمع والدم، وعند فرحها تجدها تكتب بحثا عن العبر بمعاني تختصب تلك الورقة البيضاء بحروفها الصامدة متناسية قسوة الحياة، وبمحبة وهدوء خالدة خطت بانتفاضة فعبرت عن سخطها على الاحتلال وعن تقديرها لتضحيات أبناء فلسطين عامة وأشبال القدس خاصة بأول محاولة نثرية جادة عبر كتيبها بعنوان "أوراق متناثرة" تم فصدر لها الجزء الاول من كتاب "خفايا الحياة" عكست فيه تجربتها المريرة مع الحياة ونظرا لرواجه في فلسطين وخارجها صدرت منه طبعة ثانية وثالثة حيث شارك الكتاب على مستوى مدارس القدس ضمن مسابقة "كتاب وقارئ" وامتدادا للجزء الثاني من سلسلة "خفايا الحياة" اصدرت "مفاتيح الأحلام" تناولت فيه مفهومها للأحلام وبين التفسير وبين جدية الحلم وانعكاسه على حياتنا اليومية بطريقة فلسفية مليئة بالروحانية. كانت "على جسد امرأة" أول رواية لها اقتبستها عن قصة واقعية لفتاة عربية التقت بها من دول المغرب العربي تناولت فيها ما تتعرض لها الفتاة العربية من اضطهاد من قبل الرجل فتنوعت فيها الصور الادبية والتشبيهات الجميلة، لقيت رواجا على المستوى المحلي والعربي كما اثارت انتقادات عديدة وصفها البعض بالجريئة عرفت انتشارا واسعا فتم طباعتها مرتين واصدرت رواية "نرجس والقطار" ورواية "بلا عنوان" مسيرة مرتبطة بالإبداع لخصتها خالدة غوشة في قلمها الاحمر.
بقلمك الاحمر الذي عاش شاهدا على حروف منتفضة ساخطة لى المحتل وبأحلامك البريئة والجادة ما رواية خالدة غوشة في هذا الزمن وما موقعها من الحياة القاسية؟
بعد مروري بحياة قاسية على المستوى الشخصي والمستوى العام، اشعر اننا نعيش في مجتمع ذكوري واجد نفسي حين اكتب انني مجبرة ان اوجه النصح والارشاد الى الفتيات وخاصة المراهقات منهن محاولة ان اضع بين ايديهن روايات تتحدث عن اهمية استقلال قراراتهن هذا بنظري الشخصي هو اهم سلاح علينا ان نسلح به فتياتنا.
خاصة ان المجتمع الذي اعيش به لا زال مقبلا على الزواج المبكر للفتيات وهذا بنظري هي بداية قصة مأساوية جديده احاول جاهدة من خلال كتاباتي ان اشجع الفتيات على الدراسه والعلم والعمل وبشكل عام رسالتي الثانيه والمهمه ايضا ان اوجه للإنسان عليه ان يحيا انسان، وهنا اقصد ان لا يفصل بين النفس والروح والجسد والضمير والعقل فكلما كان بينهم تفاهم شعر الانسان بالسعاده اكثر والرضا.
متى احسست اول مرة بعشق الكتابة وولع الابداع؟
ان الكتابة بالنسبة للكاتب هي احاسيس دفين يُعبر عنها من خلال إمساكه لقلمه وورقته ليخط كلمات وعبارات تُعبر عما يجول في خاطره، فقد يتعرض الكاتب او اي انسان آخر لموقف ما يستفزه من الداخل، فيجد نفسه مجبرا على التعبير عن ذلك بالكاتبة، بالنسبة لي كانت الانتفاضة الفلسطينية الاولى هي اول شرارة تحدث حريقا بداخلي، فكنت اتابع اخبار الانتفاضة فأشعر بالاستفزاز فعبرت عن غضبي ومشاعري من خلال الكتابة، فكنت اكتب ما اشعر به على ورقات ... فتناثرت أورقاي هنا وهناك ... وبعد سنوات جمعت تلك الورقات في كُتيب صغير عنونته في يومها "اوراق متناثرة" وكانت تلك اول محاولة لنشر كتاباتي.
أما متى احسست بعشق الكتابة فيمكنني القول انني شعرت بذلك في روايتي الاخيرة "بلا عنوان". لأنني فعلا في تلك الرواية أحسست بعشق للقلم وعشق للكتابة فعبرت عن ذلك العشق بتلك الرواية التي اعتز بها جدا.
ما سر القلم الاحمر ولماذا الاحمر؟
في حياتنا اليومية ومنذ كنا صغارا وخاصة الإناث مِنا يعيشون في بيت العائلة وفي مجتمع ضمن الخطوط حمراء، هذا مسموح وهذا ممنوع، بالنسبة لي استخدم القلم الاحمر لأنه لا خطوط حمرا لدي في الكتابة، فأنا اكتب بما يجول في خاطري .... وقد يصفني البعض بأنني كاتبة جريئة.
هل تجمعت أوراق خالدة غوشة المتناثرة؟
أوراقي كانت متناثرة فقط عندما كتبت اوراق متناثرة أما اليوم فأنا اوراقي لم تعد متناثرة .... فحين اشعر بعشق الكتابة ابدأ الكتابة على دفتر خاص حيث يرافقني دفتري وقلمي الاحمر في حقيبتي .... وحين اشعر بالكتابة امسك قلمي الأحمر لأخط عباراتي .... نعم اوراقي لم تعد مبعثرة.
الحياة روايات نجد بها نهايات سعيدة ونهايات حزينة كيف النهايات بروايات خالدة؟
ربما تعودنا في الدراما العربيه ان النهايات سعيده بالعاده لكن في رواياتي اعتمد على الدراما ولكنني اضع نهاية تخضع للمنطق الانساني لأنني دائما احترم عقلية القارئ وبالتالي اي نهاية غير منطقيه قد تروي أحاسيسه ومشاعره ولكنها لن تروي عقله، بالتالي فإن نهاية رواياتي كانت ما بين الفرح والتعاسه ولكنهما تخضعان للعقل والمنطق. ففي نهاية على جسد امراه مثال انتحرت البطله فهنا كانت الدراما قاسيه على القارئ لكنها نهايه منطقيه للإنسانة عاشت مآسي ومحن وكتب تاريخ على جسدها. بينما في رواية نرجس والقطار كانت النهاية انقلاب القطار وهذا وضع طبيعي لأنه يمثل حياتنا اليوميه ربما القارئ شعر ان النهاية مأساويه ولكن بقاء احدى الابطال على قيد الحياة رغم من الشلل الدائم الذي اصابها الا انها اكملت حلمها بالحياة.
اين يتجلى ايمانك بالروحانيات؟
انا انسانة لا استطيع ان اتخلى عن ايماني بالروحانيات .... فهي تتجلى معي في كل اوقاتي .... وربما اجيب عن هذا السؤال بعدة طرق .... ففي حياتي اليومية تتجلى الروحانيات في احلامي .... فأنا ممن يؤمنون ان الاحلام هي حياة اخرى نرحل بها اينما نشاء ونحاور من نشاء ... فتخيلي انني في احد احلامي حاورت ابليس .... وكتبت هذا الحلم في كتابي خفايا الحياة .
وقد اجيبك على نفس السؤال ان الروحانيات تجلت معي في رواياتي بلا عنوان .... التي اسميتها "ابنتي المدللة" .... ففي هذه الرواية تحاوره الروح والنفس والجسد والضمير والعقل .... حوارهم كان روحانيا .... وفي هذا الحوار عكست ما يجري معي في حياتي اليومية .... فأنا اعيش بين هذه المكونات الخمس .... ويوميا لا بد من ان يتم الحوار بينهم الخمس سويا.
ما هي احلام خالدة غوشة؟
احلامي عديدة .... بنظري هي بسيطة ولكن للبعض تعتبر طموحات عالية .... حلمي الاول تحقق وهو ان تتحول احدى رواياتي الى عمل سينمائي او تلفزيوني وفعلا هذا حدث حين اختار السيناريست المصري محمد الباسوسي روايتي "على جسد امرأة" كعمل تلفزيوني. واذا عدتِ الى مقدمة تلك الرواية ستعرفين انني توقعت ذلك. واليوم حلمي الكبير ان تترجم روايتي "بلا عنوان" لعدة لغات.
في نظرك هل للحلم جدية؟
الاحلام حياة ثانية نحياها .... فهي تعبر عما في خواطرنا ... وصدقا الليلة التي لا احلم بها استيقظ متوترة .... فهناك بالحلم نطير ونحلق ونحاور ونشاهد ما لا نقوم به بحياتنا العادية .... فأنا اشاهد الاموات وازور اماكن غير موجودة في الحياة الحقيقة .... وقدراتنا ونحن نحلم اعظم من قدراتنا بحياتنا العادية، فتخيلي أنني حفظ سورة الواقعة من القرأن الكريم .... في ليلة واحدة وانا احلم أنني أتلوها.... وفي الصباح وجدت نفسي أنني قد حفظتها بالكامل.
كيف هي حياة خالدة غوشة الشخصية؟
انا ام كباقي الأمهات اعيش برفقة ابني "ملاك" اليوم عمره 20 عاما اشعر اننا اصدقاء .... متعاونين داخل المنزل جدا، وهو يعتبرني صديقته المخلصة ... فهو طالب جامعي في سنته الثانية، ربيته ان يضع هو لنفسه خطوطا حمراء .... منحته كل الحب الذي لم اجد شخصا آخر في هذه الدنيا ان امنحه اياه .... اعيش بين مؤلفاتي .... ومسؤولياتي ... احاول ان اعيش بهدوء ... علاقاتي محدودة جدا ...واعتبر أن حياتي هي انا وملاك وبيتي وقلمي الاحمر ... تعودت منذ صغري ان اتحمل مسؤولية نفسي وتسيير امور حياتي .... دائما اعيش بإحساس النعم التي منّ الله بها علي، دائمة الشكر لله عز وجل.
كيف يصفك النقد؟
البعض وصفني بكاتبة الروح .... البعض اعتبرني جريئة .... وآخرون قالو عني "مبدعة ومتعمقة" وبالطبع البعض وصفني بالكاتبة الخياليه ، كل له رأيه، واحترم اراء الجميع.
نرجس والقطار، بلا عنوان، على جسد امرأة، مفاتيح الاحلام خفايا الحياة كلها مسميات لعناوين كتبك حققت نجاحا كيف تختارين العنوان؟
للحقيقة أنا لا اختار العنوان الا بعد ما انهي روايتي حين اضع النقطه الاخيره أبدأ مباشرة بعمل فنجان قهوة وأشعل سيجارتي وأبدا أوقل لنفسي ما هو مربط حبكة هذه الروايه ومن هنا اخرج باسم الروايه مع أخر رشفة قهوة.
ماذا عن الرجل في حياتك؟
الرجل شيء مهم في حياة المرأة، فهو الذي يمنحها السعادة والحنان والعاطفة، والمرأة لكي تشعر بجمال ومتعة الحياة لا بد أن يكون في حياتها رجل،
وقد يكون هذا الرجل هو .... الزوج .... الاب .... الاخ .... الأبن .... الصديق وانا فعلا رجلي في هذا الزمن والذي يمنحني الدفيء والحنان والسعادة هو ابني "ملاك"
دعينا نتحدث عن الاعلام الفلسطيني مقارنة مع الاعلام العربي؟
الاعلام الفلسطيني اهتم بي كثيرا .... وعمل على منحني حقي ففي كل اصدار لي كنت اشعر بكل الاهتمام منه .... سواء المرئي او المكتوب، فأنا احترم إعلامنا الفلسطيني الذي يهتم بأبناء الوطن حسب ما لديه من قدرات.
أما الاعلام العربي فلم يمنحني حقي وقيمتي لليوم واشعر أنه مقصر معي ... وأملي به كبير .... مع انني احلم كثيرا بالإعلام العربي واتمنى ان تتحقق احلامي.
ماذا صنع منك التاريخ أي النساء تنتمين؟
رغم عمري الطويل "40" عاما فقد تمكنت خلالها ان اشاهد نفسي، امرأة مكافحة عنيده صبورة طموحة" اعتقد خلال مسيرتي ان التاريخ صنع مني كاتبة مبدعة، وأما عظيمة وهذا أمر أفخر به جدا.
لأي النساء انتمي، هذا سؤال صعب..
لا استطيع ان احدد لأي النساء انتمي، فحياتي في وطني كانت صعبة جدا، فكان حلمي ان انتمي لنساء ربات البيوت، فأنا اعشق البيت والأسرة، ولكن تاريخي اجبرني ان اذهب الى عالم العمل والشقاء، ورغم ذلك أحب حياتي وفخورة ... أين وصلت.
ما الذي لمسته من اختلافات وفوارق في الروايات والكتب ايام الثمانينات عن الان؟
في الثمانينات كنت فتاة صغيرة السن كوني من مواليد العام 1973 ولكن استطيع القول ان الروايات والكتب كانت متنوعة اكثر كانت تأخذ من وقتنا الكثير وكانت ملاذ رائع لمن يبحث عن المعرفة والسكينة والهدوء .... اليوم الامور معاكسة تماما .... التطور الإعلامي المهول في الاتصالات والانترنت افقد الكتاب أهميته ... لهذا أنا حين اكتب رواية لا استخدم الكمبيوتر، بل لا زلت استخدم القلم والاوراق.
هل القلم الاحمر مرة أخرى استفاق وهل من جديد في جعبته؟
دائما في جعبتي الجديد، ولكن متي اشعر أنني بحاجة إلى قلمي الأحمر ودفتري .... فتلك لا استطيع تحديدها .... ولكن في كل عام لا بد ان امسك قلمي الاحمر ودفتري لأخط رواية جديدة.
كلمة ختامية
في النهاية اشكر اهتمامك بي ككاتبة عربية فلسطينية، ولقائي معك اعتز به كثيرا وهو بداية لاهتمام الإعلام العربي بكتاباتي وبداية لتحقيق حلمي .... لك حبي وتقديري ولبلدك الشقيق.
حوار: الفنان العالمي داني زهير