قصيدة الحب المجنون

277112183291968608WiWag7f5c

-1-‏

لا, لا شيء يصل متأخّراً, لأنّ للأشياء كلّها‏

وقتها الصحيح, مثل القمح والورود؛‏

بيد أنّه, خلافاً للسنبلة والزهرة,‏

كلّ وقت هو وقت وصول الحبّ.‏

لا, الحبّ لا يصل متأخّراً. فقلبك وقلبي‏

يعرفان خفيةً أنّ ما من حبّ متأخّر.‏

فالحبّ, في أيّة ساعة يقرع فيها باباً‏

يقرعه من الداخل, فقد كان مفتوحاً.‏

وثمّة حبّ شجاع وثمّة حبّ جبان,‏

لكنّ أيّاً منهما, بأيّ الأحوال, لا يصل متأخراً.‏

-2-‏

الحبّ, الطفل المجنون للابتسامة المجنونة,‏

يأتي بخطأ وئيدة مثلما يأتي سريعاً؛‏

لكنّ لا أحد يسلم, لا أحد, إذا ما رمى‏

الطفل المجنون سهمه, مصادفة, ليتسلّى.‏

هكذا, يحدث أن يتسلّى طفل شقي,‏

ويصاب رجل, رجل حزين, بجراح قاتلة.‏

وأيضاً, حين يلهب السهم جرحه,‏

لأنّه يحمل سمّ وهمٍ ممنوعٍ.‏

ويتحرّق الرجل في لهيب عشقه, ويتحرّق, ويتحرّق‏

ولا حتّى عندها, يصل الحبّ متأخّراً.‏

-3-‏

لا, لن أقول أبداً في أيّة ليلة صيف‏

هزّتني حمّى يدكِ في يدي.‏

لن أقول ما أقوله لكِ وحدكِ عن أنّ ما حلمت به معك‏

في تلك الليلة قد ألهب دمي.‏

لا, لن أقول تلك الأشياء, وأيضاً لن أحكي‏

عن لذة تأمّل نهديك الآثمة.‏

ولن أحكي أيضاً عمّا رأيته في نظرتكِ,‏

عمّا كان كمفتاح باب موصد.‏

لن أقول المزيد. لم يكن وقت السنبلة والزهرة,‏

ولا حتّى عندها, وصل الحبّ متأخّراً.‏

* ـ شبيهة الريح‏

شعرت بكِ، مثل الريح، حين كنت تمرّين؛‏

كالريح تجهل ما إذا كانت تصل أم ترحل...‏

كنتِ مثل نبع انبثق قريباً مني.‏

وأنا، طبيعياً، عطشت وشربت.‏

وصلتِ كما الريح، غريقة المصادفة،‏

بعينيكِ، المرحتين اللتين تُحزنان البحر.‏

وكي يستطيع المساء أن يُمسي،‏

رحلتِ كما الريح، التي لا تعرف كيف تعود.‏

* ـ قصيدة الحبّ السيء‏

كم هو مؤسف يا صبيّة‏

ألاّ أستطيع أن أحبّك!‏

فأنا شجرة يابسة لا تنتظر سوى الفأس،‏

وأنتِ جدولٌ مرحٌ يحلم بالبحر.‏

رميتُ شباكي في النهر ....‏

فتقطّعت شباكي..‏

فلا تجمعي كأسك المترعة مع كأسي الفارغة،‏

لأنّني إن شربت من كأسك فسوف أزداد عطشاً.‏

بالقبلة نقبّل،‏

وبالحبّ نحبّ..‏

ذاك هو حبّك الآن، لكن ليس الحبّ هكذا،‏

فالثمرة لا تولد إلاّ بموت الزهرة.‏

الحبّ بسيط جداً،‏

من غير أن نعرف لماذا...‏

لكن هكذا، مثلما تفقد العملة بريقها،‏

تفقد الروح، شيئاً فشيئاً، إيمانها.‏

كم هو مؤسف يا صبيّة‏

ألاّ أستطيع أن أحبّك!‏

ثمّة أشرعة تتمزّق مع أوّل هبّة ريح‏

وكم هي كثيرة الأشرعة الممزقة في عرض البحر!‏

لكن، وإن كانت لكلّ‏

جرح ندبة،‏

فلا يهمّ الورقة الجافة في غصن مزهر،‏

إن كان ألم تلك الورقة لا يصل إلى الجذر.‏

الحياة، ناراً كانت أم ثلجاً،‏

هي طاحون‏

تطحن أجنحتُها الهواءَ الذي يحرّكها،‏

ساحقة ذكرى ما مضى...‏

إنّ ما هو لي كان لي‏

والآن أمضي على غير هدى...‏

وإن كانت الوردة أجمل إذ يبلّلها الندى،‏

فإنّ لضرب المطر أن ينزع أوراقها...‏

كان لي حبّ جبان.‏

كان لي وأضعته..‏

لقد تأخر الوقت كثيراً على حبّك المبكر،‏

لأنّ ما يشرق فيكِ يمسي فيّ.‏

تنفخ الريح الشراع، لكنّها تنسل خيوطه،‏

وتصير مياه الأنهار مُرّة في البحر...‏

كم هو مؤسف يا صبيّة‏

ألاّ أستطيع أن أحبّك!‏

* ـ أغنية البحث‏

ما أزال أبحث عنكِ يا امرأة أبحث عنها بلا جدوى،‏

يا امرأة اعترضتِ طريقي مرّات كثيرة،‏

من غير أن أبلغكِ أبداً حين مددت يدي‏

ومن غير أن تسمعيني حين قلت: «أحبّك...»‏

ومع ذلك، أنتظر، ويمضي الوقت ويمضي.‏

ويأتي الخريف، وأنتظر أيضاً:‏

مما كان ناراً متأجّجة لم يبقَ سوى جمرة فقط،‏

لكنّني ما زلت أحلم بأنّه لابدّ من أن ألقاكِ يوماً.‏

وربّما، في ظلّ أملي الأعمى،‏

إن انتهيت بأن ألقاكِ ذات يوم، فسأشعر أنّني جبان،‏

إذ أدرك، فجأة، أنّ ما لا يصل أبداً‏

يحزننا أقلّ مما يحزننا ما يصل متأخراً.‏

وسأشعر في عمق يديّ الخاويتين،‏

أبعد من ضباب عينيّ الجلفتين،‏

بجزع الساعات إذ تتحوّل إلى أيّام‏

وهلع الأيّام إذ تتحوّل إلى سنين...‏

وربّما يكون جبينكِ الحالم ذاوياً‏

ولا حرارة للهب، ولا بريق للنجم...‏

وإذ لا أقول: «هذه هي!» ـ كما كنت لأقولها الآن ـ،‏

سأواصل طريقي، متمتماً: «كانت هي.....»‏

* ـ أغنية الانتظار‏

أنتظر ابتسامتكِ وأنتظر عبيركِ‏

رغم كل شيء، رغم الزمن والمسافة.‏

لا أعلم من أين، ولا إلى أين، ولا متى‏

سوف تعودين... فقط أعلم أنّني سأكون في انتظاركِ.‏

في عمق الغابة وفي قاع البحيرة،‏

في لحظة الفرح وفي لحظة الشؤم،‏

في الاحتفال الوثني وفي الطقس المقدّس،‏

في الصمت الصافي وفي الصرخة الفظّة.‏

هناك حيث يكون صوت الشلال أقوى،‏

هناك حيث كلّ شيء وهناك حيث لا شيء،‏

في ريشة الجناح وفي شمس المغيب،‏

سأنتظر وقع خطوك الرنّان.‏

أعلم أنّ الناس يسخرون مني‏

حين يرون كيف أنتظركِ بيأس.‏

حين تنطفئ كلّ النجوم في السماء،‏

حين تشلّ كل الطيور عن الطيران،‏

وقد أتعبها انتظاركِ، في ذاك اليوم‏

البعيد سأكون ما أزال في انتظاركِ.‏

لا يهمّ: وإن قالوا جميعاً إنّني أهذي،‏

فأنا أنتظرك في موجات النهر الموسيقيّة،‏

في الغيمة التي تصل بيضاء من مسيرتها،‏

في الطريق الضيق وفي الطريق القويم.‏

طفلاً، شابّاً أم شيخاً، باسماً أم باكياً،‏

في الفجر أو عند المساء، سأكون في انتظاركِ‏

وإن اقتنعت بأنّ ذلك اليوم القلق‏

لن يأتي، فسوف أنتظركِ أيضاً.‏

* ـ أغنية المطر‏

لعلّها تمطر على شبّاككِ أيضاً:‏

لعلها تمطر بصمت، هكذا.‏

وفيما يُمسي الصبح باكراً،‏

أعلم أنّك ستفكّرين بي، وإن كنتِ لا تريدين ذلك.‏

وسيجفل قلبك الهانئ،‏

شاعراً باستيقاظ حنانه الذي كان بالأمس.‏

وإن كنتِ تخيطين، فسوف ينعقد الخيط عقدة،‏

وسوف تمطر في عينيك، بعد أن يتوقف المطر.‏

* ـ أغنية الحب البعيد‏

لم تكن الأجمل، بينهن جميعاً،‏

لكنّها منحتني الحبّ الأعمق والأطول.‏

أخريات أحببنني أكثر؛ لكنّني‏

لم أحبب واحدة كما أحببتها هي.‏

ربّما لأنني أحببتها من بعيد‏

مثل نجمة من شبّاكي...‏

والنجمة التي تلمع من بعيد أكثر‏

تبدو لنا وكأنّ لها انعكاسات أكثر.‏

كان حبّها مثل شيء قديم‏

كشاطئ يزداد وحدة،‏

يحتفظ من الموجة فقط‏

برطوبة ملح على الرمال.‏

كانت بين ذراعيّ من غير أن تكون لي‏

كما الماء في إبريق ظمآن،‏

مثل عطر راح في الهواء‏

وفي الهواء يعود أيضاً.‏

دخلني ظمؤها الذي لم يرتو‏

مثل محراث على السهل،‏

يفتح في شقّه الزائل‏

أمل الحصاد السعيد.‏

كانت القريب في القصي‏

لكنّها كانت تملأ كلّ الفراغ،‏

كما الريح في أشرعة السفينة‏

كما الضوء في المرآة المكسورة.‏

لذلك مازلت أفكّر في تلك المرأة،‏

تلك التي منحتني الحبّ الأعمق والأطول...‏

لم تكن أبداً لي. لم تكن الأجمل.‏

أخريات أحببني أكثر... لكنّني،‏

لم أحب واحدة كما أحببتها هي.‏

* ـ الحب المتأخر‏

متأخراً، في الحديقة المعتمة،‏

متأخراً دخلت فراشة،‏

محوّلة إلى فجر عجائبي‏

غسق الصيف المُحيط‏

وعطشى إلى العسل والطلّ،‏

متأخراً، وقفت على شجرة الورد،‏

وأكيداً سقطت أوراق آخر وردة‏

مع أوّل رشقة برد.‏

وأنا، الذي أحثّ الخطو نحو الغروب،‏

أحسّ وهماً يصل على نحو مدهش‏

مثل تلك الفراشة،‏

لكن في خريف كآبتي،‏

يا فراشة الحب، في آخر النهار،‏

كم تصلين متأخرة إلى قلبي...‏

للشاعر الكوبي: خوسيه آنخل بويسا

ترجمة: سلام عيد

إرسال تعليق

أحدث أقدم