دائماً ما يسعى الإنسان السوي إلى تحري الكمال في القول والفعل، وغالباً ما يستعين بعقيدته التي ينتمي إليها وشريعته التي يعبد الله بها، فالأصل أن يكون الإنسان عبداً لله مطيعاً لمشيئته منفذاً لشريعته التي توصله لدين الله الذي ارتضاه لبني آدم منذ خلق الله الأرض ومن عليها، فالكل –إنس وجان-ممن يسكنون الأرض مكلفون بعبادة خالقهم وموجدهم، ولهذا أرسل الله الرسل والأنبياء على مدار العصور للتنبيه برسالة الخلق، والتذكير بالهدف الأسمى من الوجود وهو عبادة الله سبحانه وتعالى.
وعبادة الله سبحانه وتعالى ليست هي الصلاة والزكاة وإقامة الشعائر الدينية على اختلاف الشعائر فحسب بل هي إسلام الروح والبدن وإعلان تمام العبودية لله وحدة دون شريك، وهي أسمى مراتب العزة أن يكون المرء عبداً خالصاً مطيعاً لله وحده.
ولنتأمل الحادث حولنا يجب علينا أن نرده لأصوله، فهل ما يحدث يتطابق مع مراد الله أم يتعارض معه؟
عندما صعد من ينادون بمشروع إسلامي إلى سدة الحكم بطريقة مشبوهة بدعوى أنهم سيطبقون شرع الله على الناس، ثم نجد كل أقوالهم وأفعالهم تتنافى تماماً مع مقاصد شرع الله من إفشاء السلام بين الناس، وبر الآخر والإقساط إليه طالما لم يشهر في وجوهنا السيف أو يستعين بقوته ليناصبنا العداء، لا تستطيع أن نقول في هكذا حالة أن هؤلاء يدعون لتطبيق شرع أو تثبيت سلم وهم يجاهرون بالعداء لمن عاداهم أو خالفهم في رأي أو نبههم لفساد طريقتهم، لا أستطيع تسميتهم حينئذ إلا بأنهم أعوان الاستعمار وأنهم يحتلون الوطن احتلالاً فكرياً تمهيداً لسياسة الوطن بالقمع باسم الدين وترسيخاً لفاشية باسم الدين لا تخدم إلا من لهم أطماع في الوطن ومساعدة لهم في تشويه صورة الدين الذي يقف حائلا بين المتمسكون به كعصمة لهم وعزاً والداعين للتجرد من عبودية الله إلى عبودية النفس والمال والعصبية العقيمة التي لا تفرق بين قريب أو بعيد، هي تمهيد لتسليم مقدرات الوطن بأيدي المحتلين الجدد، الذين لن يحركوا جيوشاً بل سيحركون عقولا تحمل معول الهدم لكي تنقض على نفسها، حتى يقضون على أنفسهم وتصبح أرض الوطن مباحة مستباحة للطامعين الذين لا يعنيهم أن تكون صاحب عقيدة أو حتى صاحب حضارة تضرب بجذورها في عمق التاريخ، فهؤلاء هم معاول الهدم باسم الدين –وهو منهم براء- وأيدي نجسة تعين بل وتمهد الطريق لضياع الناس في تيه السفسطة والجدل العقيم تثبيتاً لمصالحهم المشبوهة التي تنجلي خطتها الخبيثة كل يوم بغباء منقطع النظير ينم عن فساد المقصد والتوجه.
ولقد كان منهجهم هو:
- تشويه كل من ساندهم للوصول (الأحزاب والقوى السياسية)
- ثم ملاحقة الذين يفضحون تحركاتهم (وسائل الإعلام المختلفة)
- ثم يتصيدون الأخطاء للآخر (إلصاق التهم الغير صحيحة برموز من يعارضونهم)
- ثم تصوير الآخر أنه يعين الأعداء على الوطن (اتهامات بالعمالة والتمويل المشبوه)
وهو عين ما يفعلونه الآن، فالإنسان الغير سوي الفاسد العقيدة دائماً ما يصم الآخرين بما اُبتلي به تدليساً وتغييباً متعمداً للحقيقة، فهم في الحقيقة أول من تخلى عن الآخرين وآثر الاستحواذ على كل شيء ليصبغه بصبغته، وهم الذين يلاحقون كل الإعلاميين بالبلاغات التافهة التي غالباً ما تنتهي إلى لا شيء بل تُزيد وتيرة فضحهم بإيادي من يتربصون بهم ويحفزون الآخرين من فرط تفاهة التهم، بل ينبهون الآخرون أن هناك شيء ما يجب ملاحقته، وهم من بدأوا بتشويه الشرفاء من معارضيهم للتغطية على حقارة تاريخهم المليء بالاغتيالات والعِمالة لأعداء الوطن منذ صنعتهم المخابرات الإنجليزية تمهيداً لتحولهم من محتلين للوطن عسكرياً إلى محتلين للوطن فكرياً، تمهيداً لهدم كيان الوطن بالكامل وتناحر طوائفه وفئاته، ولكن كان الشعب المصري –ولم يزل- حائط الصد للتطرف بوسطيته والتي يمثلها الأزهر الشريف، وحضارته وخبرته المتراكمة عبر التاريخ في أساليب الفاشية الدينية والعسكرية، فالشعب المصري هو صمام الأمان لهذا الوطن، والله فوق الكل حارس وحامٍ لهذه الأرض المباركة التي تجلى عليها وكلم موسى –عليه الصلاة والسلام- على أرضها، وكانت الأمان لعيسى - عليه الصلاة والسلام- وأمه في رحلتهما هربا من البطش، ومنها نسب النبي - عليه الصلاة والسلام- بزواجه من إحدى بناتها، كما حدث مع أبو الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- بزواجه من هاجر المصرية التي أنجبت إسماعيل – عليه الصلاة والسلام- أبو العرب.
ولهذا كله نخلص إلى أن هذا الوطن عصي على تغيير هويته، طال الزمان أو قصر سينتهي هذا الاحتلال الفكري، وستنتصر إرادة العبودية لله، وسيكون أول الاستقلال عن التبعية للمحتلين الاستعماريين غلاظ القلوب في تاريخ هذا الوطن، فما يحدث الآن هو سؤال إجباري كان يجب على الشعب المصري الإجابة عنه، وأصبح واضع لكل ذي عينين مدى الرفض الشعبي لتغيير الهوية الحضارية لهذا الوطن الذي حفظه الله تعالى أمناً وأمانا للجميع حتى في أشد حالات الانفلات الأمني والأخلاقي المصطنع، ويكفي أن تعلم أن هذه الأرض أمانا لكل الهاربين من الطغيان، فلم تضع الفارين في خيام وتتسول من أجلهم من الدنيا، بل كل من لجأ إليها ذاب في ربوعها يعيش آمنا مطمئناً بين أهلها في طول البلاد وعرضها.
- بقلم: أحمد كمال نجم الدين