حقيبتي بغزليات رمضانية..!!

Ahmed%2525252520Ibrahim_thumb%252525255B1%252525255D%25255B1%25255D_thumb[1]في الصيف ينبتُ الريش في حقائبنا تطير بنا المطارات، وفيه ينبتُ الريش أيضا في الحقائب المدرسية لأطفالنا المهرّجين بالورقة الأخيرة لامتحاناتهم السنوية، تطير مباشرة حقائبهم الهواء في فناء البيوت وساحات المدارس وقاعات الحرم الجامعي.

لكن الحقيبة الرمضانية اللّاهبة هذه المرة بأقصى درجات الحرارة في الخليج، وكأنها جاءت مغلقة الأبواب والمنافذ عن الحقائب الجدلية الأخرى، العقلانية منها والغوغائية، السلمية منها والحربية، النظامية منها واللا نظامية في اكثر من شارع عربي.
ابني البذخ بحقيبته المدرسية هو بطل اليوم، وقد همست في أذنيه يا بُنيّ، وهو يرمي القلم والكشكول والكتاب في الهواء، مهرولا خارج صفه ومدرسته، ثم يرمي حقيبته الجلدية الفاخرة في الهواء مخاطبا اياها (مالي حاجة بك يا حقيبتي بعد اليوم، إذا نجحت فإن أبي سيشتري لي حقيبة أغلى تليق بالعام الجديد والصف الجديد، وإن رسبتُ فإنه سيعمل المكياج والديكو لرسوبي بكماليات قد تكون شنطتي العام القادم هي الأغلى بين الصفوف!) )

همستُ في أذنيه: (بُنيّ، لاترمها الشنطة بضعف تسقط على رأسك، ولا بقوة تسقط على رأس زميلك، بل ارمها بقوة تصل الى أبناء عمومتك المحتاجين للشنطة المدرسية في الصومال والقدس والعراق، دولٌ غنية أبناؤها فقراء..!) )

بُنيّ، الصومال الغنية بالأبقار والذهب والزراعة والثروات السمكية، قد يموت فيها هذا العام مليون طفل من الجوع، إنهم يصومون ونحن نصوم، والفرق نصوم نهار رمضان لنفطر على ما لذّ وطاب من الأطباق الملونة، وهم يصومون بلا فطور ولا سحور، وقد يصوموا طيلة العام بجفاف أيامه ومجاعة لياليه وقد ينتهي بهم الجوع الى المقابر ليفطروا في اللحود.!

وعراقُ النفط والغاز والريّ بالرافدين يا بنيّ، غنية هي الاخرى بالمعادن والتعدين والتصنيع والزراعة، لكن ابناءها فقراء الى جانب أبناء إخوة لهم في القدس التي باركنا من حولها (بقوله تعالى).. فإن أبناء القدس والعراق منذ سنيها العجاف لا حقائب لهم من الحريات ولا مظلة لهم تحت سقف ما يسمى بحقوق الإنسان، فان خرجوا دون المدارس هذا العام، فإنهم قد يعودوا العام المقبل  بلا حقائب مدرسية، لان الحقائب الملغومة هي التي تبحث عن الطفل العراقي، والسياط الإسرائيلة هي التي تجري وراء الطفل الفلسطيني وهما يجريان بين المدارس والبيوت والمخيمات.

وحقيبتك الجلدية الفاخرة هذه يا بُنىّ، إن رميتها بالقوّة المرجوّة، عساها إليهم، حتى وإن سقطت فوق رؤوسهم، فإنّ وقعتها تبقى أرحم على قلوب مرتعشة بين النفايات، وهم يبحثون عن حقائب مرميّة ممزّقة أو غير ملغومة في عامهم هذا وفي كل عام.

بنيّ، وها نحن إلتقينا بهلال رمضان الكريم لنصوم معا، لكن اعلم يابُنىّ ان من أحب بطنه أكثر من عقله، سيبقى أسير طبق رمضان اكثر من كتاب رمضان، وكتابُ رمضان ليس عنوانه العريض هو النوم والخمول والكسل كما هو المتعارف بيننا..!
 
صدقني يا بنيّ كلما فرغ بطنك أكثر ازدهر عقلك أكثر، فزاد عطاؤك واصطلبت أفكارك.

ليس كل جائع تجده صائما يابُنىّ، فالجوع بلا صوم قد ينال رضا البعض وغضب البعض الآخر، كما الجائع من الفقر تجده يغضب من تارك الطعام طلبا للرشاقة بالريجيم، وكلاهما جائعان سيبقيان على نفس المساحة من الكره والعداء للطرف الآخر، لان كلا منهما يرى الطرف الآخر شبعانا على حسابه.
بينما تارك الطعام صائما في طاعة الله، يرى في نفسه مساهما بين الجائعين من فقراء أمة لا إله الا الله، يتذوّق جوعهم وعطشهم،  يشاركهم آلامهم، يشعر بهم وهم يشعرون به، وهكذا الصائم يخفف على عضلات بطنه فتقوى عضلات عقله.

ألم تر ان اكبر انتصار للعرب تحقق على يد قيلولة من الصائمين في بدر رمضان، تقابله الهزيمة النكراء التي ألصقت بنا الذلّ والعار والهوان للأبد في نكسة حزيران، لا أعتقد انهم في حزيران كانوا من الزهد صائمين، قدر ما اتوقعهم كانوا من التخمة نائمين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم