حفر الزعيم !




هناك حفر كثيرة للزعيم الملهم وكلها مهمة بالنسبة له ، بل تكاد تنازعه حبه لبعض ولده ، وقد يكلفه الحفاض عليها حياته ، ومن سخرية القدر أن ينتهي مصيره بأحداها لكي يصدق القول المثثور { من حفر حفرة لأخيه (الشعب ) وقع فيها } ولكن قبل أن نشرع في سبرأغوار هذه الحفر والتي تعتبر سر من أسرار الدولة العلية ،
ترى ما هو تعريفها ؟
لعلنا نحاول فهم ماهية هذه الحفر .
حسنًا بعد الأستعانة بالله، "الحفر" جمع حفرة وهيه فتحة أو شق في الأرض تخرج الى الوجود أما بفعل العوامل الطبعية أو بفعل فاعل و يختلف أتساعها من ضيقها بحسب مزاج الزعيم الملهم ،لهذا تزخر بها شوارع المدن والقرى على حدًا سواء متبعًا الحكمة القائلة (حفرة لكل مواطن ) وحتى السجين يجدها قريبة منه وضعت لتكون هيه مكان قضاء الحاجة أجلكم الله ، كما أن لها هدف أستراتيجي جد خطير فهي قد تكون ملاذه الأخير !
عجيب أمر هذا الزعيم حتى هذه الحفرة الحقيرة نازع الشعب فرحتهم بها ، وأكبر منها البئر والزعيم يفضل منها الأبار المغيضة لتكون قبرًا جماعيًا لمعارضية والخارجين عليه من الجرذان ، أو بئربترول فياض وهنا تحط بنا الرحال عند أحبها ألى قلبه وأثرها عنده ، ولا غرو ولا عجب أن سمي بالذهب الأسود ، فللزعيم منه الذهب يكدسه في حفر البنوك أقصد خزن البنوك السويسرية ، وللشعب سواد المصير.
لعلها لم تكن كبوة مني حين خلطت بين خزانة البنك والحفرة المبجلة ففي القصص والأساطير تكون هيه مخبئ الكنزالنفيس و لا تزال ألى يومنا الحاضرمثل منجم ميرني الماسي – غربي صربيا بعمقِ 525 متراً و اتساعه 1200مترا وقد تم منع عبور الطائرات من علي هذه المنطقة لقوه الجذب الموجودة بالمكان وسقوط بعض الطائرات بهذا المكان .و حفرة كمبرلي جنوب أفريقيا بعمق يبلغ 1097 مترًا وأنتجة أكثر من 3 أطنان من الماسِ قبل أن تغلق في 1914, ثم اعيد افتتاحها كمعلم سياحي .
وعلى ذكر السياحة بما أنهمن المؤكد أن أرض الوطن تنعم بحفر ذات صيت و تاريخ عريق أجدني لا أنفك أستغرب لمالم يئمر ( سيف العرب و ملك الملوك و هازم أحزاب الأستعمار و مناهض الأمبرالية وحامي حمى الحرية الثائر ) و هذه القابه و بعض صفاته السنية لما لم يئمر بتحويلها لمزارات سياحية و ذلك من باب تشجيع السياحة ، لكني بعد طول حيرة أستدركة وأيقنت أني لن أصل لمستوى تفكيره وحنكته ، فلا يجوز في حق الزعيم أن يكون لديه مثل هذه الحفر والسجون فهو لا يظلم و لا يضام من كان تحت لوائه ، الم أقل لكم أن أمر هذه الحفر جد خطير .فقد دخل بعضها التاريخ وكان داخلها الشاعر الوسيم القسيم وضاح اليمن شاعر الغزل في العصر الأموي فلم يرىبعد ذلك ، فقد أهدى الخليفة الوليد بن عبد الملك زوجه أم البنين جواهر أرسلها مع خادم له فدخل الخادم فوجد عندها وضاح فأسرعت ووضعت وضاح في الصندوق والخادم يرى ثم أخذت الجواهر من الخادم فطمع الخادم وطلب إحدى هذه الجواهر فأبت عليه وسبته فانصرف غاضبا وأخبر الخليفة بما رأى فأظهر الخليفة تكذيبه وأمر بقتله ثم نهض من فوره ودخل على الملكة فإذا بها تتمشط فجلس على الصندوق الذي وصفه له الخادم وطلب منهاأن تعطيه إياه فلم تستطع الرفض فأخذه إلى مجلسه وأمر بحفر بئر في هذا المجلس وألقى الصندوق في البئر ثم دفنها بالتراب وسوى بها الأرض ورد البساط فوقها كما كان واختفى وضاح .
و هناك شاعر آخر نزل أحد هذه الحفر وكانت كما تواترت الأخبار بئرًا مهجورة و كان سجانه أمير المؤمنين الفاروق عمر رضى الله عنه أنه ( الحطيئة ) حامل لواء الهجاء بين شعراء العربية بلا منازع فقد بلغ شئوًا لم يبلغه أحد قبله ولا بعده فقد هجا أمه وأبيه ثم توج ذلك بما لم يسبقه اليه أحدًا غيره فهجا نفسه .
وكان سبب سجنه هجائه الزبريقان بن بدرالتميمي سيد قومه حين قال فيه :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فلم يرى عمر في هذا هجائًا فاستشار الصحابي الجليل شاعر الرسول عليه الصلاة والسلام حسان بن ثابت فأكد رضى الله عنه ذلك فحبسه ثم أنه أستعطف الفاروق بقصيدته المشهورة

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخ*** زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
غادرت كاسبهم في قعرمظلمةٍ *** فاغفر هداك مليك الناس يا عمر
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه *** ألقت إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها *** لكن لأنفسهم كانت لها الأُثر

فبكي الفاروق و نهاه عن هجاء الناس فقال أذًا يموت عيالي جوعاً هذا مكسبي ومنه معاشي وأخلى سبيله بعد أن أشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم
فقال الحطيئة في ذلك :

وأخذت أطراف الكلام فلم تدع *** شتماً يضر ولا مديحاً ينفع
وحميتني عرض اللئيم فلم يخف *** مني وأصبح آمناً لا يفزع

و من أشهر قصائد الشعر في العصر الحديث للعرب عن الحفر قصيدة شاعر تونس الخظراء أبو القاسم الشابي :

ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
إذا مـــا طمحــتُ إلــىغايــةٍ ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَالشِّـعاب ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ


و التي ضلت زمنًا طويلًا حبيسة دفتي كتاب عادة لتثور في وجه الزعيم بعد أن كانت فقط من أدبيات الثورة ضد الأستعمار و حفره التي عاد الزعيم لحفرها لشعبه بهمة وتفاني جعلت المستعمر القديم في بعض الأحاين يهب لنجدة الشعب المدفونه طموحاته بتراب حفر الزعيم
وللحفر حكايات و قصص لاتنتهي و لها أيضًا بعد نفسي عميق الغور و دلالة لغوية ومترادفات منها الكهوف ككهف المهدي المنتضر لدى الرافضة و كهوف تورا بورا للزعيم الشيخ الذي أستطاع نسف أكبرالمباني أرتفاعًا وهو قابع في أعماق حفرته متخندقًا يظن بزعمه أن ينصر دين الله ( هذا أذ إن سلمنا بأنه فعلها ) ثم كان مثواه الأخير حفرة في قاع المحيط
وهنا نأتي على ذكر آخرالحفر والتي ستكون أن عاجلًا أو أجلًا مقر كلًا منا ، أنه القبر و ما هو إلا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة



  • من حفر:
خالد الزهراني

2 تعليقات

أحدث أقدم