نمت و استيقظت، لا حلم و لا كابوس، رحت لعملي و رجعت، قرأت و تفكرت و حاولت مواجهة بياض الصفحة مرة أخرى.. تصور لو اكتشفت بعد كل تلك السنين أني لست بقاص و لا بأديب أصلاً! و أن كل ما كتبت كان مجرد محاولة لاكتشافي! و الله ممكن! لكن ترى لماذا يحصل المرؤ على شهادة تقر و تعترف بما هو عليه! و لا يحصل على شهادة بما هو ليس عليه! بيد لكانت الحياة أجمل.. تخيل جدران غرفتي بعد أن أعلق عليها الكثير من الشهادات التي تشهد واحدة منهم بأني لست بطبيب، و أخرى مكتوب عليها أني لست بشاعر، و أخرى تقر و تعترف بأن المذكور أدناه لا يجيد العزف و لا الغناء و أذنه ليست موسيقية، و شهادة تقول أني فاشل هندسياً، و غيرها تقول أني لست حرفياً.. ألن تقل وقتها الخيارات أمام البشر و ينطلق كل بشري محاولاً اكتشاف نفسه بعيداً عن كل تلك الشهادات؟ لكن يبدو أن لعبة الحياة هي ألا ترى الحدود إلا من قريب.. و أن تبحث عن مكانك ما بين الممكن و مستحيله.. و هذا هو الاكتشاف.. أن تكتشف نفسك أو ما حولك.. المهم.. أخذت تلك المحاولة ساعتين تقريباً و لم يكتمل فيها سطر واحد.. أذكر أني كتبت سطراً يفيد بأني بحاجة لما هو أكثر من غناء، و أن أروح لما بعد الفرح بقليل، و بعدها حذفت هذا السطر لتعود الصفحة كما كانت.. جربت الاستماع لموسيقاي المفضلة لكنها زادتني تشتيتاً.. جربت وصفة أدبية تنصح بترك الكتابة و إجراء أي نشاط آخر و معاودة الكتابة بعدها لكنها كذلك فشلت، و بعدها جربت الاسترخاء و إخلاء الفكر من منغصاته، لكن بياض الصفحة صار أكثر استفزازاً.. هل بالفعل نفدت الحكايات من هذا الكون الفسيح المليء بالأيام و الأحداث و التجارب؟ يبدو لي مستحيلاً ما أقول و يبدو أن المشكلة عندي أنا، يبدو أن ما يدور حولي بحاجة لتدوين و كتابة ربما تفيد غيري في زماني أو في زمن آخر، لكن ترى ما الذي حدث بالأمس لأكتبه اليوم؟ حدث كل ما هو مهم و مصيري و مؤثر، لكنه لم يحدث لي أنا، ثم أنه مذكور في الجرائد، و مناقش في الفضائيات، و سخرت منه رسوم الفن و تناولته الألسنة الحادقة و الجاهلة، ما العائد من ذكره مرة أخرى؟ ثم أن العالم قرية آخذة في الصغر، أنا أبحث عن أرض غير تلك التي نخوضها كل يوم، و لست مصراً على كتابة ما يفيد بأنك لست وحدك من يعاني و يثابر و يحاول و أن هنالك من يعاني أكثر من معاناتك و لكنك غير منتبه، بل أفضل أن أعاني أنا و أنت، و أن نلتقي هنا قليلاً لتعرفني و أعرفك و يعود كل منا بعد قليل لحياته، لأن الحياة فردية، أو أصبحت فردية، أو ليست بفردية، الكل له أسبابه، المبرارات موجودة عند أي واحد لكن الإقناع أو الاقتناع هو النادر.. المهم.. أنا أبحث عن رواية أكتبها، ترى هل تبحث أنت عن رواية تقرءها؟ و هل تبحث عن بطل لديه نفس اسمك و ظروفك و حبيبتك و عاش ما عشته و بحث عن حلول كثيرة و نجح في النهاية؟ بصراحة هذا ما أبحث عنه أنا في الرواية، و حتى الآن لم أجدها، لسبب فطري بديهي جداً، و هو ألا يوجد في كل هذه الدنيا مثلي، و لن تجد في هذا الكون مثلك، لذلك نلجأ أحياناً لتأويل أحلامنا و نبحث عمن يقرأ لنا فنجاناً جفت قهوته، نحن مشغولون جداً بمستقبلنا، أو بنتيجة معادلة تلك الأيام الطويلة، لكن المفاجأة أن الضمان يسري لعام أو لثلات على أجهزتنا المنزلية، لكنه لا يسري لساعة على أحلامنا.. لكننا لن نتوقف عن قراءة الحكايات و التفتيش عن أنفسنا داخلها، و كذلك لن أتوقف عن البحث عن رواية.. و كل ما أريده حالياً هو حدث و زمان و مكان.. ترى بأيهم أبدأ؟
- بقلم: سلامة عبدالسلام