من الظواهر الشائعة هذه الأيام والتي تدعو للقلق الشديد ظاهرة بدانة الأطفال, فظاهرة تكاد أن تتحول إلى"وباء" يهدد حياة الأطفال حول العالم وخاصة في الخليج الذي يعاني ثلثا سكانه من البدانة,فنسبة الأطفال الخليجيين الذين يعانون من السمنة دون العاشرة 12% ونسبة اليافعين دون 18 بلغت 46% ,وهذه النسب المرتفعة تدق ناقوس الخطر, فالطفل البدين اكثر عرضة لزيادة البدانة والأمراض المرتبطة بها عندما يكبر وخاصة أمراض القلب والشرايين والسكري والسرطان.
علينا أن نعترف أن ثقافتنا الغذائية شبه معدومة فنحن كشعوب عربية وخليجية تحديدا من اكثر المجتمعات التي تعاني من العادات الغذائية السيئة ومن ارتفاع معدلات السمنة بين سكانها سواء البالغين أو الصغار, فغالبا ما نهمل وجبة الافطار رغم أهميتها للأطفال ونتغاضى عن "لمة الأسرة" حول طاولة الطعام بحجة الركض خلف لقمة الحياة وتأمين حياة كريمة للعائلة , فالأب مشغول بأعماله والأم تنازلت عن دورها كأم للخادمة أو الطباخة ليتناول الصغار الأطعمة المقلية والحلويات والمشروبات الغازية أمام شاشة التلفاز,وحتى حينما تحين العطل الاسبوعية يسارع الوالدان بأطفالهم إلى مطاعم الوجبات السريعة غير مكترثين بالأمراض التي ستنهش اجساد صغارهم جراء تناول تلك الوجبات المليئة بالدهون والسكريات.
اطلعت قبل سنوات على دراسة علمية تحدثت عن ارتفاع معدلات السمنة بين الأطفال في الخليج وزيادة مخاطر اصابتهم بالنوع الثاني من مرض السكري وارتفاع مستوى الدهون بالدم وارتفاع ضغط الدم بسبب استبدالهم العابهم الحركية بالجلوس امام القنوات الفضائية لمشاهدة افلام الكرتون واللعب لساعات طويلة على أجهزة الكمبيوتر.
حينما شاهدت اليابان ارتفاع معدلات البدانة لدى الأطفال في العالم قررت ان تتعامل بصورة مختلفة مع هذه المشكلة التي لها اثار صحية واقتصادية فأطلقت العديد من السياسات التي عملت على التصدي للارتفاع في بدانة الأطفال ,ومن اهم هذه السياسات وجبات الغداء المدرسية فالمدارس لا تعطي الطالب حرية اختيار طعامه فهو ملزم بتناول الوجبات المدرسية حتى المرحلة الثانوية, ورغم ان هذه السياسة لم تحل مشكلة بدانة الأطفال من جذورها لكنها على الأقل حققت بعضا من النجاح, فالأطفال اليابانيون مازالوا أقل عرضة للسمنة من غيرهم .
للأسف رغم كثرة الدراسات التي تتناول هذه الظاهرة الخطيرة والتحذيرات التي يطلقها الخبراء والأطباء العرب في كل عام حول ظاهرة سمنة الأطفال المفرطة ومالها من آثار سلبية سواء على صحة الأطفال أو نفسيتهم أو حياتهم الاجتماعية إلا أن تلك التحذيرات يتم تجاهلها ولا يلتفت لها فما زالت بعض العائلات تؤمن بأن سمنة الطفل وامتلاء خديه دليل على الصحة وأنه "ابن عز"!
وتيرة الحياة السريعة و الركض خلف لقمة العيش لا يلغي مسؤوليات وواجبات الأبوين تجاه أولادهم, فمسئولية الوالدين لا تنحصر في توفير الحياة الكريمة لأطفالهم بل أيضا في توعيتهم لنوعية الطعام المناسب لهم وخاصة أن الأطفال لا يختارون البيئة التي يولدون ويعيشون بها أو الغداء الذي يتناولونه.
نشر في صحيفة الشرق القطرية