سينما..!

foto sala 3 sao jorge

كان كل هم صاحبنا هو إنهاء تلك المشكلة البسيطة و السلام، و اتبع معها في تلك المكالمة الطويلة كل سبل الإقناع و التهدئة و المداهنة لكن لا فائدة، بصراحة كانت أسئلتها سريعة و نافذة في صلب الموضوع، و حججه كلها لا يؤيدها أي عاقل، و هكذا انتهت المكالمة بإغلاق الاتصال في وجه صاحبنا المسكين لدرجة أنه ظن أن الاتصال قد انقطع و أن عليه الاتصال مرة أخرى، و بالفعل هم بالاتصال لكن قلبه حدثه بأن الاتصال مرة أخرى يعد بمثابة تقليل من شأنه و قلة ذوق من ناحيتها، لذلك قرر أن يترك الهاتف بجواره و ينتظر أن تتصل هي طالما أن الاتصال قد انقطع، و أنها لو اتصلت و سألته عن سر عدم اتصاله بها ثانية لقال أنه بالفعل اتصل لكن هاتفها كان مغلقاً أو أن المكالمة لم تكن متاحة، و هكذا ظل بجوار هاتفه يترقب المكالمة كما يترقب القط خروج الفأر من جحره، لكنه يأس من اتصالها في هذا الوقت و قرر أن أكثرهما صبراً هو المنتصر، و بعد قليل انتابه شعور أنه لو مات و دفن محله لن تتصل، و كي يقتل هذا الشعور بداخله قرر الانشغال بأي شيء كان، و لما أمسك بالجريدة و رأى إعلان أحد الأفلام الجديدة قرر الذهاب و ضرب عصفورين بحجر، الاستمتاع بفيلم سينمائي و قتل الوقت الذي بمروره سينتصر، و في صالة العرض شرد مع مرح الشباب و ألفة الأهل و الأسر و هذا الجو الواقف على حدود واقعية الحياة و خيالها، و بدأ العرض و اضطر آسفاً للشرود في عدة أفكار تنبعث كلها من نفس المشكلة، و راح يتمنى لو أن حبيبة البطل تغلق المكالمة في وجهه كي يعلم رد فعل البطل حيال تلك الجريمة، لكن للأسف كان فيلماً تاريخياً يحكي رواية أول الأبطال، هذا الذي نصفه إله و نصفه الآخر بشر و يقضي على الشر و يحصل في نهاية الفيلم على الحسناء و الكنز و الخريطة و تذكرة مجانية لحضور الفيلم، و لما وجد الفكرة سخيفة جداً أو بعيدة عنه جداً شرد في ما هو خارج الفيلم، و كل تركيزه كان على أي رجل و امرأة يتهامسان بكل رقة و يأكلان بهدوء و انسجام تام، و يبدو أنه تأثر بعض الشيء لدرجة أن واتته رغبة في التدخين حتى لو في صالة العرض، لكنه واسى نفسه بأنه هو كذلك له حبيبة، و سيروح معها في يوم من الأيام ليشاهد فيلماً تماماً كذاك، و بعد قليل وجد ألا سبب لوجوده هنا طالما أن الفيلم مقرف و تراوده تلك الأفكار السوداوية، و هكذا قرر الخروج المفاجئ، و في الشارع انتابته أفكاراً أكثر سواداً، فليس من المعقول ألا تتصل به بعد كل تلك الساعات-أو السنين- إلا لسبب قهري خارج عن إرادتها، ربما أصابها مكوره ما! ربما سقط الهاتف من يدها و تهشم! لكنها قادرة على الاتصال من هاتف آخر! أو ربما كانت الأصول أن يتصل هو و يصالح هو و يعتذر هو طالما أن الخصم امرأة! لكن أين راحت المساواة بين الرجل و المرأة! لا بد أن تتصل هي! طالماً أنها هي من أخطأت! لكن من قال أنها المخطئة! ربما كان هو؟ و في النهاية توصل إلى أنه في كلتا الحالتين قليل الشأن! لكنه لو اتصل بها فعلياً كان قليل الشأن أمامها و أمام نفسه، و أنه لو استمر في هذا الفكر لكان قليل الشأن أمام نفسه فقط، لأنه بالفعل مشتاق و نادم و راغب في المصالحة لكن نفسه لا تسمح و لا مظهره ... لكنه أخرج هاتفه فجأة و أشعل معه سيجارة و سار بخطوات هادئة جداً و كان صوته شجي دافئ ما بين معاتب و شاك، و لما ردت على الهاتف قال:
- أعتذر عن سلوكي فقد كنت غاضباً بعض الشيء، لكني أكثر هدوءاً الآن... و لما رحت اليوم للسينما و تفكرت في المسألة وجدت أني افتقدتك كثيراً و أني نادم على...
- سينما؟
بصراحة كان السؤال في محله، و الدليل أن الصمت قد طال بعض الشيء، و بعدها قال في تردد:
- نعم.. رحت لأشاهد هذا الفيلم الذي اتفقنا أن...
- رحت للسينما بمفردك؟
و هنا انقطع الاتصال مرة أخرى.

  • سلامة عبد السلام
    22/5/2011

1 تعليقات

  1. رجااااااااء31 مايو, 2011 00:22

    ألف شكر على هالروعة أيها المبدع الجميل

    ردحذف
أحدث أقدم