الانتخابات الإيرانية بالضيق والمضيق

image001[1]ضيق النفس ومضيق هرمز رصاصتان .. إن كانوا الأطباء يوما أطلقوا إحداهما (رحمة) على منطقة الصدر والرئة، بما لهذه المنطقة من علاقة مباشرة بجهاز التنفس الحساس مجرى شرايين الحياة، وبما تتطلب تلك المنطقة للجسم من الرعاية والعناية، حمايةً من الأمراض والأعراض؟

فإن الرصاصة الثانية قد يُطلقها الإيرانيون على مضيق هرمز مجرى شرايين الإقتصاد بالمنطقة، لا رحمةً ولا نقمةً، وإنما عرضا وإستعراضاً بمنهجية علىّ وعلى أعدائي، لأنّ إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية بالمنطقة، وعرقلة صادرات النفط، السلعة الإستراتيجية الأساسية التي تعتمد عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة إقتصادها المهموش بالبطالة لمستوى 12%، وغلاء سلع الأساسية التي رفع عنها الدعم الحكومي وعن الخدمات الأساسية بالبرنامج الاقتصادي الجديد الذي طبقته  حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد لاحقا، ناهيك عن تدهور سعر صرف العملة المحلية الريال، وزيادة التضخم اللامحدود بمعدله المعلن رسميا21%، والمتناقض ببيانات المنتقدين الذين يقولون ان معدل التضخم في إيران يصل الى 50% .. هذا الهمّ الاقتصادي الداخلي يؤكد أن إيران هى اول من تصيبها رصاصة المضيق (إن جازت التسمية)، ولن تكن هى المتعافية الأولى من جروحها ومضاعفاتها الجانبية في المنطقة على مر العقود

ورغم القلق من ضبابية هكذا مشهد إقتصادي داخليا، كان هذا الأسبوع محطة إنطلاق لإنتخاب البرلمان الإيراني (المجلس) الذي يتكون من 290 عضو، وكانت الإنتخابات هذه المرة صاحبة حظوة رغم الإختفاء عن الساحة، الحركة الخضراء المعارضة التي لا يزال قادتها تحت الإقامة الجبرية منذ فبراير/شباط 2011.

أُغلقت مراكز الإقتراع بعد خمس ساعات إضافية مُمدّدة للمرة الرابعة على التوالي، والأولى من هذا النوع وبهذا القدر من التمديدات منذ الإنتخابات الرئاسية المثيرة للجدل الفائزة بها أحمدي نجاد عام 2009، وايضا من الانتخابات التي قيل فيها قليلٌ من كثير ما قيل في الإنتخابات السابقة، منها إستغلال كلمات لرفسنجاني وهو يدلي بصوته: (أرجو لإنتخابات هذه المرة ان تكون كما يريدها الشعب الإيراني؟)، وتحويلها إلى ورقة رابحة للطرفين (المحافظين والإصلاحيين).

فمن المتوقع إعلان نتائج هذه الإنتخابات خلال الساعات المقبلة، وإن قيل أنها محسومة النتائج سلفا لأكثر من 48 مليون ناخب إيراني ممن يحق لهم المشاركة عبر 47 مراكز التوزيع المتوزعة بين 3 آلاف و296 مرشحًا .. كما ورُوهن أيضا على نتائجها بانها ستُحدّد ميزان القوى للطرف الفائز فيما تبقى له من الوقت للانتخابات الرئاسية المقررة في 2013، ولم تتغير لهجة احمدي نجاد عن البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.

لكن وقُبيل إغلاق الصناديق كان هناك من واشنطن صوت أوباما،  يحذر ايران من اللجوء للخيار العسكري اذا فشلت الدبلوماسية، إذ وجه هذه المرة الرئيس الأمريكي بأشد تهديداته حتى الآن، بتحرك عسكري أمريكي ضد إيران اذا فشلت جهود كبح طموحها النووي، لكنه حذر أيضا من ضربة استباقية إسرائيلية لإيران.!

وكان تحذير أوباما في مقابلة مع مجلة اتلانتيك الشهرية، قبيل استقباله لبنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، إذ قال فيما قال: "أنا كرئيس للولايات المتحدة .. لا أُخادع." واضاف "اعتقد أن الحكومتين الايرانية والاسرائيلية تدركان أنه عندما تقول الولايات المتحدة "من غير المقبول ان تمتلك ايران سلاحا نوويا فنحن نعني ما نقوله."

وكرر أوباما موقف أمريكا بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" لكنه تحدث بدرجة اكبر عن تحرك عسكري أمريكي محتمل اذا فشلت العقوبات والدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الايرانية، وقال عندما سُئل بشأن النوايا الامريكية "انها تشمل جزءا عسكريا. واعتقد ان الناس يدركون هذا."

ومباشرة بعد هذه الورقة الأمريكية تلي الورقة الإسرائيلية الأمريكية، إذ من المتوقع ان يصل نتنياهو خلال الساعات المقبلة الى واشنطن للاجتماع بأوباما، ومن المتوقع ان تهيمن الطموحات النووية الايرانية في النقاشات المجدولة بين الطرفين، ضمن مؤشرات أمريكية بإحياء المسار التفاوضي، وإصرار إسرائيلي على دق الطبول.

اوباما قد يفضل النهج الدبلوماسي مع زيادة العقوبات، ونتنياهو قد يطالب "بإطلاق اليدين  في مواجهة من يريد محو إسرائيل من الخارطة" .. هنا نريد لمحة تأمل من اشقائنا الإيرانيين إن احبوا التأمل مع أشقائهم العرب؟

فلنتأمل معا في تخصيب العقل قبل تخصيب اليورانيوم، نعرف ان الكرسي النووي جليسه صاحب نفوذ وسلطان، قد تسجد له الدنيا، تتملق له الأقاليم يجاملونه العظماء والكبراء، ويختارونه ضيف شرف اينما حل حفلٌ وهو غائب، لكن إيران الجارة الشقيقة المسلمة، التي ارادت قوتها بالحلم الإسلامي وبحسن الجوار مع دول المنطقة، وكنا نراهن في مهد الجمهورية الاسلامية ان إيران آية الله الخميني ستعيد لنا جزرنا الإماراتية المحتلة، لأنه لم تعد إيران شاه المحتل..! وأعجبتني آنذاك مقولة الكاتب الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل إبّان زيارته الأولى لطهران بعد نجاح الثورة الإسلامية في الثمانينيات، أن إيران بوجودها بين العرب بل ورغم وجودها في قلب منطقة العروبة، إلا انها قبلت الإسلام ولم تقبل العروبة.!

فهل تفكر إيران الجارة الشقيقة المسلمة مع اشقائها المسلمين العرب، لنجيب معا على العقل السائل باللغة العربية، إجابة شاملة مفهومة ولو مزدوجة باللغتين العربية والفارسية، ان المنطقة هل تتحمل المزيد من الحروب؟

ثمّ، وإن إشتعلت الحرب من جديد في الإقليم برصاصة مجنون لا سمح الله، وهذا ما يريده المجنون العدو المشترك،  فمن أين نأتي بذلك العاقل القادر على إطفائه، خاصة لوكان ذلك العاقل هو نفسه العاجز عن الإطفاء في العراق وأفغانستان.؟

  • بقلم: أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)
  • البريد الإلكتروني: ui@eim.ae

إرسال تعليق

أحدث أقدم