كما ان الخبر صحيحٌ أن "ببورسعيد قتلٌ العام عقب مباراة الأهلي والمصري بدماء ما لايقل عن 70 قتلى، كذلك الخبر صحيح بيومه كان (فيس بوك للإكتتاب العام بما لايقل عن ـ75 الى 100 مليار دولار) .. الخبران صحيحان وصادران مباشرة من مصادرهما.
فلنتوقف بالعقل مع العقل، مع فيسبوك وما تناقلته عنها وكالات الأنباء في رأس قائمة الأخبار الإقتصادية لهذا الأسبوع، لانه خبر عقل وعملاق .. لكن .. وكما أنّ وراء كل رجل عظيم إمرأة، وليس بالضرورة ان تكون تلك المرأة أيضا عظيمة، كذلك ليس بالضرورة أن المكتتبون في العملاق "فيس بوك" كلهم عمالقة.
صحيح ان الخطوة تعتبر الأكبر في تاريخ الطرح الأولي العام IPO، لعملاق التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، لكنه أيضا صحيح ان نتوقع بعد كل خبر حقيقي منسوب إلى العمالقة، إشاعات وهمية للأقزام، وأكاذيب للعظماء الدجّالين، عاكفون على سفرة الإرتزاق في حوانيتهم للنصب والإحتيال.
"الفيسبوكيون" يستعدوا من الغد، ومباشرة على إيقاع هذا الخبر الإقتصادي العملاق، لتلقّي الفاكسات والميلات ورسائل نصية على جوالاتهم، إشعارا (مثلا) بأن من له حساب في الفيسبوك؟ أومن في قائمته أكثر من ثلاثة آلاف صديق وصديقة؟ أومن يسكن في المنطقة الفلانية من بلدان ما يسمّى بالربيع العربي؟ أومن له صلة قرابة بقذافي، صدام أوحسني مبارك (مثلا)، ومن ومن؟، فله كذا أسهم منحة، وكذا أسهم حق الإكتتاب، وكذا زوجات وصديقات بالنسبة والتناسب .!
فيسبوك يومه في عالم، ويتم إستخدامها يوميا في عالم آخر، إن كانت فيسبوك أنجبت في جامعة هافارد عام 2004 على يد الطالب الشاب مارك زوكربيرغ، فإنها تتوالد وتتناسل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة في كل بقعة من بقاع الكون، إنها في عالمين مختلفين كل منهما يقول للآخر (لكم دينكم ولي دين).
الفيسبوكيون في عالمهم معدودون، وما أكثرهم المُتستّرون الدجالون المُقنّعون بها في عالم آخر؟ عالمان أحدهما مدمنٌ بالإبداع والإبتكار، والآخر مدمنُ بالإستهلاك والإنتقاد، فيسبوك كالطائرات يصنعها عالمٌ لإثبات الوجود بقوّة، ويستهلكها عالمُ آخر بركوبها حينا وبتفجيرها أحيانا لإثبات وجود أقوى.
فيسبوك سلطانٌ على عوراتنا، وشبّاكٌ على شبابيكنا، (فيسبوك للتعرية) أدقُّ تعبيرا من انها للتسلية، أُخترع في عالم ليخترقوا بها عالما آخر، مخترعها شاب ثلاثيني من ذلك العالم بمفرده، ومستهلكوها المدمنون من الطفل الحليبي إلى العجوز التسعيني من هذا العالم بالإجماع، المدمنون بفيسبوك هم الآباء والأمهات بالأبناء والاحفاد والأجداد.!
فيسبوك حظيرة لا نعرف فيها رؤوسنا من أرجلنا, ولا ذكورنا من إناثنا، ولا أعيادنا من صيامنا، ولا حريماتنا من محارمنا، هذه الرقاب الخاضعة لفيسبوك والرؤوس العاكفة عليها والقلوب الخاضعة لها والعقول المدمنة بها، قد تجرف بشرايين الحياة يوما الى مضيق لا يقل إبتزازا عن مضيق هرمز وإبتزازاته لشرايين الاقتصاد المتمثلة في ناقلات النفط، بل واشد إبتزازا وتهديدا، لان ناقلات النفط إن عبرت المضيق والقناة بسلام إنتهى كل شي، لكن مضيق فيسبوك ومن يعبره بخصوصياته، فإنها مسجّلة، تُحفظ وتُؤرشف لليوم الموعود.!
إخترعوها بالعقل ليحرقوا بها العقول والأبدان والأجساد، الإبداع عندهم (الطريق الى هذا الكون العظيم)، وعندنا بدعةٌ وظلال، وكل ظلال في النار .. إنهم قومٌ يعلمون فينتقلون بالعلم من الأرض الى القمر ومنه الى المريخ، وياليت قومي يعلمون فلا يتعالمون ولايتعالون على هذا الكون العظيم.
وتحضرني بالمناسبة قصة طريفة تناولتها الصحف يوم هبوط الإنسان على سطح المريخ بقوة العلم، وفي ليلته قيل إنعقدت جلسة شعبية على سفرة (القات) في اليمن الشقيقة، بنقاشات حادة قريبة من حدة مجازر بورسعيد بين الأهلى والمصري، زعم روادها وهم على جلسة القات، ان في المريخ لنا حصة بميرات الآباء والأجداد، سنطالب بها عبر الأمم المتحدة إذا رفرف علمها يوما فوق المريخ.!
اليوم مع إكتتاب "فيس بوك" .. هناك عالمٌ سيحملون أسهما حقيقية فيها، على نقيض ما على الطرف الآخر من عالم نحن فيه، نحمل حسابات وهمية في الفيسبوك بإسماء مستعارة وصور مباحة حينا وإباحية أحيانا، ومدراء محافظنا في بنوكنا كلّوا وملّوا فلن يساهموا في هذا الإكتتاب العظيم، إذ نفذ ما لديهم من أصباغ الديكور ومعجون الطلاء بعد ان صبغوا بها البوسترات لإكتتابات فيما سُمّيت يوما بأكبر شركة غاز في العالم، أو بأكبر شركة تمويل في العالم، وغيرها من ألقاب التفضيل والمفاضلة .. وجُلّها ظلت وبعضها لازالت حبرا على ورق.! إكتتاب فيسبوك بلقب "أكبر شركة في العالم لخدمات الشبكات الاجتماعية" لقبٌ مباح، كما كانت ألقاب كبرى الكبريات منذ عقد ونيف في عالمنا مباحٌ ومستباح.
إنهم اتجهوا الى صناديق الإكتتاب بفيس بوك بدقة ما في معاصمهم من ساعة دقيقة وهم مرتاحوا البال ومطمئنّوا الفؤاد، ليس كما كنا نتجه يوما ليله سرمدي و نهاره سرمدي، ناموا على الأرصفة، ليصلوا صلاة الفجر على صناديق الإكتتابات، وهي شركة لم تلد بعد، ولكن على أساس انها قد تولد فتصبح أكبر شركة في العالم.
فيس بوك مستخدموها 800 مليون، ديونها صفر، أصولها 5.6 مليار دولار، عائداتها 4.3 مليار دولار، وأرباحها التقديرية قبل الاكتتاب بهامش 20% اي 850 مليون دولار، فالناتج معروف للمكتببين، بينما بوسترات الإكتتابات لشركات إفتراضية على أسس وإفتراض إذا حصل كذا فستصبح الشركة كذا، كانت تغري البسطاء يذبحوا بعضهم بعضا في الطوابور، وإختنقت ببعضهم السجون لاحقا وعائلاتهم تكتم الدموع وراء الجدران، بعد أن إختفت عن الشاشات كرفتّات الأفندية الخبراء والبشوات الذين زرعوا لنا المرّيخ وهربوا قبل ان يحصدوا المحاصيل.
- بقلم: أحمد إبراهيم (كاتب إماراتي)
- البريد الإلكتروني: ui@eim.ae
موضوع رائع ويحتاج عصر مخ لتفهمه والله يستر جأتني رسالة عن حسابي في الفيس لم أهتم بها ومسحتها أكون مرشة لأسهم قوية وطيرتها الله يستر
ردحذفموضوع رائع ويحتاج عصر مخ لتفهمه والله يستر جأتني رسالة عن حسابي في الفيس لم أهتم بها ومسحتها أكون مرشحة لأسهم قوية وطيرتها الله يستر
ردحذفمقال عشرة على عشرة
ردحذفننتظر ونشوف. مقال رائع جدا من كاتب جميل جدا شكرا يا ابن الامارات
ردحذف